الأحواز.. إمارة عربية فتحها اليمنيون وأهملها العرب

  • د. ثابت الأحمدي
  • 01:42 2021/07/25

إقليم الأحواز إقليم عربي يقع على السواحل الشرقية للخليج العربي، ابتداءً من مضيق هرمز إلى شط العرب، مساحته: 159,600كم²، ويقع بين دائرتي عرض 30: 33 شمالا، وبين خطي طول 48: 51 شرقا. ويتوزع بين ثلاث محافظات: محافظة خوزستان، ومحافظة هرمز كان، ومحافظة بوشهر.
 
يسميه الفرس عربستان "أرض العرب". وأيضا خوزستان، وتعني بالفارسية: أرض الخير؛ لأن أراضيه زراعية خصبة، تغذيها الأنهار المتدفقة من المرتفعات الجبلية التي تجري على مدار العام. ومناخه امتداد لمناخ محافظتي البصرة والعمارة العراقيتين، والقريبتين منه. بل إن إقليم الأحواز حين تم فتحه بداية الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألحقه عمر بالبصرة فورا. وربطه بها، وكان من يتولى ولاية البصرة يحكم أيضا الأحواز، باعتباره جزءا من ولاية البصرة، وكانت الجزية تؤخذ ممن لم يسلموا، وهم قلة من الفرس، وبقيت كذلك حتى نهاية العصر الأموي، علما أن القائد العسكري الذي فتحت على يديه الأحواز هو الزعيم اليماني أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، ومعه أيضا القادة العسكريون اليمانيون: الربيع بن زياد الحارثي وجرير بن عبدالله البجلي، وكلاهما من أبطال القادسية. 
 
وينتمي الأحوازيون إلى أصل عربي خالص، تكوّنوا من عدة قبائل عربية من قديم الزمن، هم "بنو كعب"، و"بنو طرف"، وقبائل "آل سيد نعمة"، و"بني تميم"، و "آل كثير" وغيرهم من القبائل، وجلهم من المسلمين السنة عدا القليل من الشيعة، ويخالط هؤلاء العرب قليلٌ من بقايا الزرادشتية واليهودية التي بدأت تغادر الإقليم في السنوات الأخيرة باتجاه طهران العاصمة، لانشغال أغلبهم بالتجارة في العاصمة والمدن الكبرى. وظل العرب محافظين على تقاليدهم العربية، ومنها التزاوج فيما بينهم في الغالب، إلا ما ندر من تزويجهم لغيرهم من الفرس في هذا الإقليم. ويزيد سكان الأحواز عن أربعة ملايين نسمة، حوالي 99% منهم عرب أو من أصل عربي، إلى العام 1925م، ولم تتزايد بعضُ الأقليات فيه إلا من بعد ذلك. وقد ذكر الرحالة الألماني/ الدانمركي كارستن نيبور في القرن الثامن عشر أن العرب كانوا يمتلكون جميع السواحل الشرقية من الخليج العربي، مشيرا إلى أنه من الصعب تحديد الوقت الذي اتخذ فيه العرب موطنهم على الساحل، والأهم من ذلك حين وصف "عربستان" آنذاك أنها بلاد مستقلة عن فارس، وأن لأهلها لسان العرب وعاداتهم، و "أنهم يتعشقون الحرية إلى درجة قصوى، شأنهم شأن إخوانهم في البادية". 
 
 
في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، وتحديدا في 840هـ، 1436م نشأت في الأحواز الإمارة العربية المسماة "الدولة المشعشعية" نسبة إلى محمد بن فلاح المشعشعي، من مواليد واسط بالعراق، وهي إمارة مستقلة عما عداها من الدول المحيطة بها، كالعراق أو فارس، مثلت هذه الإمارة استعادة قوية للروح العربية التي بدأت في الذبول والتراجع آنذاك، خاصة وأنها اعتمدت في نشأتها على القبائل العربية العريقة في الإقليم، مثل قبيلة عبادة وبني تميم وبني ليث وبني حطيط وبني سعد وبني أسد وبني لام وبني كعب والصقور وغيرها. وتولى ابنه من بعد الإمارة، ثم الأحفاد، وقد توسعت هذه الإمارة نحو العراق وشرق الجزيرة العربية، إضافة إلى توغلها شمالا في بعض المدن الفارسية. وكانت إمارة إسلامية، سنية المذهب، ولغتها العربية، كأي دولة في الجزيرة العربية. وبلغت أوج قوتها في عهد الأمير مبارك بن السيد عبدالمطلب 998ــ 1025هـ، 1589ــ1616م، والذي استعادة هيبة الدولة بعد أن كانت قد مرت بالضعف، إلى حد عجز البرتغاليين الذين سيطروا على البحر الأحمر والخليج العربي في القرن الخامس عشر والسادس عشر على مواجهته أو كسر شوكته في البحر، طامعين بالتحالف معه، وذلك لمواجهة خصومهم الكبار العثمانيين، إلا أن الأمير المذكور رفض التحالف معهم ضد العثمانيين. وعاش مستقلا بدولته بين الدولتين الكبيرتين المجاورتين له آنذاك: الصفوية "الشيعية" والعثمانية "السنية". وكلتاهما دخل معهما في خلافات سياسية. وتوالى على حكم هذه الدولة خمسة وعشرون أميرا، فانتهت إمارة المشعشعيين العرب على الأحواز سنة 1724م؛ لكنها انزوت بعد ذلك وحافظت على تواجدها في إمارة الحويزة، وبقيت حاكمة عليها حتى العام 1928م؛ حيث احتلها الشاه رضا بهلوي عسكريا، وأزال المعالم العربية للإقليم، وأبدل أسماء المدن العربية بأسماء فارسية في محاولة لطمس عروبة المنطقة وإلغاء هويتها العربية. 
 
