توصيات أربعة تحليلات أمريكية للرئيس بايدن : السعودية أكبر من أن يتم تجاهلها

  • المخا، الساحل الغربي، أمين الوائلي:
  • 07:09 2022/07/10

"ما هو الأمر المهم جداً لمصالح واشنطن لدرجة أنه لا يستحق سفر بايدن إلى المملكة فحسب، بل يستوجبه أيضاً؟"
 
الجدل المحتدم في الإعلام الأمريكي، منذ أن كانت التسريبات تتحدث عن زيارة محتملة للرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية وإلى أن تأكدت بأكثر من بيان وإحاطة للبيت الأبيض ثم تأكيدات الرئيس الأمريكي وحتى اليوم، يعطي المراقبين والمحللين إفادات مهمة وقوية بأهمية وخطورة المملكة بالنسبة إلى العالم ودواليب الاقتصاد والطاقة، فضلا عن أهميتها بالنسبة إلى الولايات المتحدة بصفة خاصة حيث يعيد البيت الأبيض والرئاسة الديمقراطية اكتشاف المثبت سلفا: "السعودية أكبر وأخطر من أن يتم تجاهلها، وأكثر مما يمكن المرور عليه."
 
"الاعتبارات الأخرى، قائمة بالفعل"
 
يقول دينيس روس، السفير السابق وهو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما، في مقالة تحليلية، "يتصرف أولئك الذين ينتقدون (الآن) الزيارة المرتقَبة للرئيس بايدن كما لو أنه ليست هناك اعتبارات أخرى. لكنّ هذه الاعتبارات قائمة في الواقع."
 
وفي الصدد، يستطرد مستشهدا، إن "إخراج أكبر قدر ممكن من النفط الروسي من السوق يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الأسعار ويتطلب التوسع في إنتاج النفط من أجل التعويض عن بعض الخسائر. والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بقدرة احتياطية ملحوظة على إنتاج النفط."
 
"وتُذكّرنا الحرب التي شنتها روسيا أنه لا يوجد شيءٍ يُدعى الاستقلال النفطي طالما أن هناك سوقاً واحداً للنفط/الطاقة في العالَم، ويؤدي اضطرابُه إلى تكبُّد الولايات المتحدة والدول الأخرى مستوياتٍ أعلى بكثير لسعر النفط. ويشكّل بلوغ سعر الغالون الواحد في الولايات المتحدة خمسة دولارات شهادةً على ذلك. وصحيحٌ أن الاستقلال الفعلي سيتحقق عندما تحُلُّ مصادر الطاقة المتجددة محل الوقود الأحفوري، لكن الولايات المتحدة لن تبلغ هذا الواقع إلا بعد عقودٍ من الزمن، بينما قد يبقى استهلاك النفط في ذروته في السنوات القادمة المتراوحة من عشر إلى خمس عشرة سنة. وتماماً كما فهمَ جيمي كارتر أن السعودية كانت مهمة للولايات المتحدة، كذلك يجب على واشنطن الآن أن تضع ذلك في الاعتبار أيضاً."
 
وقت سيء -جداً- لتدهور العلاقات
 
تحليل لافت كتبه ديفيد شينكر، من معهد واشنطن وهو مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى، كان يعنون "رأب الصدع بين واشنطن ودول الخليج"، لا يذهب بعيدا عن الإيقاع المتزامن والمتناغم والذي انتظم سلسلة من التحليلات والمقالات في أبرز المنصات ووسائل الإعلام الأمريكية، فيما بدت أنها حملة معاكسة لمنتقدي الزيارة وتحشيد منظم لحملة داعمة.
 
