11:10 2021/11/29
07:20 2021/10/07
11:47 2021/09/25
قلة تنتهك استقلالية سلطة القضاء.. وأكثرية تخسر
07:29 2021/07/17
قلنا قبل، إن السلطة القضائية هي ملجأ المظلوم للحصول على النصفة، وإليها يلجأ المتنازعون لحل منازعاتهم بطريقة مأمونة، قانونية.. وكون القضاء هو المعني بتطبيق القانون، فهو الضامن الأساسي للحقوق والحريات العامة والخاصة، وهو حارس مبدأ سيادة القانون.. إنه العدالة على صورة قضاة وهيئات قضائية.. لا يمكن وجود ذلك في حال قضاء منهار، أو سلطة قضائية عرضة لانتهاك مثل التدخل في شئون القضاء، أو إكراه قاضٍ على تغيير إرادته، ولا يمكن توقع حكم عادل من قاضٍ يصدر حكماً تحت التهديد، ولا تنتظر تحقيقاً نزيهاً من رئيس نيابة غير مستقل، كما أن النيابة –وهي سلطة الاتهام، تعتبر خصماً للمتهم، ولا بد أن يكون موقف المتهم ضعيفاً أمامها، وهو أكثر ضعفاً إذا حرم من حق الدفاع، أي محامٍ يدافع عنه.
لقد عصفت باليمن أزمات سياسية، وحدثت منازعات مسلحة في الماضي، فلم توظف لها أي هيئة قضائية توظيفاً سياسياً إلا في حالات استثنائية، بينما هذه المرة يتم توظيف القضاء على نطاق واسع للنيل من الخصوم السياسيين بالمكشوف.. نظمت محكمة المنطقة العسكرية المركزية، والمحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء، ومحاكم أخرى، عدداً من المحاكمات، وأصدرت أحكاماً طاولت نحو مائتي قائد عسكري، وعشرات المسئولين في الحكومة المعترف بها دولياً، وعلى نحو خمسة وأربعين عضواً في مجلس النواب، وتم ذلك بدعوى أنهم مرتزقة عدوان، وجرت المحاكمات في غيبة المدعى عليهم، وفي غياب مبدأ الحق في الدفاع، وقضت الأحكام بإعدام معظم المدعى عليهم وحبس الآخرين، ومصادرة ممتلكاتهم جميعاً، وقبل ذلك اختار مجلس القضاء في صنعاء قضاة معينين لتلك المحاكم، وهذا ما نعنيه بتسييس القضاء، على أنه في شهر أبريل الماضي رفع مجلس النواب في صنعاء الحصانة النيابية عن أربعة وأربعين عضواً في مجلس النواب بناءً على رسالة من رئيس المجلس السياسي، التي قال فيها إن السلطة القضائية أكدت أن المذكورين قد تم محاكمتهم وإدانتهم.. أي أن المحاكمة سبقت رفع الحصانة.. وكما في صنعاء، حدث في مأرب مقابل له، حيث قامت المحكمة العسكرية في المنطقة العسكرية الثالثة بمحاكمة عبدالملك الحوثي، ومائة وأربعة وسبعين متهماً، وعلى الرغم من وجاهة التهم ووجاهة المحاكمة إلا أنها جاءت متأخرة، أي كرد فعل للمحاكمات التي جرت في صنعاء.
بقي لنا المرور على أمر مهم له صلة في موضوع هذا المقال.. وهو أن السلطة القضائية المنقسمة اليوم بين صنعاء وعدن، كلاهما عرضة للانتهاكات المشار إلى بعض مظاهرها قبل، وفي حين تبدو السلطة القضائية في صنعاء متماسكة في الظاهر على الأقل، فإن السلطة القضائية في عدن باتت عرضة لانقسام مضاعف، وتجلى ذلك بوضوح في الشهور الأخيرة، وخاصة للذين تابعوا النزاع القائم بين مجلس القضاء الأعلى، ونادي القضاة الجنوبي، الذي يعتبر المجلس في عدن شمالياً، والمحكمة العليا التي يترأسها القاضي حمود الهتار شمالية أيضاً مثل الهتار الشمالي، وهدفهم تدمير السلطة القضائية في الجنوب.. لذلك تعين على منتدى القضاة الجنوبي، القيام بمهمة إنقاذ، حيث أغلق المجمع القضائي بداية من شهر فبراير الماضي، واستعان بجنود للإغلاق وطرد القضاة والموظفين الإداريين من المجمع الذي يقع في مديرية خور مكسر، وهو مكون من مقر المحكمة العليا للجمهورية، وآخر لمجلس القضاء الأعلى، ومكتب المحكمة الإدارية، كما يعتبر المجمع مقراً رسمياً لوزارة العدل، وهيئة التفتيش القضائي.. اتبع المنتدى نفس الإجراء في بعض المحافظات مثل لحج والضالع، حيث أغلقت المحاكم والنيابات هناك، ولا تزال مغلقة حتى هذه اللحظة، مثلها مثل المجمع القضائي بعدن- خور مكسر.. في بداية هذا الشهر أصدر القاضي حمود الهتار رئيس المحكمة العليا للجمهورية قرارا بإحالة رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي لنادي القضاة الجنوبي إلى هيئة التفتيش القضائي للتحقيق، وأن يقوم رؤساء محاكم ونيابات الاستئناف في عدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت الساحل بفتح المحاكم والنيابات المغلقة التي تقع في دائرة اختصاصهم وتمكين العاملين فيها من العمل بالتنسيق مع الجهات المختصة، ورد منتدى القضاة على قرار الهتار ببيان قال فيه إنه الآن بات مضطراً لاتخاذ التدابير اللازمة لإدارة شئون السلطة القضائية في الجنوب بعيداً عن مجلس القضاء الأعلى.
نزعم أن المشكلة هنا لا تتوقف عند انتهاك استقلال السلطة القضائية فحسب، بل تهدد وجودها، وتعجل في انهيار القضاء، وتحرم المواطنين من الحصول على العدالة في ظل سيادة القانون، وهذا يتطلب تفاهماً مباشراً من رئيس الجمهورية ومن قيادة المجلس الانتقالي لتسوية الخلاف بعيداً عن القضاء، لأن الخلاف سياسي في أصله وفصله، وقد فات على واضعي اتفاق الرياض على الرغم من أنه كان قائماً منذ ذلك الحين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية يتعين أن لا يبالغ نادي القضاة الجنوبي في تجاوز الواقع، فقد أجاز القانون للقضاة تنظيم أنفسهم في جمعية ذات أهداف مطلبية لضمان حقوقهم القانونية، والقيام بأدوارهم في حماية استقلال القضاء، وتقديم الأفكار لتطوير القضاء، وتقويم أي عوج أو خلل في القضاء، ومن حق هذه الجمعية المطالبة بإقالة قضاة ورؤساء نيابات عامة عاجزين أو فاسدين، لكن ليس من حق هذه الجمعية النقابية ذات الأهداف المطلبية أن تضع نفسها بديلاً للسلطة القضائية.