في مارس نتذكر: مبادرة ذهبية للرئيس علي عبد الله صالح

12:46 2022/03/19

كل ما يجيئ شهر مارس نتذكر مبادرة ذهبية للرئيس علي عبد الله صالح، جاءت في وقتها المحتوم، فتم التطويح بها من قبل الذين سعوا لهدم الدار دون تخطيط لما بعده أو دون أن تكون لديهم قدرة على إعادة بنائه من جديد.. منذ ذلك الحين وضعت اليمن وأهله بداية منحدر، وصار الحال إلى ما هو عليه اليوم.. كان الأمر أشبه بلعبة نتيجتها صفرية، واحد يكسب والآخر يخسر كما في لعبة كرة القدم.
 
كانت الأزمة السياسية التي أعقبت هزيمة أحزاب المعارضة في الانتخابات الرئاسية والمحلية (سبتمبر 2006) تتصاعد، وزاد إليها احتجاج المتقاعدين وقودا جديدا بعد ذلك عندما تحول الاحتجاج السلمي إلى عنف مادي.
 
كان الحوار حول كيفية تنفيذ توصيات البارونة نيكلسون رئيسة الفريق الدولي الذي راقب إجراءات الانتخابات، قد فشل تقريبا.. ويوم 24 سبتمبر عام 2007،  دعا الرئيس علي عبد الله صالح أمناء عموم الأحزاب والتنظيمات السياسية ومساعديهم، إلى اجتماع في القصر الجمهوري، واقترح عليهم مبادرة (مخرج).
 
الأمر يتعلق بإصلاح، بل تطوير النظام السياسي برمته.. لذلك ضمن مبادرته مجموعة مبادئ يتعين إضافتها إلى الدستور، وتعمل في الواقع، وبالتالي تحل الأزمة: أن يكون النظام السياسي للحكم رئاسيا، ومدة رئاسة الجمهورية خمس سنوات فقط، وأن تتكون السلطة التشريعية من غرفتين تشريعيتين هما مجلس النواب ومجلس الشورى، ينتخب أعضاؤهما انتخابا عاما مباشرا كل أربع سنوات، ويحل نظام الحكم المحلي مكان نظام السلطة المحلية، بحيث ينتخب الشعب رئيس واعضاء مجالس الحكم المحلي بما في ذلك محافظو المحافظات، وتستحدث شرطة محلية في كل محافظة، وتكون موارد المحافظة خاصة بها، وطالما كانت اللجنة العليا للانتخابات العامة، محل خلاف، وموضوع اتهام، فيتم وضع نص في الدستور يقضي بتشكيلها من قضاة يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، ولا يملك رئيس الجمهورية سوى اصدار قرار بتعيينهم، لضمان حيدة واستقلال هذه اللجنة.. ولأهمية مشاركة النساء في الحياة العملية، لا بأس من التمييز الإيجابي ها هنا، أي تخصص نسبة خمسة عشرة في المائة من إجمالي الدوائر النيابية، في الانتخابات النيابية، للنساء لضمان تمثيل مناسب للمرأة في مجلس النواب.
 
خرج قادة الأحزاب من القصر الجمهوري دون أن يبدوا أي اعتراض خلال الاجتماع.. وبعد يوم تقريبا، صدرت تصريحات من قيادات في أحزاب المعارضة الثلاثة الرئيسية، مؤداها أن مباردة رئيس الجمهورية جديرة بالدراسة.. سوف ندرسها.. لكن الحزب المهيمن تراجع بعد ذلك، فقطع الطريق بقولته إن الغرض من المبادرة هو تصفير العداد! فالرئيس يود تعديلات دستورية تمكنه من الترشح للانتخابات مجددا.. ومقولة تصفير العداد هي من ابتكار بعض قادة أحزاب اللقاء المشترك، لكنها باتت تنسب لرئيس الكتلة النيابية للمؤتمر الشعبي العام، حيث ذكرها هذا الأخير في لقاء تلفزيوني، وقال في لحظة غضب: يزعمون تصفير العداد، ونقول قلع العدد لا تصفيره فحسب! ولم يكن يعني ما يقول، لأن الرئيس علي عبد الله صالح أكد بعد ذلك مرارا كثيرة عدم السعي إلى تصفير العداد، ومن تلك المرار مرتان مهمتان:
 
الأولى، كان في اليوم الثاني من شهر فبراير 2010، حين قدم مبادرة أمام الاجتماع المشترك لأعضاء مجلسي النواب والشورى، مؤداها: لا تمديد، لا توريث، لا تصفير للعداد.. وأنه ما دام الحوار بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة قد تعثر، فالمصلحة العامة أن تستأنف اللجنة الرباعية أعمالها، وهي لجنة مصغرة مكونة من قيادات في المؤتمر الشعبي العام وقيادات أحزاب اللقاء المشترك المعارضة، وأن يجمد مشروع التعديلات الدستورية، الذي زعمت أحزاب المعارضة أن الغرض منه (تصفير العداد)، وأنه ما دام لم تقبل أحزاب المعارضة إعادة تشكيل لجنة الانتخابات، سيتعين على اللجنة القائمة فتح السجل الانتخابي لتسجيل المواطنين الذين بلغوا السن القانونية، وهم الذين تعذر عليهم التسجيل قبل ذلك، ثم نمضي نحو انتخابات عامة.
 
الثانية، كانت في اليوم العاشر من شهر مارس، نفس السنة (2011).. وكان الرئيس علي عبد الله صالح يتحدث من  المدينة الرياضية في صنعاء، التي تعج بعشرات ألوف المواطنين المؤيدين للمؤتمر ورئيسه، رئيس الجمهورية، وكانوا هدفا للغزوات اليومية التي تنطلق عصر كل يوم من ساحة الاعتصام المؤيد لأحزاب المعارضة، أو ما يسمى ثورة فبراير الشبابية الشعبية.
 
في هذه المبادرة الجديدة - وهي الثانية خلال أقل من شهرين، قال لهم الرئيس علي عبد الله صالح: حسنا، إلى الآن قد نجحتم في إجهاض الحلول الوطنية، وسوف ننزل عند رأيكم.. دعونا نختار لجنة من أعضاء مجلسي النواب والشورى والأحزاب السياسية لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، على أن  يتم إنجازه وينظم استفتاء شعبي بشأنه نهاية هذا العام- 2011، وننتقل من النظام الرئاسي إلى النظام النيابي، الذي ينقل كل الصلاحيات التنفيذية للحكومة، وتنجز هذه المهمة بداية عام 2012، وهيا نعمل سويا من أجل تطوير نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات، ونقسم الجمهورية اليمنية إلى أقاليم وفقا لمعايير جغرافية وسكانية واقتصادية دقيقة.
 
لم تستجب أحزاب المعارضة، وبقيت عند الثورة على تصفير العداد.. وها هي المسكينة مشردة، تصفر من صفير الصافر، وتخلت عن بلاد لمصلحة عصابة تعمل على تصفير كل شيء، صفرت الدستور والقوانين، وصفرت الأحزاب والبيوت والممتلكات والحقوق والحريات؟