تعز خارج التسعيرة الموحدة: تمييز وحصار حوثي ممنهج حتى في خدمات الإنترنت

  • أمين الوائلي، الساحل الغربي:
  • 04:17 2025/12/14

منذ سنوات، تعيش محافظة تعز واحدة من أكثر صور الحصار قسوة وتعقيداً في اليمن.. حصارٌ لم يتوقف عند إغلاق الطرق أو تقييد تدفق الغذاء والماء والدواء، بل تمدد ليطول أدق تفاصيل الحياة اليومية، وصولاً إلى الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الاتصالات والإنترنت.
 
وفي إطار سياسة ممنهجة تنتهجها مليشيا الحوثي لإخضاع تعز ومعاقبة سكانها جماعياً، برزت ممارسات تمييزية صارخة جعلت من المحافظة نموذجاً فاضحاً لاستخدام الخدمات العامة كسلاح سياسي واقتصادي، في انتهاك واضح لمبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.
 
تمييز متعمد: تعز خارج "التسعيرة الموحدة"
 
ففي معظم المحافظات اليمنية –سواء الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو المحررة– تُطبق تسعيرة شبه موحدة لخدمات الإنترنت.. فباقة 15 جيجابايت من خدمة "يمن فور جي" تُباع بنحو 2400 ريال يمني (عملة قديمة) في مناطق سيطرة الحوثي، وبـ2400 (عملة جديدة) في كافة المناطق المحررة.
 
إلا محافظة تعز.
 
إذ تُفرض على سكان المحافظة تسعيرة مختلفة كلياً، تصل إلى 8,000 ريال يمني (عملة جديدة) للباقة نفسها، في إجراء لا يستند إلى أي مبرر اقتصادي أو فني، ويعكس بوضوح سياسة تمييز ممنهجة تجعل من تعز (الاستثناء الدائم) في كل أشكال التضييق والعقاب والمصادرة.
 
لا يقف الأمر عند فارق السعر.. فقد تصاعدت خلال الأشهر الأخيرة شكاوى مستخدمي خدمات الإنترنت التابعة للمؤسسة العامة للاتصالات "يمن تيليكوم"، سواء عبر "يمن نت" للإنترنت المنزلي أو "يمن فور جي" للإنترنت المتنقل.
 
ويؤكد مشتركون أن الباقات التي كانت تكفي شهراً كاملاً أصبحت تنفد خلال أيام قليلة، دون مبرر منطقي أو استخدام فعلي يفسر هذا الاستنزاف، بالتزامن مع تراجع ملحوظ في جودة الخدمة وبطء السرعات وارتفاع التكلفة.
 
مصادر فنية محلية تحدثت عن خصومات مفاجئة وغير مفسرة، واختفاء أرصدة دون استهلاك حقيقي، ما عزز الاتهامات بوجود تحايل منظم في آلية احتساب البيانات، خصوصاً في محافظة تعز المحاصرة.
 
هذه الممارسات فجرت موجة غضب واسعة على المنصات الرقمية، حيث أطلق ناشطون دعوات لمقاطعة "يمن تيليكوم"، وتنظيم حملات ضغط للمطالبة بتوحيد التسعيرة مع بقية المحافظات، وكشف أسباب اختلاف آلية الاحتساب في تعز، والتحقيق في النفاد السريع وغير المنطقي للباقات.
 
ويؤكد المستخدمون أن الإنترنت ليس ترفاً، لكنه شريان حياة للتعليم والعمل والتواصل، وأن العبث به يعني تعميق معاناة مدينة محاصرة أصلاً.
 
وفي خلفية هذه الأزمة، تكشف مصادر مطلعة عن انهيار إداري ومالي وفني غير مسبوق في مؤسسة الاتصالات اليمنية، بعد أن أحكمت مليشيا الحوثي سيطرتها عليها وحولتها إلى مصدر تمويل ضخم يخدم أجندتها السياسية والعسكرية.
 
وتشير المصادر إلى أن ما يحدث تجاوز سوء الإدارة إلى تدمير ممنهج، شمل: إقصاء الكفاءات الوطنية، وإحلال عناصر موالية تفتقر للخبرة، وإنفاق مئات الملايين على قيادات المليشيا، وإهمال الصيانة والبنية التحتية.
 
ويتزامن ذلك مع انقطاعات متكررة في الشبكة حتى داخل صنعاء، ما يؤكد أن المؤسسة لم تعد تُدار كمرفق وطني، بل كصندوق تمويلي خاص.
 
تتقاطع هذه الوقائع مع ما أورده تقرير فريق الخبراء الأمميين، الذي أكد سيطرة الحوثيين الكاملة على قطاع الاتصالات، وتحويل عائداته لتمويل عملياتهم العسكرية والسياسية.
 
وأشار التقرير إلى أن إيرادات شركات كبرى مثل «يمن موبايل وتيليمن» تُحوّل إلى ما يسمى بـ"الهيئة العامة للزكاة" التابعة للمليشيا، خارج أي إطار رقابي أو قانوني.
 
كما حذر التقرير من استخدام البنية التحتية للاتصالات في المراقبة والتجسس وتتبع المعارضين، ما يجعل هذا القطاع أحد أخطر أدوات القمع والتمويل في آن واحد.
 
تعز… الهدف الدائم
 
في هذا السياق، لا تبدو معاناة تعز استثناءً عفوياً، بل جزءاً من سياسة عقاب جماعي ممنهجة، تُستخدم فيها الخدمات الأساسية –ومنها الاتصالات– لإخضاع المحافظة وكسر إرادة سكانها.
 
إن ما يجري في قطاع الاتصالات، لا يمكن فصله عن مشهد الحصار الحوثي الشامل لمحافظة تعز، ولا عن تحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات ابتزاز ونهب وقمع.
 
لم يعد إنقاذ مؤسسة الاتصالات اليمنية مسألة فنية أو إدارية، لكنها ضرورة وقضية وطنية وأخلاقية، تتعلق بحماية ما تبقى من مؤسسات الدولة، ووقف النهب المنظم، وضمان حق ملايين اليمنيين في خدمة عادلة وآمنة ومتساوية.
 
وحتى يتحقق ذلك، ستبقى تعز شاهدة على حصار لا يكتفي بتجويع المدينة… بل يسعى إلى خنق صوتها، حتى عبر الإنترنت.

ذات صلة