2 ديسمبر.. مخاضات "الثورة-الفرصة" التي وفرها صالح
- كتب/ فيصل الصوفي :
- 08:33 2024/12/02
لقد خبر الرئيس علي عبد الله صالح أفكار وسلوك الجماعة الحوثية منذ العام 2000، وخبرها أيضاً بعد تخليه عن الرئاسة بموجب المبادرة الخليجية، وخلال العامين الأولين من عمر المجلس السياسي الأعلى.
حملة مبكرة
بعد سنة ونيف من الحرب التي شنها التحالف العربي على العصابة الحوثية لاستعادة الشرعية، تشكل في صنعاء المجلس السياسي الأعلى -وأعقب ذلك حكومة الوفاق الوطني التي ترأسها الدكتور عبد العزيز بن حبتور- شرعت العصابة الحوثية في توجيه هجوم إعلامي مضلل نحو الزعيم علي عبد الله صالح والحزب الذي يتزعمه -المؤتمر الشعبي العام- مستخدمة في ذلك وسائل إعلامها إلى جانب توظيف الإعلام الحكومي في ذلك الهجوم، وكان احتكارها وسائل الإعلام الحكومية لخدمة أغراضها الخاصة أحد مظاهر هيمنتها على مؤسسات الدولة وتفردها بها.. وإلى جانب الإعلام المرئي والمسموع، وظفت العصابة الصحف الخاصة والحكومية ومنابر المساجد، في حملة التضليل السياسي ضد حزب يفترض أنه شريك في الحكومة وفي المجلس السياسي الأعلى.
تفاقم.. وخلاصة خبرة
كان المؤتمر الشعبي العام وقياداته وممثلوه في المجلس السياسي والحكومة، يطالبون بضرورة عدم تدخل المشرفين في شئون الوزارات والمؤسسات العامة، واحترام الحريات العامة والخاصة، وعدم قمع المظاهر الاحتجاجية السلمية، ودفع رواتب موظفي الدولة، فكانت تلك المطالب ذريعة للهجوم، والادعاء أن المؤتمر يضع رِجلا في السلطة وأخرى في المعارضة.
وإلى جانب قضايا حيوية أخرى كان يتبناها المؤتمر وقيادته، أخذت الأزمة تتصاعد، وانتهى الأمر برئيس المؤتمر إلى فك التحالف والدعوة للانتفاضة ضد العصابة الحوثية، التي كشفت عن نزعتها إلى الاستئثار والاستبعاد وسوء استغلال السلطة والنفوذ، وتعالي الجماعة على مؤسسات الدولة ودستور البلاد وقوانينها، وعدم اكتراثها بحقوق المواطنين.. لذلك كان خطاب رئيس المؤتمر يوم 2 ديسمبر 2017، خلاصة لتلك الخبرة اليومية، فجاء بمثابة برنامج عمل للخلاص من جماعة استبدادية، سلالية، عنصرية، طائفية.
لقد حدد رئيس المؤتمر في ذلك الخطاب المركبات الجوهرية لعقلية العصابة الحوثية وسلوكها، على النحو التالي:
- الظلم الذي اقترفته خلال ثلاث سنوات أقسى من الظلم الذي كان عهد الإمام يحيى حميد الدين، وابنه الإمام أحمد.
- نهبت العصابة مؤسسات الدولة، ونهبت الخزانة العامة، وأفرغت ذلك في خزائنها الخاصة..
- العصابة لم تتخلص من سلوكها الأرعن الذي تسبب في ستة حروب في محافظة صعدة، أزهقت فيها أرواح 13 ألف يمني بسبب خروجها عن النظام والقانون.
- إنها تتبنى مشروعا إماميا كهنوتيا يحل محل النظام الجمهوري، وتحت مظلة العلم الجمهوري والنشيد الوطني. تدعي أنها مع النظام الجمهوري، بينما لا تؤمن بالجمهورية، ولا بالديمقراطية ولا بالانتخابات.. إنها عصابة تؤمن بالولاية.. ولاية الفقيه، الفقيه المرجعية.. لقد تبنت فكراً غير الفكر اليمني، وإسلاماً غير إسلام اليمن.
