سلوك العصابة الحوثية يتعارض مع تقاليد الحرب

07:20 2021/10/07

هناك مقولة مشهورة للعصابة الحوثية، ما تزال تسوقها، ولم يتم وضعها تحت المجهر بعد.. وهي ادعاؤها أن ميليشياتها ملتزمة بالتعاليم الإسلامية التي يتعين على المحاربين الالتزام بها في أوقات الحرب.. وتزيد إلى ذلك تذكر في المناسبات التزامها بالقانون الدولي الإنساني الذي يقرر أن الحرب إذا كانت ضرورية، فينبغي الالتزام بالقواعد والمبادئ التي تقلل من أضرارها ووحشيتها.
 
بذور القانون الدولي في الفقه الإسلامي تتمثل في الوصايا والتعاليم التي كان الرسول والخلفاء يزودون بها قادة الجيوش قبل الغزو، أو قبل الخروج لردع المعتدي: لا تقتلوا عجوزا، ولا شيخا، ولا طفلا، ولا تتعرضوا للزمنى.. لا تجهزوا على جريح، ولا تهاجموا البيوت، وصوامع وكنائس العباد.. لا تقطعوا شجرة مثمرة.. لا تقتلوا أسيرا ولا مستسلما ولا موليا.. لا تهاجموا من ليس بمحارب.. وغير ذلك من التعاليم والقواعد التي ترشد الحرب وتقلل عدد ضحاياها، كما في مجموع الاتفاقيات الذي يسمى القانون الدولي الإنساني، الذي يجرم شن حرب قبل إنذار سابق، التهديد بعدم الإبقاء على أحد قيد الحياة، جعل المدنيين هدفا للهجوم، عدم تمييز المحاربين أنفسهم عن المدنيين، عدم مهاجمة أي هدف عسكري إذا كان من المحتمل أن يؤدي الهجوم إلى قتل مدنيين.. عدم استخدام أسلحة يحرم القانون الدولي استخدامها، بما في ذلك التي تضر بالبيئة.. عدم جعل الأعيان المدنية والثقافية غرضا للهجوم.. والمقصود بالأعيان المدنية والثقافية: مدرسة، مستشفى، مصنع، متحف، مسجد، مسرح... الخ، وبصفة عامة لا يجوز أن تكون المنشآت غير العسكرية هدفا للهجوم.
 
فهل العصابة الحوثية ملتزمة بهذه التعاليم الدينية، والمبادئ الإنسانية التي تخفف من ويلات الحروب؟ هي تدعي ذلك كما قلنا في البداية، لكن هل تصدق في ادعائها؟
 
قبل أيام فاخر الناطق العسكري باسم ميليشيا العصابة أن الميليشيا نفذت 161 عملية هجومية بالصواريخ، و319 عملية هجوم بسلاح الجو المسير.. فتعالوا ننظر إلى موضوع الهجوم: ثلاثة صواريخ كان هدفها حي الروضة السكني في مأرب، وقد قتل وجرح 26 رجلا وامرأة وطفلا، مدنيين، لا هم تحالف، ولا هم مرتزقة العدوان، حسب توصيفها للجيش والمقاومة.
 
مجمع إخوان ثابت الصناعي والتجاري في مدينة الحديدة ليس معسكرا، ولا قاعدة عسكرية.. هو مصنع للمواد الغذائية، ألبان، زبادي، عصائر.. ومع ذلك صار منذ سنوات موضوعا للهجوم من قبل ميليشيا العصابة، تضربه مرة بعد مرة، بصواريخ وقذائف هاون، وذخائر المدفعية، وألحقت به أضرارا كبيرة، وقتل بعض العمال، وتوقفت خطوط الإنتاج عن العمل، وكلما قام أصحاب المصنع بإصلاح الخراب، تهاجمه الميليشيا بعد إصلاح ما خربته هي.
 
ميناء المخا ليس معسكراً، ولا هو قاعدة بحرية أو جوية، بل مؤسسة مدنية، أعيد تأهيلها لخدمة منظمات الإغاثة والتجار والمستوردين.. لكن، لأن العصابة تخشى أن يغدو منافسا لميناء الحديدة، أقدمت على مهاجمته بصاروخين بالستيين، وست مسيرات إيرانية مفخخة، بغرض تدميره وحرق السلع المستوردة، وكل المواد الإغاثية التي خزنتها المنظمات ورتبت لتوزيعها على الفقراء.. لم تبال العصابة بكل ذلك، لم تهتم لحياة الموظفين، لأنها أرادت أن تخرج الميناء عن الخدمة ليعود خربا كما كان قبل إعادة تأهيله بشراكة بين الحكومة والمقاومة الوطنية..
 
لقد تمت إعادة تشغيل الميناء، وهو يعمل الآن بصورة طبيعية.. لكننا نتحدث عن عصابة تدعي أخلاق الفروسية، بينما من الناحية العملية لا تضع أي قيمة أو اعتبار لقوانين الحرب وآداب الحرب التي تحرم استهداف الأعيان المدنية.
 
في الحروب، تقضي اتفاقيات جنيف وسائر قواعد القانون الدولي الإنساني، أن يميز المحاربون أنفسهم عن المدنيين.. لا تختلط مع السكان المدنيين.. لا تتخذ من المدنيين دروعا بشرية.. لتحتمي بهم، لو فعل المحاربون ذلك يكونون قد ارتكبوا جريمة حرب.. وإذا كان خصمك في مكان ملتبس فلا يجوز مهاجمته إذا كان هذا الهجوم سيؤدي إلى قتل مدنيين.. العصابة الحوثية لا تراعي هذه القواعد أو الآداب العسكرية.. احتفال بمناسبة اليوم السنوي التاسع والخمسين لثورة 26 سبتمبر في مأرب، حضرته بعض القيادات العسكرية، بينما أغلب المشاركين في الاحتفال مواطنون، وبينهم موظفون عموميون، وقليل من الإعلاميين، أي مدنيون لا مقاتلون، فإذا بالعصابة الحوثية ترسل إليهم صاروخا، لكنه سقط على مقربة من مكان الاحتفال.. فكم كان سيموت أبرياء لو انفجر وسط المحتفلين؟ في نفس ليلة 26 سبتمبر كان أيضا احتفال جماهيري بميدي.. لم يحضر هذا الاحتفال مقاتلون، بل مواطنون وموظفون في السلطة المحلية وبعض رجال الشرطة المكلفين بتنظيم الاحتفال.. فقامت العصابة الحوثية بمهاجمة الاحتفال بصاروخ، وقتل 12 وأصيب بجروح 22 آخرون من المحتفلين الذين لا علاقة لهم بالحرب، وليسوا مقاتلين، وقتل معهم شرطيان اثنان، ورجال الشرطة ليسوا مقاتلين كما هو معروف.
 
اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام (هذا هو اسم اتفاقية اوتاوه).. دخلت حيز النفاذ في شهر سبتمبر عام 1997، وبلادنا تعتبر طرفا فيها، بينما الجماعة الحوثية تستورد وتصنع ألغاماً فردية، وتزرعها تحت التراب والرمال لتصطاد أرواح رجال ونساء وأطفال أبرياء.
 
هذه مجرد أمثلة، وهي قليل من كثير، ترينا أن العصابة الحوثية ليس لديها أي التزام تجاه تعاليم الإسلام وقواعد القانون الدولي الإنساني، وأن ما تدعيه بهذا الشأن يكذبه سلوكها العملي.