"الأغنيةُ الوطنية".. الدلالة الرمزية المتراوحة بين الإرادة والقدرة
- صنعاء، الساحل الغربي، عبدالولي مرزاح :
- 04:52 2021/07/01
للأغنية الوطنيةِ أعظم الأثر والرافد الأبرز في سمو الروح المعنوية واسترجاعِ الخلفيةِ التاريخيةِ للبلدِ ومضاربِ مجده التليدِ؛ كما أنها توحي وتلمحُ إلى وجهة الدولة السياسيةِ ومقوماتها الأخلاقية.
وهذا الضربُ من الغناءِ عريقٌ في تاريخِ الإنسانيةِ ومدوناتِ الإممِ والشعوبِ يفرغونَ من خلالهِ طاقاتهم المتراوحةِ بين القدرةِ والإرادةِ كطموحٍ مشروعٍ في حاضر لائقٍ ومستقبلٍ يفي بواجباتِ البنوةِ الوطنيةِ للأبوةِ التاريخيةِ.
وتتميزُ الأغنيةُ الوطنيةُ بموسيقاها المعبرةِ ودَوِّيها الحميم؛ وعلوِّ رنينها الصوتي، وكرنفاليةِ الأداءِ الجماعيِّ المؤكدِ على ضرورةِ التنوعِ والتعايشِ في مشهدٍ تتجلى فيهِ الأغنيةُ الوطنيةُ أعلى رنيناً وأعذب شعراً وأحمس عاطفة وأعرض أصوتاً ونغماً بتموجٍ متنوعٍ يعكسُ متانةَ الحلم الجمعي لأهلِ الوطن الواحد الطامحِ لاقتناصِ موعدٍ مقدسٍ لغدٍ مشرقٍ وجميلٍ وفق اشتراطاتٍ خاصةٍ بالأغنيةِ الوطنيةِ.
وإيضاحاً لاشتراطاتِ الأغنيةِ الوطنيةِ؛ سأوردُ هنا ما ذكرهُ الاستاذ عبدالله البردوني في حديثهِ عن الغناء والنشيدِ الوطني، إذ أوردَ شروطاً ضروريةً في سياقِ الحديثِ عن تأسيسِ الغناءِ الوطني المعتمدِ على قاعدتين هما:
الأولى: الخلفية التاريخية للدولةِ والأمةِ.
والثانية: شرح وجهةِ الدولةِ وقيمها السياسيةِ والأخلاقيةِ مؤكداً اجتماعَ هاتينِ القاعدتينِ مجملَ الأغاني الوطنيةِ، ولعل النشيدَ الوطني "رددي أيتها الدنيا نشيدي" أكثرُ الأغاني الوطنيةِ صلاحيةً، لاشتمالها على هاتينِ القاعدتين من خلفيةٍ تاريخيةٍ وتصويرِ وجهةٍ سياسيةٍ وقيمٍ أخلاقيةٍ وطنية يقظةٍ تكون بالمرصادِ للمناوئينَ العابثينَ من الداخلِ والتصدي للخارجينَ عن الجمهوريةِ في دلالةٍ رمزيةٍ تؤكدُ على قداسةِ مفهومِ الدولةِ والمواطنةِ المتساويةِ العادلةِ.
وقد تبازغت أصواتٌ غنائيةٌ يمنيةٌ وتوالت جهودها الفنيةُ كأنصعِ برهانٍ على التحركِ وتلاحقِ المحاولاتِ التي خاضها شعبنا اليمني سياسياً وثقافياً وفنياً.
وقد أثمرت هذه الجهود في تطويرِ الأغنيةِ الوطنيةِ على أكثر من جانبٍ فرديٍّ وجماعيِّ، فكانت محاولاتُ علي الآنسي، في ابتداعِ تجارب جديدة، كما أطلَّ "عطروش" متفرداً بطاقتهِ الصوتيةِ المتوقدةِ من ضميرِ الكلمةِ الملحنةِ واعتمادِ آفاقِ المغايرةِ؛ وكان محمد مرشد ناجي، خيرَ ملتقى لأشتاتِ التراث ومعاصرةِ اللحظةِ الراهنةِ، وتلاحقت أطوارٌ ذاتُ أصالةٍ صوتيةٍ حارةِ الأوتارِ والأحاسيس كـ "أحمد قاسم وأبو بكر سالم وأيوب طارش" ولكلِ واحدٍ منهم بصمتهُ وإضافتهُ فأحمد قاسم تميزَ بافتتاحِ آفاقٍ لحنيةٍ متفردةٍ؛ بينما تميز أبو بكر سالم بـقدرتهِ الفائقةِ على الغناء والتوزيعِ والتلحينِ ومهارتهِ للتنويعِ والانتقال من طبقةٍ إلى أخرى بمنتهى السلاسةِ، كما تميزت تجربته بحنجرةٍ ذهبيةٍ، جعلت من صوتِهِ أندرَ الأصواتِ في العالم، إضافة إلى قدرته العجيبة على تغييرِ درجاتِ صوتِه بشكلٍ موسيقي وكأنهُ مجموعُ آلاتٍ موسيقيةٍ.
أمَّا أيوب طارش فتميزَ عن غيره بخامةٍ ملحنةٍ فأدى صوتهُ كل ما يحسُ وكل ما يوحي إلى سامعهِ محيلاً إلى التراثِ دونما تكريرٍ مسفٍ.
إنَّ جهودَ هؤلاءِ وغيرهم لتؤكدُ على رمزيةِ الأغنيةِ الوطنيةِ وقدرتها المولدة لأكثرِ من سببٍ للتشبثِ بفكرة الدولةِ والمواطنةِ والجمهورية وإن الاحتفاءَ بالأغنيةِ الوطنيةِ إنَّمَا يعني اللهفة والتوق للوطن والمواطنةِ وإنَّ تهميشَ "الأغنية الوطنيةِ" ودلالتها الرمزية إنما المقصودُ من ورائهِ تمجيدُ الفوضى والسماح للبرابرةِ بالعودةِ بنا إلى عصورِ الظلامِ الخانقةِ.