وقفات بيضاء

07:00 2020/11/08

قالوا السلاح الأبيض ليس بشيء قبال السلاح الناري.. حسناً، ما تقولون في البيت الأبيض؟ هو عندنا أقوى الأسلحة، والقوة التدميرية لمكتبه البيضاوي توازي علبتي يورانيوم نقي في قلب مدمرة سوداء تحت سطح أمواه البحار.. لذلك من دخل البيت الأبيض خرت له الجبابرة ساجدين، ويقلك هذا بيت أبيض، طيب مالكم ولدونالد ترمب وجون بايدن ما دمتم تعرفون أن البيت أبيض؟ ديمقراطي طلع، جمهوري نزل، بني العم سام يسدوا.. خلاصته، ما أبيض في البيت إلا البيض أو البيضاوات، وزيادة لما تدخله الخلاسية كامالا هاريس مع جون بايدن يا سلام سلم والعفة البيضاء، ناس كبار وقار، شتان ما هما عن كلنتون ومونيكا!
،،،
نزعم أن الذين يسمون أسلحة باسم الأسلحة البيضاء ليس لهم من غرض سوى إغاظتنا.. إذ ليس فيها من البياض ذرة قطنة، وتقرح دون صوت، وتقتل دون بارود.. الأبيض اسم الفضة أصلاً، وهو من أسماء السيف، حتى لو كان نحاسياً، لكن قد سموه أبيض من باب الدلع أو التحبب، كقولك للمداهن قلبه أبيض، وفلان فتح معي صفحة بيضاء.. أو كما تحسب زوجة كاسرة في زمرة الجنس الناعم، أو أم قاسية تقتل ولدها ضمن الجنس اللطيف.. ولا عجب، فمنذ القدم جعلوا الحمام رمزاً للسلام وهو أشرس الطيور!
 
ومثل السيف، السكين، العصا، الخنجر، الجنبية، المطرقة، المقلمة، المثقاب، موسى الحلاقة، بندقية الصيد، والمقلاع الذي يستخدمه الرعاة لقذف المواشي بالحصوات، واستخدم الفلسطينيون المقاليع في ثورة الحجارة لقلع عيون الجنود الصهاينة.. مع ذلك يقال عن هذه سلاح أبيض.
،،،
هناك دول رسمت التنين على أعلامها، على الرغم من أن التنين كائن خرافي لا وجود حقيقي له، ودول أخرى وضعت على أعلامها صورة سلاح أبيض، مثال لذلك تجدونه في الخنجر والسيفين على علم سلطنة عمان، والسيف على العلم السعودي.. ولعلكم لحظتم مؤخراً أن الجماعة الحوثية التي تحكم من صنعاء وضعت جنبيتين متقاطعتين على شعار جهاز الأمن والمخابرات الذي انشأته في صنعاء.. والدلالة الرمزية للسيف والخنجر في الحالتين الأولى والثانية، مفهومة: القوة والشجاعة والمنعة، أما في الحالة الثالثة فلدينا جهاز أمن ومخابرات لكل منهما جنبية.. لكن قد قالوا إن لكل بلاد (سلف).
 
على أن لكل قوم دوافعه لشراء السلاح الأبيض وحمله، ورسمه، واستخدامه أيضاً.. فهو سلاح الإرهابيين، والمخبرين، والزوجات، والأزواج، والآباء، والجنود والضباط المظليين.. وفائدة هذا السلاح أحياناً تفوق فائدة بندقية كلاشينكوف البارودية أو النارية، فهذه تستخدم في الرمي والقتل المدوي، بينما سلاح أبيض مثل السكين مثلاً تستخدم للهجوم والدفاع، والمهام الخفية، وتقطيع البصل وذبح الدجاج، وأخيراً أضاف إليه الإرهابيون قطع رقاب البشر.. صار الخنجر والسيف والساطور من الأسلحة الشائعة التي يستخدمها رجال تنظيمي داعش والقاعدة لنحر المصلين والمتسوقين والمعلمين والطلاب والصحفيين في بعض دول أوروبا.. نسبوا إلى الرسول قوله للأعداء القرشيين: أتيتكم بالذبح، فجعلوا ذبح الرقاب البشرية حرفة.. نعم، بالنسبة للمحرومين من المشاعر الآدمية، أصبح هذا مهنة للتكسب مثلها مثل مهنة الجزار أو القصاب.. قال مرتزق سوري إن الترك استأجروا لقطع رقاب معارضيهم في ناجورني كارباخ، وإنه يتلقى مائة دولار مقابل ذبح إنسان واحد.
 ،،،
أطرف ما قرأت في سيف وصاحبه، كان عن لعاب المنية لأبي حنيفة الدينوري.. ذكر الفقيه بن الجوزي في كتابه الحمقى والمغفلين، أن أبا حنيفة هذا كان من مشاهير الجبناء، إضافة إلى حمقه.. صنع لنفسه سيفاً من خشب، وكتب عليه لعاب المنية.. ذات يوم وهو في داره سمع حساً فظنه حس عدو، أو حس لص، فانتضل السيف ووضع إحدى قدميه داخل الدار والأخرى خارج الباب استعداداً للهرب، وأخذ يعد المهاجم، يقول له: أيها المجترئ علينا، الطامع بنا، بئس والله ما اخترت لنفسك، مال قليل، وسيف صقيل، إنه لعاب المنية الذي قد سمعت به، فاخرج بالعفو عنك، أو دخلت بالعقوبة عليك.. ثم بقي ينتظر أي الخيارين اختار المهاجم، فإذا بكلب هزيل يخرج من الدار جائعاً، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفانا حرباً!