بالطبيعة، لايستطيع المحللون والنقاد تجاهل أو تجاوز التصريحات "المؤذية" والرسائل "المزعجة والسلبية" التي صدرت عن بايدن خلال حملته الانتخابية، تجاه السعودية وبصورة أخص تجاه الأمير الشاب والحاكم المستقبلي للمملكة - ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان، ووقوع بايدن وحملته تحت ابتزاز فئات ولوبيات لحاجة انتخابية. وبعد عام من الرئاسة لا يستطيع بايدن وكبار مساعديه التراجع عن خطأ كبير ومحاولة إصلاح الأمور و"رأب الصدع".
علاوة على هذا، يضيف شينكر، "ساهمت مجموعة من العوامل في تدهور علاقات واشنطن مع الرياض وأبوظبي. وكانت الرغبة المتصورة للإدارة الأمريكية لاستئناف العمل بالاتفاق النووي مع إيران دون معالجة مخاوف المنطقة بشأن الميليشيات المدعومة من إيران، مصدر إزعاج مبكر. وما زاد الطين بلة هو شطب واشنطن لجماعة "الحوثيين" اليمنية من قائمة الإرهاب، والتي كانت في ذلك الحين تكثّف استهدافها للسعودية. وعلى نحو مماثل، لم يساعد التخلي عن كابول والانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان في تعزيز الثقة بقدرة واشنطن على الوفاء بالتزاماتها بتوفير الأمن في المنطقة، وهو الأمر بالنسبة إلى ردّ الإدارة الأمريكية المتأخر على هجمات الحوثيين غير المسبوقة بالطائرات المسيرة والصواريخ في كانون الثاني/يناير 2022 على دولة الإمارات العربية المتحدة والتي شبهها الإماراتيون بنسختهم من هجمات "11 أيلول/سبتمبر"."
 
إن رغبة الشركاء الخليجيين القدامى في البحث عن جهة غير واشنطن من أجل التعاون الأمني تُعقّد محاولات إصلاح هذه العلاقات، شأنها شأن الديناميكيات الشخصية المتوترة. ووفقاُ لبعض التقارير رفض محمد بن سلمان استلام مكالمة هاتفية من الرئيس بايدن، ويقال أنه أعدّ قائمة طويلة من المطالب التي يجب تلبيتها قبل أي تقارب مع واشنطن. وفي موازاة ذلك، تجاهل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد رئيس "القيادة المركزية الأمريكية"، الجنرال كينيث ماكنزي، خلال زيارته [للإمارات] بعد أسابيع من هجمات الحوثيين، كما رفض لقاء وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن لقبول اعتذاره عن الردّ الأمريكي المتأخر على هذه الهجمات. (في النهاية التقى الاثنان في المغرب). فضلاً عن ذلك، لن ينظر محمد بن سلمان أو محمد بن زايد في التماسات إدارة بايدن لفسخ العلاقات مع روسيا ومجموعة "أوبك بلس" وكذلك زيادة إنتاج النفط لخفض أسعاره في السوق العالمي.
 
وفي حين قد تؤدي الهزيمة في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي لعام 2022 إلى تغيير النهج المعتمد من قبل إدارة بايدن، لا يبدو أن شركاء واشنطن الخليجيين يراهنون على هذه الخطوة، بل يبدو أن السعودية والإمارات لن تُحرّكا ساكناً بانتظار الانتقال السياسي في البيت الأبيض من إدارة ديمقراطية إلى جمهورية في عام 2024 - بل يأملان حقاً في حدوث ذلك. وفي ظل ارتفاع أسعار الطاقة، والتهديد الذي تشكله إيران على الاستقرار في الشرق الأوسط، والحاجة الأمريكية المتزايدة إلى دعم إقليمي في منطقة تحتدم فيها المنافسة بين القوى العظمى، فإن تدهور العلاقات جاء في وقت سيء للغاية.
 
السعودية ليست إيران!
 
وتقترب العلاقات الثنائية مع هذين الشريكين القديمين من نقطة التأزم، إن لم تكن قد بلغتها أساساً. وعلى الرغم من أن احتمالات تحسينها تبدو قاتمة، من المهم أن نتذكر أن واشنطن تغلبت على التحديات التي اعترضتها في الماضي يداً بيد مع حلفائها الخليجيين.
 
في مسألة النفط، وبالعودة إلى دينيس روس، "..بالطبع، هناك دول أخرى مُنتجة للنفط مثل إيران وفنزويلا اللتين يمكن إضافة نفطهما إلى السوق إذا رُفعت العقوبات المفروضة عليهما. ولكن مثلما لا تريد واشنطن أن تدعم العدوان الذي تنفّذه روسيا عبر جعلها تستمر في الاستفادة من عائداتها النفطية، فإن إيران وفنزويلا تخضعان للعقوبات لأسباب وجيهة، تشمل دعمهما للإرهاب والتهديدات التي تطرحانها على أنظمتهما الإقليمية. والمملكة العربية السعودية ليست دولة ذات نزعة تحريفية تحاول قَلب الأنظمة الإقليمية والدولية. غير أن إيران وفنزويلا هما كذلك. (وفي حالة إيران، عندما تقوم الجمهورية الإسلامية وبشكل متزايد بإلغاء قدرة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على مراقبة برنامجها النووي، وقيامها بتركيب مجموعتين جديدتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وتخصيبها [اليورانيوم] إلى درجة قريبة من صنع الأسلحة النووية، وتقليل زمن تجاوزها العتبة النووية، فهذا ليس الوقت المناسب لمنحها إمكانية ضخ النقود من خلال السماح لنفطها بالعودة إلى السوق)."
 
