التصعيد يتعايش مع التنديد وينتعش بالإدانات.. بصدد "الرئاسي اليمني" و برنامج تجاوز المأزق!
- الساحل الغربي:
- 09:42 2022/11/11
يتعايش وينتعش الإرهاب الحوثي وتصعيد الهجمات النوعية ضد أهداف ومنشآت حيوية وتجارية وتهديد الملاحة الدولية مع موقف دولي يلخص التواطؤ والرضى على الأقل بما حدث ويحدث في شكل بيانات تنديد وإدانات مكرورة الحلقات ومتشابهة ومتطابقة المضمون في كل مرة ومناسبة وعقيمة الدلالة والأثر ومنزوعة الفاعلية والجدية والجدوى.
وبالمثل فإن ردود ومواقف الحكومة والسلطات اليمنية الشرعية تطبعت مع نفسها وروتين التنديد والشجب والشكوى والإحالة الدائمة بالمطالبات على مجتمع عالمي ودولي ودعوته إلى التعبير عن عقم التنديد والشجب أيضا.
استهداف ميناء قنا استتبع ذات اللغة الخشبية والمنطق العقيم والمضامين العديمة التي قيلت وتكررت في هجمات سابقة وسوف تتكرر هذه المعادلة في حركة دائرية مفرغة من أي قيمة أو معنى سوى تثبيت حالة الفراغ والتبديد والخداع الذاتي.
وإذا كان انتظار موقف خارجي ودولي أكثر جدية وجدوى ضرب من الآمال الخائبة فإن الأكثر إحاحا ووجوبا وجدوى يتوجه داخليا وذاتيا ويتركز على البحث عن موقف جاد وجدي ينتظر من قبل القيادة العليا أو السلطة الشرعية وعلى رأسها اليوم المجلس الرئاسي.
وعلى صلة مباشرة وفي جوهر القضية والنقاش ، المشكلة والمعالجة، يركز الدكتور ياسين سعيد نعمان رؤية ونفاشا جوهريا يتبنى عرض ونقد وتقييم وتقويم الموقف انطلاقا من مسؤولية وواجب المجلس الرئاسي باتجاه الداخل والعالم معا، ومن الفائدة والأهمية إعادة وتكرار الرأي والرؤية والنشر مع تكرار واستمرار ذات المعادلة سالفة الإشارة وفي حلقة مفرغة.
"برنامج عمل المجلس القيادي وتجاوز مأزق الموروث السياسي"
لم تترك تعقيدات الظروف السياسية خلال الفترة المنصرمة، بعد رفض المليشيات الحوثية تجديد الهدنة، غير فرص متقطعة أمام قيادة الدولة لمواصلة بناء موقف وطني وعربي ودولي متماسك من قضية اليمن، وما يتعرض له اليمنيون من كوارث. فالمسار السياسي السلمي الذي لا تحمله قوة كافية تجعل منه خياراً مسئولاً وواعداً، لن يكون في نظر الآخرين غير خيار الضرورة الذي يتعين على من يتمسك به أن يواصل تقديم المزيد من التنازلات.
لذلك فإن بناء هذا الموقف سيعتمد على إشهار القوة الحاملة للجهد الذي يسعى إلى تحقيق عملية البناء تلك، ولن تكون الشكوى المستمرة من سلوك الآخر الذي يرفض السلام سوى اعتراف ضمني بأن القوة الحاملة لمشروع السلام تفتقر إلى معادلها الذي يضعها في سياق موضوعي مع أهدافها الرئيسية.
إن أولى الخطوات لفهم المقصود بالمعادل الموضوعي لعملية البناء التي تجسد مشروع السلام هي تتبع هذه العملية في مسارين:
أولاً: المسار الذي لا بد أن يفضي إلى تصليب أرضية المواجهة بدعم شعبي واسع. ولذلك المسار بالطبع شروطه ومتطلباته. وهو ما تناولناه في أكثر من مناسبة، ونعيد تلخيصه في مسألتين:
1/ الإقتراب من مشاكل الناس.
