ملف - تعز.. القناصة (11) | الصحفيون اليمنيون والقناصة: "الشيباني".. أول صحفي مقنوصًا

  • تعز، الساحل الغربي، ضيف الله الصوفي:
  • 09:42 2022/06/09

- الشيباني جثة، والصحفيون من حوله في مشهد أكثر حزنًا، غير قادرين على استيعاب ما حدث، كيف أن يُقتل أحدهم دون تهمة؟ 
- يعتبر الشيباني، من أوائل الصحفيين في مدينة تعز الذين تعرضوا للاستهداف المباشر برصاصات الحوثيين
 
على طريقة اغتيال شيرين أبو عاقلة، الصحافية الميدانية في فلسطين، برصاصة جنود إسرائيليين، كان قد اغتيل مصور صحافي في مدينة تعز اليمنية قبل سبعة أعوام.. حادثة لا تقل عن مقتل أبو عاقلة في شيء، لكنها لم تنل رواج الأخيرة، التي صار يوم مقتلها عزاءً عربيًا، ويومًا حزينًا للصحافة والصحفيين.. لربما هو العالم العربي بات لا ينظر إلى الضحية، بل لشهرته، ومكانته.. النظرة التي غيبت ولا تزال تغيب الأحداث في كثير من البلدان.
 
أعادت حادثة شيرين المؤلمة إلى أذهان الصحفيين في تعز قصة أحمد الشيباني، الذي عمل مصورًا صحافيًا لدى قناة اليمن الفضائية منذ أن حاصر الحوثيون المدينة في مارس 2015، بدأ بتوثيق جرائم الحرب، ومعاناة المدنيين الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في مساحة لا تتجاوز خمسة كيلومترات مربعة، محاطين بخطوط ومناطق الاشتباك من الشرق تبة الإخوة، ومن الغرب منطقة الحصب والقريبة منها، ومن الشمال شارع الستين والمرتفعات الشمالية هناك، ومن الجنوب قرى صبر وقلعة القاهرة.
 
 
في السادس عشر من فبراير 2016 تقدمت المقاومة الشعبية تجاه الحَصِب، التابعة لمديرية المظفر، إذ سيطرت على أجزاء واسعة منها، بعد مواجهات مع الحوثيين، حينذاك كان مجموعة من الصحفيين والمصورين بينهم الشيباني يعملون في تغطية الأحداث التي تزامنت مع نشوب حريق في مصنع هزاع طه للبلاستيك، الذي أصيب بقذيفة صاروخية سقطت بشكل عشوائي.. وهناك دفع الشاب حياته ثمنًا للحقيقة.
إقرأ أيضاً:
- تعز.. القناصة | ملف (10)- "طفلة الماء" قصة أقرب من مُعجزة.. موت مُحقق وإنقاذ بطولي
- تعز.. القناصة | ملف (9) - شقيقان.. ثُقِبا صدراهما في ذات المكان "صالة" !
- تعز.. القناصة | ملف (8) إنسانية الحالمة «رهام البدر» في ذكرى قنصها: موثِّقو الحرب.. ضحاياها!
- تعز.. القناصة | ملف (7) - قصة قنص عاقل عُقّال حي الروضة وطالب في امتحان الثانوية وطفل أمه "عبدالواحد"
- تعز.. القناصة | ملف (6)- «مُخلص طاهر» امرأة لن تتكرر.. ثلاثة ورابعهم أمهم ضحايا قناصة الحوثي
- تعز.. القناصة | ملف (5)- أول ضحايا القنص من المقاتلين ولمرَّتين.. قصة الشاب الشرعبي «بين طلقتين وعكازتين»
- تعز.. القناصة | ملف (4)- ثالث ضحايا قناصة الحوثي بتعز.. قصة الناجي من 6 رصاصات في جولة القصر
- تعز.. القناصة | ملف (3)- قصة ثاني ضحايا قناصة الحوثي بتعز: أبٌ في طريقه إلى أولاده!
- تعز.. القناصة | ملف (2) - "فردوس" الناجية تروي مأساة أول ضحايا قناصي الحوثي بتعز.. برصاصة واحدة رضيع ووالده قتيلين!
- ملف (1)- ضيف الله الصوفي يُحَقِّق في حلقات : تعز.. حياة مُحاصَرة بالقناصة، تعايش يومي مع الموت
تؤكد آفاق الحاج، صحافية: "كنا مجموعة من الصحفيين، ومصوري القنوات المحلية والوكالات الخارجية نتواجد بالحصب، من أجل توثيق ورصد تفاصيل المعركة والدمار الذي صار شاهدًا على مرور الحوثيين.. كانت مُخاطرة من أجل الحدث، ولأجله اغتيل الصحفي أحمد الشيباني".
 