"مصافحة صغيرة- قفزة كبيرة"
 
وبدون مواربة، يكتب روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، تحت عنوان تعبوي لافت، "مصافحة صغيرة للولايات المتحدة، قفزة عملاقة للعلاقات الأمريكية السعودية": "هناك واجباً أخلاقياً قوياً على الرئيس بايدن لإنهاء نزاعه مع ولي العهد السعودي وهو ضمان عدم تعثر المحور التدريجي للمملكة بعيداً عن التطرف."
 
ليس هناك وقت لأقل من المباشرة ومن الصراحة، أو على أقل تقدير ليس هذا هو الوقت المناسب للابتعاد عن الواقعية الشديدة والذي تمليه القواعد الأساسية في العمل الاستراتيجي والعلاقات المحسوبة بدقة، "ووفقاً للجدل الدائر، من الضروري أن يدوس بايدن على كبريائه". يوجز ساتلوف.
 
"فما هو الأمر المهم جداً لمصالح واشنطن لدرجة أنه لا يستحق سفر بايدن إلى المملكة فحسب، بل يستوجبه أيضاً؟." يسأل أيضا.
 
وبالإيقاع نفسه من المباشرة والصراحة، تخلص آنا بورشفسكايا، وهي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن، إلى الإقرار : "يشكل تحسين العلاقات الأمريكية مع الرياض السبيل الوحيد لتغيير الموقف السعودي تجاه روسيا - وفي حالة الإخفاق في ذلك، فمن غير المرجح أن تحقق رحلة بايدن نجاحاً استراتيجياً."
 
سبقها في القول -أيضا- دينيس روس: ".. وعلى وجه التحديد بما أن الولايات المتحدة تخوض الآن منافسة ذات مدى أطول مع روسيا والصين، فهي تحتاج إلى توسيع تحالُف الدول التي ستعمل معها. وبالطبع، تبدأ بالدول الديمقراطية الأخرى، لكنها بحاجة أيضاً إلى دولٍ ليست ذات نزعة تحريفية، مثل السعودية، لتشكّل جزءاً من التحالف. فمواردها مهمة وليس من الحكمة إبعادها، لا سيما نظراً إلى ما هو على المحك في هذه المنافسة - أي سواء كان بإمكان واشنطن الحفاظ على نظام قائم على القواعد أو نجاح روسيا (بدعم ضمني من الصين) في إعادة تحديد المشهد الدولي."
 
خلفية مهمة لواقع لم يعترف به بايدن
 
من زاويتها تكتب آنا بورشفسكايا: "منذ غزو روسيا لأوكرانيا، استمرت أسعار النفط في التصاعد، كما ارتفع التضخم ويلوح الركود العالمي في الأفق. واليوم أصبحت غالبية الأمريكيين لا تؤيد بايدن. لذلك، يحتاج الغرب إلى مصادر بديلة عن النفط الخام الروسي، وليس هناك من هو أفضل من السعودية لتوفيره."
 
ولكن إعادة ترتيب العلاقات مع الرياض، أسهل أن تقال من أن تُنفذ. فالعديد من السعوديين ينظرون إلى حرب روسيا في أوكرانيا بطريقة مختلفة عن الغرب، وهو تصوّر أكثر تعمقاً من التحوط القائم على عدم اليقين في السياسات الأمريكية. ومن وجهة نظر الرياض، ليست هذه الحرب واضحة ما بين إيجابية أو سلبية. ويقيناً، صوتت السعودية لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يطالب بإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. ويتفق السعوديون على أنه ما كان على الكرملين اللجوء إلى القوة العسكرية؛ ولكن الغرب، من وجهة النظر هذه، ربما يكون قد استفز روسيا من خلال توسيع حلف شمال الأطلسي ("الناتو").
 
سيقضي المؤرخون سنوات في تحديد مَن كان على حق ومَن كان على خطأ، ولكن على السعودية أن تعيش في اللحظة الجيوسياسية الغامضة الحالية، والتي تختلف عن عام 1991، عندما برزت الولايات المتحدة منتصرة واضحة في نهاية "الحرب الباردة".. "في حالة أوكرانيا، ينظر السعوديون إلى الغرب على أنه منافق في معاقبته الأوليغارشية الروسية بعد الحرب. فمن وجهة نظرهم، إذا كان ينبغي معاقبة هؤلاء الأفراد، فكان يجب أن يكون ذلك قبل غزو 24 شباط/فبراير، وأن قرار معاقبتهم يسلط الضوء على الاستخدام التعسفي للسلطة بدلاً من الرد الشرعي على عدوان غير مقبول.
 