- خلال ثلاث سنوات وهي تدرس الشباب، وتدرس الموظفين في الهيئات العامة للدولة، وتدرس الضباط ملازم حسين الحوثي وفكرها الخاص في البدرومات.
- إن الدعم المتعدد الأشكال -عسكري، مالي، سياسي- الذي تقدمه إيران للعصابة الحوثية منذ عشرين عاما على الأقل، كان واحدا من أسباب صعود هذه الجماعة، وقد برزت مخاطر هذا الدعم الإيراني بقوة خلال فترات تمردها المسلح أو ما يطلق عليها الحروب الست، منذ العام 2004، وحتى مطلع العام 2010، وقد تضاعفت أشكال الدعم في السنوات التالية وحتى الآن، ويمكن أن يجد المتابع تفسيرا لذلك في صمود العصابة وميليشياتها حتى اليوم.
- أفرغت المؤسسات الدستورية من مضمونها الحقيقي ووضعتها تحت تصرف مشرفيها.. حيث صفت المؤسسات الحكومية من كل أبناء الشعب، وأحلت محلهم أشخاصا من نفس العشيرة ومن نفس القائمة، بجرير أنهم الصفوة وأنهم من أحفاد الرسول، صلى الله عليه وسلم..
- في ظل غلبة العصابة بالقوة والعنف والإرهاب والحرب، لم يشاهد المواطنون خدمات ولا مشروع تنمية.
- الحرب دمرت البنية التحتية، دمرت كل شيء، والعصابة هي التي تسببت في ما قام به التحالف العربي بقيادة السعودية.. هم السبب بتصرفاتهم الرعناء.
- ثلاث سنوات عجاف والشعب يعاني من هذا التطرف الأرعن وغير المسئول بعنجهية وطائفية ومناطقية وعنصرية..
- يصرفون أموال الدولة لأتباعهم ومواليهم، بينما الجيش بلا رواتب، وموظفو الخدمة المدنية بلا رواتب.. والمواطنون بلا مأكل، بلا مشرب، بلا دواء، وصاحبهم يلقي لهم خطبة طول ساعة ونصف.
- دخلوا إلى العاصمة صنعاء حفاة عراة، والآن امتلكوا العقارات والسيارات الفارهة والعمارات والتجارات.
إعلان ثورة
وانتهى رئيس المؤتمر في ذلك الخطاب إلى دعوة الشعب: ثور، ثور، ثور، من أجل الحفاظ على الديمقراطية والحرية والحفاظ على مبادئ وأهداف سبتمبر وأكتوبر العظيمتين.. إني أدعو إلى انتفاضة شعبية عارمة، وإضرابات عامة، من أجل الحفاظ على النظام الجمهوري، والحرية والديمقراطية، وإعادة بناء ما هدمته الحرب.. وحذار أيها الشعب اليمني تقبل هذه الشرذمة على رأس السلطة.
فرصة .. مضاعة
كانت انتفاضة الثاني ديسمبر 2017 فرصة لقيام جبهة وطنية عريضة، ولكن تم تفويت هذه الفرصة من قبل القوى السياسية المهيمنة على الشرعية، كما فوتها التحالف العربي، لأسباب غير وجيهة.
إن تخندق الأحزاب والقوى الوطنية عند مرحلة فبراير بأثر رجعي، ضيع فرصة ثمينة، فبدلا من الوقوف إلى جانب الزعيم علي عبد الله صالح، تركته وحيدا، فاستفردت به العصابة الحوثية، وتمكنت من محاصرته داخل منزله الخاص (منزل الثنية يقع في شارع مقديشو، المتفرع من شارع الهمداني)، فدافع عن نفسه حتى استشهد يوم 4 ديسمبر2017، وبجانبه الأمين العام للمؤتمر الشعبي عارف الزوكا..
.. إلى المقاومة الوطنية
لقد كانت معركة صنعاء في ديسمبر2017 غير متكافئة.. ولكنها انتجت المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق محمد عبد الله صالح منذ فبراير2018، وهي اليوم المقاومة المضيئة الباقية للجمهورية اليمنية، كما يأمل معظم اليمنيين.