جميح للساحل الغربي: رصد قطع أثرية في باريس وإثبات يمنيتها... نزيف الهوية اليمنية تحت وطأة ثلاثي التجريف والنهب والتهريب

  • الساحل الغربي، حسين الفضلي:
  • 09:50 2022/12/17

في الوقت الذي تتعرض فيه الهوية اليمنية لمحاولات متعددة من التجريف والطمس، يعمل آخرون في نهب وتهريب براهين الهوية اليمنية المتمثلة في قطع الآثار لتباع في مزادات علنية في دول متعددة.
 
يمر قطاع الآثار في اليمن بمنعطف خطير جراء عمليات النهب والتهريب والمتاجرة به في مزادات إلكترونية لدول متعددة، ويرجع هذا للإهمال الذي يعيشه قطاع الآثار بالتزامن مع سنوات الحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثماني سنوات.
 
وخلال سنوات الحرب والإهمال الذي لحق بقطاع الآثار لوحظت عمليات النهب والتهريب بشكل علني للآثار المادية والفكرية والتي ترتبط بتاريخ وهوية الوطن لآلاف السنين، كان أبرزها تهريب نسخة أصلية للتوارة إلى إسرائيل وقطع منحوتة عرضت في المزادات الإلكترونية.
 
وفي سبيل حفظ هذه الآثار شهد اليمن في مرحلة ما قبل الحرب إنشاء عدد من المتاحف بلغ عددها 32 متحفا متنوعا ما بين عامة وعسكرية وشعبية وتعليمية وغيرها. لكن خلال سنوات الحرب تعرض عدد من هؤلاء المتاحف للنهب والسرقة.
يقول الأستاذ أحمد جسار مدير مركز الآثار بتعز للساحل الغربي: تعرضت العديد من القطع والمخطوطات الأثرية في اليمن للنهب والتهريب والمتاجرة بها في المزادات، وهذا منعطف خطير يمر به قسم الآثار، كونه يسهم في ضياع تاريخ وهوية أمة بأكملها.
 
ويرجع جسار نهب وتهريب القطع الأثرية في اليمن لأسباب عدة أبرزها وجود عصابات اتجار بالآثار وقلة الوعي لدى شرائح المجتمع بهذا الموروث... والعديد من الأسباب الأخرى. 
 
 
إهمال متعمد
 
تتعدد دوافع عمليات نهب وتهريب القطع الأثرية، لكن يظل الإهمال هو السبب الأبرز وراء هذه العمليات، إلا أن المخيف أن يكون الإهمال متعمدا، وهذا ما يلاحظ في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي. 
 
تنظر مليشيا الحوثي لمسألة الهوية اليمنية باستخفاف وتعمل على تجريفها وإبدالها بمسمى الهوية الإيمانية، كما ترى القطع الأثرية موروثا جاهليا لا علاقة باليمنيين وتاريخهم، الأمر الذي مهد لانتشار عصابات النهب والتهريب للقطع والمخطوطات الأثرية والمتاجرة بها.
 
بهذا الخصوص يقول علي محمد (اسم مستعار لباحث وخبير في الآثار في صنعاء) للساحل الغربي: مليشيا الحوثي لا تؤمن بأهمية القطع والأماكن الأثرية وتربطها بالجاهلية، لذا تغض الطرف عن الجهات التي تعمل على التنقيب والمتجارة بها.
 
 
يضيف محمد، الدليل الأكبر على تعمد المليشيا الحوثية إهمال الآثار هو تسهيل خروج مخطوطة نادرة للتوارة وتوصيلها لإسرئيل، كذلك إهمال المتاحف والقطع التي بداخلها في مناطق سيطرتها والتي تتعرض للإهمال والتآكل دون أي اهتمام.
 
إمكانية استرداد القطع
 
استطاعت العراق استرداد جزء كبير من القطع والمخطوطات الأثرية التي تم نهبها وتهريبها أثناء فترة الحرب التي شهدتها العراق في الفترة الماضية، واستطاعت تتبع جزء كبير من قطعها الأثرية في دول عدة ومن ثم استعادتها.
 
وعملت العراق على إنشاء قسم خاص بوزارة الآثار مهمته تتبع القطع والمخطوطات الأثرية واستعادتها عبر التنسيق مع عدة وحدات دولية متخصصة مثل اليونسكو والأنتربول.
 