2/ تفعيل دور القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في خلق كتلة شعبية موحدة، وقاعدة اصطفاف واسع لمقاومة المشروع الايراني- الحوثي في اليمن.
ثانياً: أما المسار الثاني فيتمثل في الطريقة التي تدار بها هذه العملية التاريخية بمكوناتها السياسية والعسكرية والإدارية. وهو موضوعنا الأساسي هنا.
في هذا الإطار يثار السؤال من قبل كثير من المهتمين بالأوضاع في اليمن عن البرنامج الذي يعمل بموجبه مجلس الرئاسة القيادي، وعما إذا كان هناك برنامج عمل تنفيذي للمجلس؛ وفيما لو كان هناك برنامج فهل تم اطلاع الهيئات الحكومية والشعبية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني عليه، وتعبئتهم، من ثم، للعمل من أجل تنفيذه.
والبرنامج، ناهيك عن أنه أداة ضبط وتنظيم لعمل المجلس، فهو أداة تواصل مع مؤسسات الدولة ومع المجتمع الذي يتطلع إلى القيادة ويتفاعل معها وهي تقود وتعبئ الجميع نحو إنجاز مهام كبيرة وذات قيمة مصيرية في حياته.
ندرك صعوبة أن يكون هناك برنامج بهذا المستوى من تحديد المهام التنفيذية في الظروف غير المستقرة والمتقلبة التي عليها البلاد، ناهيك عما يعتور المسارات المختلفة من تشابكات وتعقيدات، غير أن هناك قضايا "حاكمة" تشكل أساس عمل المجلس، وهي التي يمكن أن تكون محور هذا البرنامج الذي من الممكن مراجعته دورياً، وإعادة النظر في تفاصيله وفقاً للمتغيرات والمستجدات، مع بقاء تلك القضايا المحورية مرتكزاً لعمله على نحو مستمر.
لقد نُظر إلى المجلس منذ اليوم الأول على أنه ضرورة استلزمها الطابع المركب للنفوذ السياسي المتخلق من تشرذم القوى السياسية، وتفكك الدولة، وتملك وإدارة السلاح على أسس لا يمكن معها المضي قدماً في مواجهة المشروع الانقلابي العنصري على الدولة دون مرتكزات عمل تضع منظومة العمل السياسي والحكومي والشعبي أمام مهمتها التاريخية والتصدي لها بجدارة ومسئولية.
ولذلك فقد كانت هذه المقاربة السياسية، والعسكرية، والوطنية هي ما خلص إليه الأمر في صيغته التي عكست الاعتراف بتعقيدات الواقع، خاصة بعد أن أخذ هذا الواقع يفرز أنماطاً من تشكيلات سياسية وعسكرية راحت تنجذب بطبيعتها إلى جذرها السياسي، أو الحزبي، أو العسكري، أو القبلي، وأخذت تتأهب لمواجهة بعضها بصورة همشت مهمتها المشتركة في التصدي لانقلاب المليشيات الحوثية ومشروع إيران العنصري في اليمن.
نُظر إلى ذلك على أنه إصلاح لمسار كان هؤلاء مسئولين عنه، ربما بمقادير متفاوتة عما حدث في الماضي.. لكن إصلاح المسار وضع الجميع في نفس المستوى من المسئولية تجاه الحاضر والمستقبل.
وانطلاقاً من هذه القاعدة شكل إعلان تشكيل المجلس الرئاسي وثيقة اتفاق عام مؤسس لمسار سياسي وقيادي جديد، وكان من الضروري أن تشكل هذه الوثيقة أساساً للبرنامج الذي تحدثنا عنه.
