إنه عرض وقائع.. لا نقدا للانتقالي ولا حرصا عليه

09:10 2022/03/11

غدا المجلس الانتقالي الجنوبي رقما يحسب، أو أمرا واقعا، حتى أن الشرعية التي ناصبته وتناصبها العداوة، اعترفت به فصار جزءا منها بموجب اتفاق الرياض، الذي منحه قدرة إضافية للتأثير في مسار الاحداث في اليمن، بل وفي مستقبل اليمن، حيث نص البند الثامن من ذلك الاتفاق،على مشاركة المجلس الانتقالي في وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسي النهائي... وهذا النص يثير ملاحظة غاية في الأهمية، وهي أن حسم المسألة الجنوبية لا يسبق- ولا ينبغي أن يسبق- الحل النهائي.
 
إن الأحمق من يتجاهل مصادر القوة التي يتمتع بها هذا المجلس.. إذ كيف يمكن تجاهلها بينما هي تتجلى في عدد من المظاهر الواضحة للعيان، مثل انتظام قيادات سياسية وعسكرية وإدارية رفيعة مجربة في صفوفه.. لديه قوات عسكرية تخضع لأوامر وتوجيهات قيادته، مكنته من كسر قوات الحكومة الشرعية في غير جولة عنف في الماضي، كما مكنته من السيطرة على أجزاء واسعة من أرض الجنوب.. وهو يحظى بدعم رجال مال وأعمال جنوبيين في دول الجوار وفي غيرها، كما يحظى بدعم خارجي لا بأس به، وعلى الرغم من أن خصومه الجنوبيين ينعون عدم فعاليته في ضمان الخدمات الأساسية لحياة الناس، ولا يتقبلون منه رمي المسئولية جهة الشرعية، فأن له تأثير في عدد كبير من السكان، وقد استقطب عددا من الكتاب والإعلاميين والنشيطين الذين يبلون في ميدان الدفاع عنه، على كثرة الأخطاء التي يقعون فيها، بينما يدفع المجلس كلفتها من رصيده السياسي.
 
ولكن - وفي الوقت نفسه- سوف تكون قيادات المجلس متعالية على بعض ما نظن أنها حقائق عنيدة، إن هي تجاهلت عوامل الضعف، وهي عوامل ليس كلها من صنع الخصوم، بل أن معظمها من صنع الانتقالي نفسه.. فهو يواجه معارضة من قبل معظم مجموعات الحراك الجنوبي، وفروع الأحزاب التقليدية في الجنوب تعارض سياساته، والحكومة الشرعية تسعى لتقزيمه،  كما يواجه نقدا من داخل صفوفه، وهناك كتاب وصحفيون جنوبيون لم يفتروا من الهجوم عليه، فضلا عن أبرز مظاهر الضعف الذاتية، وهي تفرد قيادته بصنع واتخاذ القرار.
 
لا نظن أن قيادات المجلس لم تطالع التصريحات والبيانات والمقالات التي يكيلها معارضون جنوبيون منذ سنوات نحو خمس سنوات وحتى الساعة.. ويبدو أنها تغض الطرف عنها فحسب، بدليل عدم وجود أي أثر يشير إلى أن قيادات المجلس قد تعاطت مع مضامين تلك الانتقادات تعاط إيجابي.
 
لقد بلغ الشطط حد انكار شرعية المجلس والمؤسسات الأدنى التي نشأت عنه، بل أن المجلس الانتقالي الذي احتج ذات يوم قريب على نتائج حوار جرى بين قيادات وجماعات جنوبية في الخارج، وقال إنه لم يفوّض أي طرف الحديث باسم شعب الجنوب، ردت عليه كيانات جنوبية في بيان، طعنت به في شرعيته، وقالت إن بضعة آلاف من الاشخاص الذين تجمعوا في ساحة العروض بخور مكسر في مايو2017، لا يعتبرون أمة، ولا يصلحون أساسا لتمثيل إرادة شعب، وبالتالي فأن التفويض الذي يدعي المجلس أنه حصل عليه من هذا العدد القليل لا يضفي عليه وعلى قراراته شرعية.. وهناك شخصيات مهمة وجماعات جنوبية تقيم المجلس الانتقالي بمعيار جهوي، وتزعم أنه مشروع خاص تديره عناصر تنتمي لمنطقتين معينتين، وأنه هو نفسه ليس سوى مظهر لتجسيد السلوك الاستبدادي والتفرد بالقرار.
 