في الشأن ذاته يقول الدكتور محمد جميح سفير اليمن لدى اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، استرداد القطع الأثرية المنهوبة يحتاج لوقت طويل خصوصا في ظل ضعف المؤسسات الحكومية في هذه الفترة، لكن يمكن الوصول إليها واستردادها.
 
ويوضح الدكتور محمد جميح في حديثه للساحل الغربي، أنه تم رصد قطع في فرنسا وهم بصدد استعادتها: "بالنسبة لبعض القطع هنا في باريس في فرنسا تم ضبط عدد من القطع، والشرطة الفرنسية تتحفظ عليها بحدود 15 قطعة وهي قطع أثرية يمنية تم التواصل مع الجانب الفرنسي وطلبوا أدلة على أن هذه القطع يمنية، ثم تواصلنا في المندوبية الدائمة لدى اليونسكو مع عدد من علماء الآثار العالميين في اليمن منهم اليمنيون ومنهم خبير آثار فرنسي وخبير آثار أمريكي وخبيرة آثار إيطالية وكلهم أكدوا بأن هذه القطع يمنية، ورفعنا التقرير للسلطات المختصة، وهذه القطع الأمل كبير أن نستردها؛ لأن علماء الآثار أكدوا يمنيتها".
 
صعوبات الاسترداد
 
توجد صعوبات في استرداد القطع الأثرية التي تعرض في المزادات الدولية خصوصا في ظل عدم وجود إحصائية لعدد القطع والمخطوطات الأثرية المنهوبة، حيث يتطلب الأمر رصد ومتابعة هذه المزادات ومن ثم عمل اتفاقيات مشتركة مع هذه الدول التي تعرض فيها القطع أو التقاضي في الجهات المختصة.
 
يؤكد محمد جميح أن استرداد القطع الأثرية المنهوبة يحتاج لوقت طويل خصوصا في ظل ضعف المؤسسات الحكومية
يؤكد محمد جميح أن استرداد القطع الأثرية المنهوبة يحتاج لوقت طويل خصوصا في ظل ضعف المؤسسات الحكومية
 
في هذا الصدد يقول الدكتور محمد جميح: للأسف لا توجد إحصائية محددة لعدد القطع التي هُربت من البلاد في السنوات الأخيرة؛ ذلك نتيجة لعدم وجود قاعدة بيانات وطنية تشمل عموم الوطن لتسجيل ما تم فقدانه سواء من المواقع الأثرية أو من الدوائرالحكومية كالمتاحف والمخازن التي تتبع الآثار والمتاحف، لذا نظل بحاجة للتتبع والرصد المستمر.
 
ويوضح الدكتور جميح أنه تم رصد عدد من القطع في مزادات دولية موجودة في بريطانيا وأمريكا: تم رصد عدد من المزادات العالمية التي للأسف الشديد بيع فيها بعض القطع في لندن وفي الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك ويوم 30 نوفمبر الماضي تم بيع عدد من القطع اليمنية في لندن في مزاد هناك، حاولنا بالتعاون والتنسيق مع وزارة الثقافة منع ذلك المزاد وتم إرسال رسائل للمزاد عن طريق وزارة الخارجية التي أودعت للسفارة اليمنية في لندن لمخاطبة المزاد لكنهم مضوا في ذلك.
 
ويضيف جميح، إن بلادنا تحتاج إلى اتفاقية ثنائية مع الجانب البريطاني لتسليم الآثار أسوة بالاتفاقية التي تم توقيعها بيننا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في يوم 6 من ديسمبر قبل أيام أيضاً عقد مزاد آخر في لندن وتم بيع عدد من القطع، طبعاً استرداد هذه القطع يحتاج إلى فترة طويلة من العمل حيث يحتاج إلى إمكانات والتقاضي عبر الجهات المختصة.
 
ويستعرض الدكتور جميح مخاوفه حول شراء هذه القطع من قبل هواة الآثار الذين يقومون باقتنائها لمنازلهم للتفاخر بامتلاكها فتصعب المشكلة أكبر في تتبعهم ورصدهم، بعكس أن تحوزها متاحف عالمية معروفة.
 
الجدير بالذكر أن وزارة الثقافة اليمنية قامت مؤخراً بإنشاء إدارة عامة ضمن الهيئة العامة للكتاب، هذه الإدارة يكون عملها متابعة ومنع خروج القطع الأثرية من الداخل ورصدها في الخارج والعمل على استردادها، لكن لم نلحظ بعد دورا ملموسا لهذه الإدارة.

ذات صلة