الأمراء الكعبيون
 
ما أن بدأت إمارة المشعشعين بالضعف والتلاشي حتى بزغ نجم الإمارة الكعبية العربية ــ نسبة إلى عشيرة كعب بن ربيعة بن عامر العربية، التي تعتبر منطقة نجد موطنها الأصلي ــ ولا تزال بعض مناطق الدولة المشعشعية قائمة، وقد استقرت في القسم الجنوبي من إقليم عربستان، مؤسسة إمارة عربية جديدة، وكان أول أمراء هذه الإمارة علي بن ناصر بن محمد الذي تولى الحكم سنة 1690م، وهو عام تأسيس هذه الإمارة. وكانت إمارة بحرية قوية، أسست واحدا من أكبر وأهم الأساطيل العربية في الخليج العربي الذي أقلق البريطانيين آنذاك، ورأوه مهددا لمصالحهم البحرية بعد أن حولت مقرها من بندر عباس إلى البصرة سنة 1763م. ومرت العلاقات الأحوازية "الكعبية" البريطانية بحالات من المد والجزر كثيرا، وكان أن اشتركت في الحرب العالمية الأولى مع "الحلفاء" ضد دول المحور الذي كان العثمانيون جزءا منه. واستطاع الشيخ خزعل الكعبي التخلص بعد ذلك من العثمانيين خصومه الأقوياء في المنطقة، ومارس الشيخ خزعل الكعبي سلطاته السيادية بحزم واستقلالية حتى العام 1925م. 
 
ولكون الأحواز منطقة ثروة بترولية هائلة فقد كانت محل اهتمام البريطانيين من وقت مبكر، فأسست بريطانيا وكالة قنصلية بريطانية عام 1890م في المحمرة، حولتها لاحقا إلى قنصلية، كما أنشأوا دائرة بريد عام 1892م ووكالة أخرى في الأحواز سنة 1904م. ليس ذلك فحسب؛ بل لقد حصلت بريطانيا على امتياز النفط في الأحواز عام 1901م مع الشيخ خزعل الكعبي، كما وقع عام 1909م اتفاقا مع بريطانيا على إنشاء معمل تكرير النفط في منطقة "عبادان" في الأحواز، مقابل تأييد بريطانيا له باستقلاله التام عن إيران، ومساعدته عسكريا في حال تعرض لأي اعتداء، وهو ما لم تفعله معه، وذلك حين قام الشاه رضا خان بالاعتداء على بعض أقاليم الأحواز، فمالت إليه بريطانيا، وتركت الشيخ الكعبي الذي لم يكن بوسعه إلا أن يعلن الجهاد والنفير العام للعرب لمواجهة الفرس، دفاعا عن إقليمهم، إلا أنه لم يستطيع مواجهة القوات الإيرانية، فدخلت المحمرة، واعتقلت الشيخ خزعل، واقتادته مخفورا إلى إيران، وهناك سجن مع ابنه حتى توفي في السجن في العام 1936م. ومن ثم ضمت إيران كافة أراضيه إلى حكومتها. وهنا تكون قد سقطت الإمارة العربية الإسلامية الأحوازية، في الوقت الذي كان العرب والمسلمون غارقين ــ ولا يزالون ــ في مشاكلهم الداخلية والخارجية على حد سواء. 
 
ومنذ ذلك الحين والثورات العربية لم تهدأ؛ إذ بقي الغضب مستعرا كالجمر تحت الرماد، فقامت عدة انتفاضات عربية في الأحواز ضد إيران، رافضين سيطرة الفرس عليهم، من أهمها انتفاضة الحويزة سنة 1928م، وانتفاضة حيدر بن طلال 1930م، وانتفاضة جاسب بن الشيخ خزعل 1943م، وانتفاضة بنو طرف 1945م، وانتفاضة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل 1946م في منطقة الغيلية، وانتفاضة الشيخ يونس العاصي، 1949م. 
 
وفي العام 1960م تشكلت الجبهة الوطنية لتحرير عربستان، في كل من المحمرة والخفاجية وعبادان والحويزة، ونصت الجبهة في مبادئها الأساسية أن عربستان "الأحواز" جزء من العراق وجزء من الوطن العربي، طالبة من العراق مساعدتها في ذلك، إلا أن ظروف العراق آنذاك لم تكن تسمح بدعم نشاطات سياسية خارج بلاده. فتلاشت الجبهة وانتهت، لتليها في العام 1967م نشأة الجبهة القومية لتحرير عربستان، ثم الحركة الثورية لتحرير عربستان عام 68م، وقامت بأعمال شغب كبيرة، مثل ضرب بعض مراكز النفط وضرب محطة البث التلفزيوني وحرق ميناء المحمرة وكذا نسف مركز البوليس والعمليات العسكرية هناك، احتجاجا على تصرفات الشاه. 
 
في العام 2006م كانت انتفاضة الأحواز التي تبناها عرب الأحواز ضمن انتفاضات عرقية وقومية أخرى في البلاد، إلا أنها قُمعت بشدة، ومع ذلك لم تنه، فلا يزال البركان هادرا، وها نحن نشهد اليوم حِممه المتفجرة التي ما أن تهدأ إلا لتثور أكثر، وقد يكون لها شأن مع قادم الأيام..

ذات صلة