كانت المقاربة باعثاً على استحضار محطات من التاريخ السياسي اليمني في قراءة المشهد بحلوها ومرها، وكانت اللحظة التي شهدت الإعلان قد أثارت أسئلة كثيرة، كما هو حال المنعطفات التي يصاحبها اللغط، والبحث فيما وراء الصورة، والتزاحم للظفر بموقع هنا أو هناك، وهو الحال المحمول بموروث سياسي صاخب غالباً ما يكسبه لوناً ملتبساً. غير أن صلف المليشيات الحوثية وغطرستها، كما قلنا سابقاً، جعل الناس يتجاوزون كل تعقيدات اللحظة والتوجه إلى المستقبل.
كان موقف هادي منصفاً لمواقفه منذ سنوات التغيير؛ سهّل المهمة وصار جزءاً من تلك اللحظة التاريخية التي لا يمكن أن تدون إلا لصالح موقفه في التصدي للانقلاب والعمل على استعادة الدولة. كما أن الدكتور رشاد العليمي كان يدرك أنه يخوض تجربة لا تحتمل الفشل، مع ما يعنيه ذلك من استعداد للتعاطي مع المشكلة والظروف المحيطة بما عرف عنه من احترام للمسئولية والمرونة والتحدي؛ والاثنان ينتميان إلى المؤتمر الشعبي العام، حيث بدا الأمر وكأنه تسوية داخلية في إطار الحزب الواحد، كما أن أعضاء المجلس الرئاسي الآخرين يعلمون أنهم يستمدون مشروعية وجودهم في هذه الهيئة القيادية من مشروعية مقاومتها للانقلاب الحوثي، بما يعنيه ذلك من أهمية لأداء دورهم داخل المجلس، وفي المساحة السياسية التي ينتمون إليها، لإنجاز هذه المهمة قبل غيرها.
لقد كان بإمكان تلك اللحظة التاريخية أن تعيد بناء الخارطة السياسية بمحتوى يستوعب الموروث السياسي، بما في ذلك متطلبات حل قضية الجنوب، على نحو يعيد بناء الثقة بين أطراف المعادلة الوطنية على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وإشراك الناس في الهم الوطني، والمواجهة الحاسمة مع المشروع الانقلابي العنصري، وتوفير مناخات وطنية تحمي وتحافظ على الحقوق السياسية للناس في التعبير عن خياراتهم السياسية التي لا تتعارض مع دور الجميع في المعركة الاساسية الخاصة باستعادة الدولة، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية، بما في ذلك ترميم الصف الوطني وتخليصه من الهيمنة التي كانت سبباً في إقصاء قطاعات واسعة من الشعب لصالح المشاريع الحزبية التي ضاق أفقها لدرجة لم تعد ترى فيه الوطن إلا من خلال مصالح منتسبيها.
اليوم، وبعد هذه التجربة القصيرة التي ما زال الماضي فيها يحتدم فوق الطاولة ويستأثر بالمساحة الأوسع في نشاط المجلس، يجب القول إن برنامج عمل المجلس مهم للغاية، وقد يعني غيابه وضع اللحظة التاريخية تلك في نفس المأزق الذي حشرت فيه جهود استعادة الدولة، أي مأزق الموروث السياسي الذي عطل تلك الجهود، وأعطى للمليشيات الحوثية مساحة للحركة على غير ما توقعه الناس منذ الوهلة الأولى التي تشكلت فيها مقاومة هذا المشروع التدميري لليمن.
إن الثغرات التي برزت في جانب كبير من رقعة الحياة السياسية تؤكد أهمية مثل هذا البرنامج، فقد تولد شعور عند الناس أن القاعدة الأساسية هي أن المجلس مختلف، وأن خلافاته عصية على الحل، وأن هناك إرادات تُستعرض في وجه أي قرار يتخذه المجلس، وإذا صح ذلك فهي في الحقيقة إنما تستعرض في وجه مشروعية هذه الهيئة وإنجاز مهمتها الرئيسية، ناهيك عن الانقسامات الداخلية، والتكتيكات الصغيرة في العلاقات البينية والأفقية للأحزاب والمكونات الكبيرة، والتي تمارس من المواقع الرسمية في مؤسسات الدولة والتي لا بد من مغادرتها بإنضاج الظروف لعمل سياسي رشيد.