"بالإضافة إلى ذلك، ينظر السعوديون إلى تحرك الولايات المتحدة على أنه أبطأ فيما يتعلق بالرد على انتهاكات السيادة السعودية في الهجمات من الأراضي اليمنية مقارنة بردها على غزو أوكرانيا."
 
فضلاً عن ذلك، تتصرف السعودية اليوم بثقة متزايدة بشأن سياستها الخارجية وتريد ما هو أكثر من مجرد علاقة معاملات مع الولايات المتحدة. ولن تغير الرياض سياستها نزولاً عند طلب بايدن ببساطة. كما أن السعوديين لا يعرفون كيف (أو متى) ستنتهي الحرب الأوكرانية، ويعتبرون روسيا (والصين) طرفاً دائماً على الساحة السياسية العالمية. والأهم من ذلك أن الطرفيْن استفادا من "أوبك بلس"، ومن وجهة نظر عملية لا يوجد ببساطة حافز يدفع الرياض إلى التخلي عنها. وقد تساهم الرياض في المساعدة في عزل بوتين على المستوى التكتيكي، لكنها لن تنهي الشراكة معه.
 
ويتوجه بايدن إلى الرياض لمحاولة "إعادة تقويم" العملية الأولى التي دعا إليها في الأيام الأولى من توليه الإدارة الأمريكية من أجل "إعادة تقويم" العلاقات الأمريكية السعودية. ولكن هذه البيئة الجيوسياسية المتغيرة والموقف السعودي تجاه روسيا سيعقدان تلك الجهود. وبالتالي، قد يبدو أن أوكرانيا مجرد عرض جانبي في العلاقة الأكبر بين الولايات المتحدة والسعودية، لكنها توفر خلفية مهمة لواقع لم يعترف به بايدن بعد. ونحن بعيدون كل البعد عن "العلاقة الخاصة" التي جمعت بين الرياض وواشنطن في ثمانينيات القرن الماضي، حين عمل رونالد ريغان مع الملك فهد لخفض أسعار النفط سعياً إلى دفع الاتحاد السوفياتي نحو الانهيار الاقتصادي.
 
خلاصة: توصيات
 
* بحسب بورشفسكايا:
 
"السعي إلى إعادة ضبط العلاقات مع الرياض هو الهدف الصحيح. ولكن إدارة بايدن قد لا تدرك ما يستوجبه بلوغ هذا الهدف، خاصة وأن بايدن قلل من أهمية الاجتماع المرتقب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. على بايدن أن يثبت بشكل موثوق أن الولايات المتحدة تقدّر الصداقة مع حليف جيوستراتيجي قديم وستبذل المزيد لمعالجة مخاوفه الأمنية الصحيحة على الرغم من تحويل انتباه الجيش الأمريكي إلى آسيا. بالإضافة إلى ذلك، لن تستطيع الولايات المتحدة مساعدة السعوديين على فهم الموقف الغربي من روسيا بشكل أفضل إلا بعد تحسين هذه العلاقة. وخلافاً لذلك، كما هو الحال الآن، من الصعب رؤية الكيفية التي ستنتهي بها رحلة بايدن بنجاح استراتيجي."
 
* وبحسب روبرت ساتلوف:
 
"نعم إذاً، أيها الرئيس بايدن، اذهب إلى السعودية وصافح الأمير محمد بن سلمان. فبعد كل ما مرت به الولايات المتحدة خلال السنوات الواحدة والعشرين الماضية، أليس من الضرورة الأخلاقية الحقيقية ألا تتجنب الأمير محمد بن سلمان.
 
* وبحسب ديفيد شينكر :
 
"لا تزال شراكات الولايات المتحدة مع الرياض وأبوظبي تعود بفائدة متبادلة، وتساهم في استقرار المنطقة، وتستحق بذل الجهود للحفاظ عليها. يتحتّم على إدارة بايدن اتخاذ خطوات لإصلاح هذه العلاقات الثنائية المتعثرة."
 
* وبحسب دينيس روس:
 
"تشير التحديات الدولية القائمة اليوم إلى وجود دور للولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية - وهو دور ينطوي على مصالح واشنطن وقيمها."
 

ذات صلة