هذه الانتقادات دفعت قيادات عليا في المجلس إلى رد فعل يعكس عدم رضاه عن أولئك الجنوبيين أنفسهم، وبتعبير هاني بن بريك، نائب رئيس هيئة رئاسة المجلس: لا نخشى على الجنوب من أي شخصية في اليمن، بل نخشى من شخصيات في الجنوب مسخرة ضد مشروع الاستقلال.. وعلى ذكره، نتساءل عن سبب اختفاء صوت هاني بن بريك؟
 
العرض السابق، يسستدعي سؤالا كبيرا، و هو لماذا يميل المجلس الانتقالي ميلا كثيرا نحو عدم القبول بالآخر المخالف؟ لماذا عليه أن يلغي التعدد السياسي؟ ولماذا – مثلا- يتضجر من سلوك عادي قام به تيار سياسي يعد الانتقالي قريبا منه؟ هل الهجومات التي يشنها على المقاومة الوطنية كتاب وصحافيون ينتمون للانتقالي، وتشنتها مواقع إخبارية محسوبة على الانتقالي، هي اجتهادات شخصية، أم أنها تمت بتوجيه من قيادات المجلس الانتقالي؟ وما هي العلاقة بين ابطال هذه الهجومات وبين نظراء لهم في طرف ثالث تلقفوا من الانتقاليين، ودخلوا حلبة الرقصة الشبوانية لغرض تسميم العلاقة بين المقاومة الوطنية ومجلسها السياسي من جهة، والمجلس الانتقالي من جهة أخرى؟
 
وينبغي أن يدرك المجلس الانتقالي أن شرعيته سوف تتأكل، أن هو استمر في تدعيم التدابير التي تدل على رفض التعددية السياسية، وأنه سوف يضعف نفسه أمام الداخل والخارج إن هو سعى من أجل تكريس مبدأ الحزب الواحد الذي ساد في عصر ما قبل الديمقراطية.
 
إن محاصرة، أو تقييد، أو حظر النشاط السياسي لأي أحزاب قائمة بدعوى أنها من إرث الماضي الجنوبي، أو أنها فروع لأحزاب شمالية، وأنه يجب أن تصبح من الماضي، أمر يتعارض مع الدستور والقوانين النافذة التي قبل بها الانتقالي، ويتعارض مع اتفاق الرياض الذي نص في بنده الرابع على أن يلتزم، وتلتزم الشرعية (بحقوق المواطنة الكاملة لكافة أبناء الشعب اليمني، ونبذ التمييز المناطقي والمذهبي، ونبذ الفرقة والانقسام)، فأي تدابير يرى المجلس نفعا فيها للدولة الجنوبية التي ينشدها، لا ينبغي أن تسبق ما سيكون، أو تتعارض مع واقع ارتضاه كما ارتضته الشرعية.
 
قلنا ما سبق، من باب الإدلاء برأي في القضايا المثارة، والتي تم تسخين بعض منها في الأيام الماضية، ونحن في هذا كله لا ندعي الحرص على الانتقالي، فهو أحرص على نفسه ومستغن عن مزيد.. ولم يبق لنا سوى ختم هذا المقال بعبارات قليلة، فاتت قبل، وهي أنه يتعين على قيادات الانتقالي ترشيد سلوك شبابه تجاه المواطنين، فأذية، أو قل التحكم في دخول وخروج وإقامة الشماليين مثلا، في عدن أو غيرها، لا تمنح المجلس مزية إيجابية، بل تضعف موقفه أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي، وخاصة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، ونعتقد أن المجلس قد تعرض لنقد شديد في وقت سابق لهذا السبب، ومن العجب تكرار نفس السلوك.
 
على أن البقاء عند ما يسمى (الغزو الشمالي الأول للجنوب- 994)، أو (الغزو الثاني- 2015)، لن يكسب منه الانتقالي أي فايدة، بل على العكس، فالاستمرار في إفراغ الجهد لإدانة سلوك حدث قبل أكثر من ربع قرن مثلا، دون أن تنجز مشروع صغير لنفع الناس، لا يعني سوى أمرين اثنين: إما أنك غير قادر على إحداث تغيير، ولا أنت لا بمشروع مثمر، أو أنك محبط لا تقدر على العمل الذكي.