لعلهم يفقهون..

11:14 2020/11/22

منذ العام 1979، شرع حكام إيران الجدد في تصدير الثورة الخمينية إلى البلاد العربية المجاورة، ووصل بهم الأمر إلى لبنان، بل إلى أبعد من ذلك.. وفي طريقهم كانوا يزرعون وكلاء لهم يتولون مهمة أساسية هي زعزعة استقرار بلدان عربية أخرى.. حزب الله في لبنان.. أحزاب وجماعات متطرفة في العراق.. جماعة دينية شيعية متطرفة في مملكة البحرين، والجماعة الحوثية في اليمن، وثالثة في شرق السعودية... الخ. وزادت إلى ذلك تقديم الدعم والملاذ الآمن لتنظيمات دينية سنية إرهابية مثل تنظيم القاعدة، وتهديد الجيران بأسلحة مدمرة مثل الصواريخ بعيدة وقريبة المدى، وبمخرجات برنامج الطاقة النووية.. وفي مناسبة وغير مناسبة كانت مؤسسات الحكم الإيرانية تبرر سلوكها الثوري العدواني بادعاء زائف هو تحرير القدس ومحو الدولة الصهيونية من سطح الكرة الأرضية، بينما يظل عداؤها الحقيقي للبلاد العربية، وميدان لعبها السياسية لا يتجاوز البيئة العربية. 
 
قد يصح اعتقاد المعتقدين أن إقدام أنظمة حكم عربية على تطبيع العلاقة مع دولة إسرائيل يرجع إلى الأسباب المذكورة قبل، فالتهديد الإيراني المستمر دفع تلك الأنظمة لاتخاذ قرارات صعبة كقرار تطبيع العلاقة مع دولة إسرائيل.. وكأنها تقول: يا حكام إيران، لقد عملتم الكثير في سبيل الإضرار بنا وبمصالح شعوبنا، تحت عنوان محاربة إسرائيل البعيدة، فإذن ها هي دولة إسرائيل قد باتت قريبة من أنوفكم!
 
قلنا إن اعتقاداً مثل هذا قد يصح، ومع ذلك قد يكون غير دقيق، وينظر ناظرون إلى كلا الحالتين، فيرون أن ثمة مبرراً لتطبيع علاقة البلاد العربية بإسرائيل طالما تمسك حكام إيران بموقفهم المعادي للشعوب العربية. 
 
بالنسبة لنا نعتقد أن الأحزاب والجماعات الدينية التي تدعمها والتي زرعتها إيران في اليمن وفي لبنان وفي العراق وفي غيرها، هي جماعات خاسرة في النهاية.. خاسرة مرة لأن مآل حكام إيران إلى خسران، وخاسرة لأن الأنظمة العربية تكسب حلفاء أقوياء، وخاسرة -وهذا مهم للغاية- لأن الشعوب أو قوى شعبية متعددة صارت في حالة خصومة مع هذه الأحزاب والجماعات الموالية لمؤسسات الحكم في إيران.. كان حزب الله في لبنان يلقى تأييداً من مختلف الطوائف هناك، واليوم صار مكروها من قبل مختلف الطوائف الإسلامية الشيعية والسنية والدرزية، بل الطوائف المسيحية المارونية وغير المارونية.. ومثل حزب الله في لبنان، الجماعة الحوثية التي غدت في أنظار مختلف القوى السياسية والاجتماعية والثقافية في اليمن، جماعة شرور.
،،،
 
لحقة
 
رأينا أن التذكير بالمقولة العربية القديمة التالية، يفيد في هذا الموقف.. فهي ترينا أن الناس يميلون دائماً إلى القريب منهم، والذي تجمعهم به آصرة قوية، أقوى من صلة القربى والدين، وهي المصلحة.. التاريخ العربي مليء بالشواهد التي تزكي مقولة أنا وابن عمي على الغريب.... كان بين قبيلتي الأوس والخزرج عداوة شديدة، حتى إن إحداها كانت تتحالف مع اليهود للاستقواء على الأخرى، لكن في لحظة معينة تعاضدت القبيلتان العربيتان ضد اليهود.. أبو سفيان القريشي، خاصم أبا جهل المخزومي بعض الوقت، لأن هذا الأخير سخر من النبي محمد عليه السلام، وعلى الرغم من أن أبا سفيان وأبا جهل اجتمعا ضد الدعوة المحمدية، كانت سخرية أبي جهل من النبي مدعاة لغضب أبي سفيان الذي يلتقي مع النبي عند جدهما عبد مناف.. ولم يكن هشام بن عمرو بن ربيعة من بني هاشم ولا من قريش، بل ينتمي إلى قبيلة عامر بن لؤي، ومع ذلك قام بدور مهم في إنهاء الحصار الذي فرضه مشركو مكة على النبي الهاشمي وقراباته في الشعب، إذ كانت لهشام مصالح تجارية مع بني هاشم.. الهاشميون في شمال اليمن انتصروا للجماعة الحوثية بحكم الاشتراك في الهاشمية، وكان ذلك في البداية، أو قبل تجريب الجماعة، وها هم ينفضون من حولها شيئاً فشيئاً، حتى إن رئيس المكتب السياسي للجماعة تحول إلى خصيم مبين لها.. تلك أمثال نضربها للناس، وهي قليل من كثير، لعلهم يفقهون أو يعتبرون فيحذرون.