انتهاك استقلال القضاء مصيبة عامة لو تعلمون

03:01 2021/07/15

السلطة القضائية -قضاة، محاكم، نيابة عامة- ليست المكان الذي يلجأ إليه المتنازعون فحسب، أو يلجأ إليه مواطن مظلوم للحصول على النصفة فقط، بل أيضاً هي الضمانة الأساسية للحقوق، وصون النظام العام في المجتمع، فهي السلطة المعنية بتطبيق القانون الذي هو قانون المجتمع، بحكم أن واضعيه هم ممثلو الشعب في السلطة التشريعية.. ومن هنا ينبغي أن ندرك فداحة الأفعال التي تنتهك استقلال السلطة القضائية.. بكلمات قليلة، قانون لا يطبق، لا سيادة قانون، لا حقوق مصانة، ولا عدالة مضمونة.
 
إن استقلال السلطة القضائية بات عرضة لشتى صنوف الانتهاك، وأبسط أشكال الانتهاك تلك: التدخل في شئونها من قبل السلطة التنفيذية.. ممارسة ضغوط على القضاة لكي يصدروا أحكاماً محددة مسبقاً.. تعيين موالين لرئاسة محاكم ونيابات.. رفض تنفيذ أحكام أصدرها قضاة، أو أوامر أصدرتها النيابة العامة.. الاعتداء على مقرات السلطة القضائية.. وهناك حالات انتهاك يقوم بها قضاة ووكلاء نيابة عامة، أي انتهاك للقضاء من داخل السلطة القضائية نفسها، كما يقوم بها مساعدون مثل المحامين.. فعلى سبيل المثال قام قضاة في محاكم بالمحافظات التي تديرها الجماعة الحوثية، بمحاكمة أشخاص دون حضور موكليهم، وفي حالات أخرى منع قضاة المحامين من مقابلة موكليهم المدافعين عنهم، كما منعوا الاطلاع على ملفات قضايا موكليهم، وآخر مثال لذلك المتهمة انتصار الحمادي، وقبلها البهائيون، وتعرض المحامي وضاح قطيش لطعنات من أحد المتقاضين داخل محكمة غرب العاصمة صنعاء، وفي قضية أخرى امتنع المحامي نفسه عن المثول أمام المحكمة، مما دفع رئيسها إلى إصدار أمر بالقبض القهري عليه وإحضاره.. وفي الخلاف القائم بين رئيس المحكمة العليا للجمهورية، ومنتدى القضاة الجنوبي، لم يجد القضاة الذين أطلقوا على أنفسهم قضاة التغيير القضائي، أي وسيلة لفك الاشتباك سوى توجيه رسالة لرئيس الجمهورية طالبوه فيها الانتصار للعدالة! من خلال إصدار توجيهاته إلى الحكومة بعدم صرف الموازنة التشغيلية للسلطة القضائية.. هذا عندهم هو الحل الوحيد لاستقلال مجلس القضاء! وهنا أيضا إشارة إلى انتهاك إضافي، حيث إن موازنة سلطة القضاء تحال إليه كرقم واحد في الموازنة العامة دون تبويب وفاقا للقانون، وهو المتصرف فيها، لكن الرسالة تشير أن موازنة القضاء في يد الحكومة، وهذا يعد مظهرا آخر من مظاهر انتهاك استقلالية القضاء والقضاة من قبل السلطة التنفيذية.. وثمة حالة انتهاك ثقيلة، تتمثل في قيام رأس السلطة التنفيذية بعزل النائب العام للجمهورية وتعيين نائب عام جديد، وقد تضمن قرار التعيين مخالفات دستورية وقانونية، تمس استقلال القضاء.. إذ يشترط قانون السلطة القضائية في من يعينه الرئيس لموقع النائب العام للجمهورية أن يكون مرشحا من قبل مجلس القضاء الأعلى، ويكون من بين أعضاء السلطة القضائية، الحاصلين على شهادة من معهد القضاء، وعملوا في النيابة العامة مدة عامين، وأن يكون كفءاً ونزيهاً، ومع ذلك أصدر الرئيس قراراً بتعيين رجل أمن دون وضع هذه الشروط في الاعتبار.
 
فإذا جئنا إلى النوع الآخر من الانتهاك، وهو الاعتداء على القضاة ورفض أحكام القضاء، وجدنا حالات كثيرة، لكن سنكتفي بذكر بعض الشواهد للاستئناس.. فمثلا، في اليوم الثاني من شهر مارس الماضي قاد محمد -هو ابن قائد محور تعز- مجموعة مسلحة وهاجموا المجمع القضائي لغرب مدينة تعز، واعتدوا على قاضي الأحوال الشخصية في المحكمة الابتدائية القاضي بكيل القباطي، فأصدر هذا القاضي حكما مستعجلا، يقضي بحبس خمسة من الجناة مدة خمس سنوات، ولكن حكم القاضي لم ينفذ.. وفي اليوم الرابع من الشهر عينه قام جنود يقودهم ضابط من اللواء 22 ميكا بمدينة تعز بالسطو على أرضية مواطن يدعى عبد الرحمن الشرعبي خلافا لما قررته محكمة الاستئناف بشأن الأرض المتنازع عليها.. وأواخر يونيو قتل مسلحون المحامي هشام عبدالباري هزاع العبسي أثناء وجوده في منطقة الجمهوري مدينة تعز، لأسباب تتعلق بأداء مهمته، وعند مطلع هذا الشهر خطف مسلحون المحاميين عبد القوي أحمد عبدالفتاح وصادق محمد دبوان، بعد خروجهما من محكمة غرب تعز.. وفي صنعاء تم الاعتداء على قاض حكم خلافا لإرادة أحد طرفي النزاع، وطعن محامي الضحية الأغبري وهو داخل المحكمة من قبل الخصوم، وفي حجة دخل أولياء دم المحكمة بأسلحتهم عنوة، وحين نطق القاضي بالحكم اطلقوا النار على المتهم واردوه وهو في قفص الاتهام، على الرغم من أن الحكم قد يتغير أو يتعدل في المحكمة الأعلى درجة.. وقام قضاة بإصدار أحكام إعدام بحق أشخاص في قضايا مبهمة، ورفض قضاة تمكين المحامين من الاطلاع على ملفات موكليهم لكي يقوموا بدورهم في حق الدفاع، وبينما تعتبر النيابة العامة وكيل المجتمع، وهي خصم شريف، قام وكلاء نيابة بالضغط على أشخاص للإدلاء بشهادات ضد أنفسهم، وأكره وكيل نيابة المتهمة انتصار الحمادي للتوقيع على محاضر لا تعلم مضمونها، فاستجابت للإكراه ووقعت على المحاضر وهي معصوبة العينين.. وباقي في الموضوع كلام.