وصولاً إلى امتحان «إيران» و«التحرير».. الحديدة والإمبراطوريات الطامعة

  • الحديدة، الساحل الغربي، كتب : محمد الهجام
  • 04:08 2021/10/25

عبر تاريخها كانت مدينة الحديدة هدفاً لأطماع الامبراطوريات الساعية لفرض تواجدها في المنطقة والسيطرة على خطوط الملاحة الدولية، وذلك بحكم موقع المدينة الاستراتيجي الهام على ساحل البحر الأحمر الذي يعد من الممرات المائية الأساسية للاقتصاد العالمي.
 
وبسبب موقع الحديدة الهام فقد تعرضت المدينة وميناؤها طيلة القرون الماضية، للغزو والاجتياح والتدمير من قبل حملات أجنبية غازية، بدءاً بالبرتغاليين والمماليك، مروراً بالعثمانيين والانجليز، وانتهاءً بإيران عبر أذيالها الحوثيين.
 
كانت الحديدة، كمدينة وميناء هام، قد شهدت مطلع القرن السادس عشر الميلادي، انتعاشاً اقتصادياً وتجارياً، من خلال ازدهار نشاط مينائها، لكن سرعان ما تعرض ميناؤها للقصف، من قبل السفن البرتغالية عندما حاولت اقتحام المدينة، لتُواجه بمقاومة عنيفة ما دفع البرتغاليين إلى قصف المدينة ومينائها.
 
    | منذ اليوم الأول للاحتلال الحوثي الإيراني لمدينة الحديدة، والخبراء الإيرانيون يتوافدون لهذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، حيث تحولت منطقة الصليف والجبانة إلى معامل إيرانية لتصنيع الألغام البحرية وتفخيخ القوارب المسيرة الهجومية. |
 
في الأثناء كان الأسطول المصري المملوكي يقوم بتمشيط السواحل اليمنية ومطاردة البرتغاليين في البحر الأحمر، فدخل ميناء الحديدة، لكن المماليك لم يجدوا ترحيباً من أهالي المدينة الذين استشعروا خطر هؤلاء الغزاة وأطماعهم، وأمام رفض أهالي الحديدة استقبالهم وإمدادهم بالمؤن والمواد الغذائية، أقدمت السفن المملوكية على قصف المدينة وإحراقها، لتتوالى بعد ذلك الحملات والغزوات الخارجية على الحديدة.
 
 
توالت الأحداث واحتل العثمانيون الحديدة وجعلوها عاصمة لإمارتهم في اليمن، ثم خضعت المدينة لسيطرة "محمد علي باشا" في 1838 بعد أن قام بإخضاع الساحل الشرقي للبحر الأحمر من ميناء العقبة شمالاً حتى باب المندب جنوباً لسيطرته، لكن "محمد علي باشا" اضطر لمغادرة المنطقة، تنفيذاً لقرارات مؤتمر لندرة فاستعاد العثمانيون السيطرة مجدداً على مدينة الحديدة.
 
 
لم يهنأ العثمانيون طويلاً بسيطرتهم على الحديدة، إذ قامت السفن والبوارج الإيطالية خلال فترة "الحرب الإيطالية التركية" عام 1912 بقصف الحديدة مستهدفة مواقع التحصينات الدفاعية للجيش العثماني، وأدى ذلك إلى تدمير الكثير من المباني، وقصف المستشفى الوحيد في المدينة وتدمير قلعة الحالي وقلعتين أخريين خارج المدينة، كما قصف الإيطاليون قرية منظر جنوب الحديدة، ودمروا عدداً كبيراً من المباني في مدينة الحديدة، ونزح الكثير من أهالي المدينة إلى خارجها.
 
 
لم يمض وقت طويل على توقف "الحرب الإيطالية التركية" وعودة النازحين إلى الحديدة، حتى قامت الحرب العالمية الأولى، لتتعرض الحديدة مجددا لقصف السفن والبوارج البريطانية ما بين عامي 1914–1918، والتي كانت تستهدف ضرب مواقع الجيش العثماني في شبه الجزيرة العربية، وأدى القصف المتواصل على مدينة الحديدة طيلة خمس سنوات إلى إحراق وتدمير شبه كامل للمدينة، وتشريد سكانها.
 
 
استولت بريطانيا على مدينة الحديدة في 1918 بعد هزيمة الأتراك وانسحابهم، وبعد أن كثفت البوارج الحربية البريطانية قصفها للمدينة وقتلت 500 مدني، فقد أرادت بريطانيا أن تفرض وجودها في الساحل الشرقي للبحر الأحمر، واستباق القوى الاستعمارية الأخرى في احتلال المنطقة، وخصوصاً أن الإيطاليين كانوا يخططون، آنذاك، للسيطرة عليها.
 
 
واجه البريطانيون مقاومة عنيفة، فقد التحمت قبائل تهامة مع المقاومة الشعبية داخل مدينة الحديدة، وتمكنوا من توجيه ضربات موجعة للانجليز، متبعين تكتيك حرب العصابات بالهجمات الخاطفة والإغارة ونصب الكمائن للمحتلين ومعداتهم، ما أدى إلى مقتل العديد من الجنود البريطانيين، وحسمت المقاومة في الأخير الأمر لصالحها، لتعلن بريطانيا انسحابها من الحديدة، ويتم جلاء آخر جندي بريطاني ورحيل آخر وكيل سياسي عن الحديدة في يناير 1921.
 
 
ومنذ ثورة الخميني في إيران، كان التواجد في البحر الأحمر، أحد الأهداف التي سعت طهران لتحقيقها، ونقطة ارتكاز مهمة في استراتيجيتها مع رغبتها في التحكم بأهم الممرات الدولية، ولذلك عملت طهران من أجل تحقيق مطامعها على دعم أدواتها الإرهابية في اليمن، ممثلة في مليشيا الحوثي لتنفيذ المخططات الإيرانية، فبعد سيطرة الحوثيين على "الحديدة" في أكتوبر 2014 تحقق لإيران واحد من أهدافها، فالتواجد في البحر الأحمر بالنسبة لإيران "يعد تواجدا في خاصرة الخليج، وذلك سيمنحها الإمساك أكثر بالأمن القومي العربي".
 
ومنذ اليوم الأول للاحتلال الحوثي الإيراني لمدينة الحديدة، والخبراء الإيرانيون يتوافدون لهذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر..
 
 
 
 
حيث تحولت منطقة الصليف والجبانة إلى معامل إيرانية لتصنيع الألغام البحرية وتفخيخ القوارب المسيرة الهجومية، لاستهداف المصالح الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، في تحد إيراني للمجتمع الدولي عبر استعراض طهران لقوتها التي تسعى لتصديرها بقدرتها على إغلاق الخليج والبحر الأحمر في آنٍ واحدٍ، والسيطرة على مضيقي باب المندب وهرمز.
 
ولذلك لا بد من تحرير ما تبقى من محافظة الحديدة من أجل حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
 
 
 
 

ذات صلة