الوعل اليمني .. جنبية حِمْيَرية
- موسى عبدالله قاسم
- 11:26 2022/01/22
من منّا لا يحتفظ بجنبية جدّه الأول أو الثاني، يُحافظ عليها ويُفاخر بها باعتبارها ميراثه الأغلى وموروثه الأجمل؟
الجنبية، كما نعلم، ليست ألماساً ولا ذهباً مصفّى، إنها مجرد قرن حيوان منحوت ونِصال حديدٍ مصقول، فما الذي جعلنا نُعطها هذه المهابة والقيمة المادية والمعنوية، والتخليد في الذاكرة الشعبية؟
لا شيء غير القيمة التاريخة، القيمة التي جعلت اليمني يتزيأها ويلفها حول خاصرته بشموخ وعنفوان تأسياً بأجداده قبل آلاف السنين، حتى غدت جزءاً أصيلاً من زيّه الشعبي.
ذلك هو الانتماء إلى تاريخ الأجداد، التمثُّل الذي يعكس عمق الانتماء لموروث أقيال اليمن، عادات وتقاليد، ومن هنا كانت الفرادة في تشكّل الهوية التاريخية لليمنيين، الهوية المنبثقة من صميم عاداتهم وتقاليدهم ومشتركاتهم الجمعية، وانطلاقاً من ذلك ظلّت الجنبية سِمة مائزة لخصوصية الشعب اليمني وامتدادها التاريخي، من أقاصى صعدة وحتى مُنتهى المهرة.
في تاريخنا القديم، مثّل الوَعْل رمزية كبيرة للأمة اليمنية، الوعل الذي أبّدته السنون على جبال اليمن فكان من العزٍّ والمهابة شمراخها، اتخذه اليمني رمزاً دلالياً للشموخ والذكاء وسرعة الحركة والتوازن العجيب وقوة الرؤية التي تخترق الحُجُب، إذ لا شيء غير الوعل يمكنه التحديق في الأفق الرحيب والتنبؤ بافترار البروق وهطول الأمطار في مدائن أخرى تبعد مئات الكيلومترات عن الصخرة التي يتسنمها.
ولأن اليمني القديم كان يقدّر كل ما من شأنه أن يكون فاعلاً ومُنتجاً في المجتمع، سيما وأن المجتمع اليمني كان مجتمعاً قائماً على الانتاج الزراعي والصناعي الحِرَفي، وعلى ذلك تأسست حضاراته الضاربة؛ فقد اختار الوعل ليكون تعبيراً عملياً وصادقاً لهذه السمات، الأنفة والكبرياء، العمل والإنتاج.
ولذلك، ظل هذا الرمز التاريخي شقيقاً للمكاربة والملوك التبابعة، جليسهم على آرائكهم ومعابدهم وقصورهم المنيفة، ما نقشوا نقشاً مُسندياً إلا وكان الوعل بسْملته وسواره، ولا أشادوا قصراً منيفاً إلا وكان الوعل زُخْرفه وعقده الفريد.
ومثلما أضحت الجنبية موروث حضاري وقيمة تاريخية لكل يمني، فإن الوعل اليمني، إذن، جنبية حِمْيَرية عتيقة، جنبية سبأ الأول، نحافظ عليه ونصونه ونفخر به، كما تُصان رؤوس الجنابي وتزهو التماعات نصالها، فلا شيء أشد على المجتمعات من تفريغ ذاكرتها التاريخية ورموزها ورمزياتها المتوارثة عبر آلاف السنين.
هذا الرمز التاريخي بات اليوم مهدد بالانقراض، إذ بعد أن كان يغطّي معظم جبال اليمن، انحصر تواجده راهناً على بعض المحافظات الشرقية، كشبوة وحضرموت، والسبب في ذلك هو الصيد العشوائي والإبادة الجماعية التي تعرض لها طيلة قرون من الزمن.
هذه الإبادة بدأت مع انهيار مملكة حِمْيَر في القرن السادس الميلادي، ومن يومها، لم يعد أحد يحفل بالحفاظ على رفاق أسعد الكامل وذمار علي يهبر وإيلي شرح يحضب وشمّر يهرعش، لقد باتت الوعول بلا ظهر يحمي حماهم، ويصد رصاص أعدائهم، فهل نجد اليوم، بعد هذه الانبعاثة القومية، من يوقف نزيف الوعول على أيدي قتلة تاريخهم وذاكرتهم الشعبية، وبمشاف بندقية الألفية الثالثة بعد الميلاد؟!
#يوم_الوعل_اليمني