 
ظهيرة ذلك اليوم، ما إن أكمل أحمد توثيق عملية إحراق المصنع، حتى أراد الانتقال إلى الطرف الآخر، لكنه كان مترددًا.. يظهر تقرير مُصوَر لحظة استهداف الشيباني وسقوطه في منتصف الشارع، ففي بداية المشهد يقطع رجل وشابتان الطريق مسرعين، بينما تأخر المصور ثواني قليلة، ليبدأ أولى خطواته بالركض، وقناص يتمركز في تبة "الأرانب" يباشره بطلق ناري أصابه في الرأس ليُقتَل على الفور.
 
عند مغادرتنا المكان بشكل جماعي رفقة أحد القادة العسكريين كان علينا اجتياز شارع مكشوف، والمرور إلى الجانب الآخر كي نستطيع الخروج من المنطقة، تأخر الشيباني، وقتها سمعت أحد الزملاء يصرخ أحمد، أحمد.. التفتُ لأراه ملقى على الأرض. بحسب حديث آفاق.
 
هروب الزملاء، وسقوط الشيباني، واستمرار القناص برمي رصاصاته حول الضحية، هو أقل ما يمكن لوصف لحظات رعب الهاربين، وخوف الصحفيين الذين كانوا يبعدون عنه بأمتار، وفزع المسعفين وهم يسحبون جسد المصور والتعثر، لكنهم في النهاية استطاعوا أخذه رغم محاولة الطلق العشوائية التي تفسر عدم وضوح الرؤية لدى القناص.
 
الشيباني جثة، والصحفيون من حوله في مشهد أكثر حزنًا، غير قادرين على استيعاب ما حدث، كيف أن يُقتل أحدهم دون تهمة؟ سوى أنه يحمل كاميرا.. الوقوف على جثة صديقك أو زميلك في العمل ليس سهلًا، قد تنهار من فرط البكاء، وآخر يواسيك، وثالث شارد البال، مشدوه الوجه، يكابد حزنه ووجع الرحيل. حيث تقول التجارب إن وقوف الواقف في مثل هكذا موقف، يكون مكسورًا.
 
 
تصف آفاق تلك الحادثة بالتجربة الصعبة، فقد كانت على بُعد خطوات من المصور حينما رأته يسقط مقنوصًا.. "مقتل الشيباني كان صدمة، وفاجعة كبيرة للوسط الصحفي في تعز واليمن بشكل عام وحتى المجتمع الدولي الذي أدانها بشدة وشدد على ضرورة حماية الصحفيين، لكنها في الوقت ذاته أعطت دافعًا قويًا للعاملين في هذا المجال لمواصلة العمل في نقل الحقيقة التي يسعى الحوثيون لتغييبها".
 
يعتبر الشيباني، من أوائل الصحفيين في مدينة تعز الذين تعرضوا للاستهداف المباشر برصاصات الحوثيين، ليفارق كوكبة الزملاء مودعًا مهنته في ميدان الحقيقة، في ساحة كان بالأمس ناقل الخبر، وصار اليوم خبرًا يتناقله آخرون.
 
لقد كان الشيباني بمثابة حبة مسبحة سقطت أرضًا بفعل قاتل، لتبدأ باقي حباتها المجاورة بالسقوط تباعًا ضمن مسلسل من الانتهاكات المتواصلة بحق الصحفيين اليمنيين، خصوصاً في زمن صارت الحريات الصحافية تعيش وضعًا حرجًا نتيجة استمرار الحرب، وعنف أطراف الصراع، وحالة العدائية للصحافة، سيما وأن مليشيات الحوثي تعتبر الصحفيين أشد خطرًا من العسكريين، كما جاء في تصريح لعبدالملك الحوثي يعطي الضوء الأخضر باستهداف هذه الأصوات.. فمدينة تعز لوحدها خسرت سبعة صحفيين، في جرائم لا يمكن أن تسقط بالتقادم.

ذات صلة