"عشر سنوات أكثر من قرن" - حاتم علي ووليد سيف ثنائي الذاكرة العربية الاستثنائي

  • الساحل الغربي، كتب/ عبدالسلام القيسي:
  • 10:09 2021/04/29

في رمضان، المشاهد العربي لا ينسى حاتم علي، المخرج الذي أخرج أكبر المسلسلات العربية والتي ما زالت تسيطر على مشهد الدراما منذ بداية الألفية الثالثة إلى الآن، رغم أن مشوار حاتم علي بدأ من الثمانينات كممثل ثم كمخرج ولكن البداية الحقيقية التي يمكننا التبجيد عنها وعن حاتم كانت صدفة معرفته بالكاتب الفلسطيني الشهير وليد سيف، ثم أصبحا معاً ذاكرة البلاد والتاريخ العربي، فمن هما هذان الرجلان؟
 
هما مخرج وكاتب، الأول سوري بدأ بالتمثيل ثم انتقل إلى الإخراج بروح السوري الذي ولد في الجولان السورية وهي عربية ثم غادرها في الرابعة من عمره بعد سقوطها بيد الكيان الصهيوني نازحاً ومتنقلاً بين المخيمات فتجذرت فيه القضية، التي هي قضيته، وكان المقاتل الذي أرعب الكيان بنصوصه وكاميراته، أنتج في غضون سنوات نوعية درامية تقاس بالجيوش، لا بالمشاهد.
 
 
الثاني، كاتب فلسطيني، اشترك مع حاتم علي بعمق القضية، في مسيرة فقدان البلد والأهل فهما كاتب ومخرج المسلسل الشهير "التغريبة الفلسطينية" يحكيان قصة الوجع الفلسطيني بروح الشاهد والضحية، بلغة الكاتب وليد سيف وبإبداع وتمثيل المخرج والممثل حاتم علي في سيناريو يحكي أكثر من حقيقته.
 
بداية من وليد سيف، لقد كتب، في مسيرته المجد، وصور بكلماته المأساة بمنطلق الحاضر الذي لا يستغني عن الماضي من حكايات الزمان الغابر الذي أراد وليد سيف على العرب أن يفهموه من خلال سيناريوهاته بمسلسلات كثيرة وقام حاتم علي بدور تحويل الكتب إلى صورة فشعبنا العربي أصبح لا يقرأ كما قال بل يشاهد، وعليّ جعله يقرأ الصورة، لذا طابع أعماله فنية ثقافية فكرية من مسيرة التاريخ العروبي الكبير.
 
جبلان يلتقيان
 
محور حديثي عن نقطة لقاء الجبلين، حاتم علي ووليد سيف، فلكل واحد منهما أعمال سبقتهما في العمل معًا، ولكن الجبال عندما تتصافح تنتج مسلسلات كبيرة وخالدة، مثل: التغريبة الفلسطينية وصلاح الدين الأيوبي وصقر قريش وربيع قرطبة وملوك الطوائف وعمر وهذه هي أعمق ما أنتجته الدراما العربية ككل، وكلما تقدم الفن وتجذرت السينما ودراما الحداثة يتذكر العربي خمسة أعمال لا مثيل لها ويقول متحسراً: الزمان لا يأتي بأحسن، فتلك الأعمال تتجدد كلما تقادمت، وتلمع كلما مر الزمان.
 
الدقة.. كاتب ومخرج 
 
يحرص وليد سيف على الدقة التاريخية، شاهدت كل الأعمال المشتركة بينهما والتي ذكرت وكنت قبل ذلك قد قرأت كامل السياقات التاريخية تلك، دقتهما في الكتابة وعدم الحشو وثم في اختيار نوعية الممثلين في الأدوار وتناسق الطبيعة واللون والبنيان والجيوش والمعارك التي جمعت بين المصدر التاريخي والنص الذي يكتبه وليد سيف وإخراج حاتم علي أجادت تقديم السير التاريخية بصورتها الحقيقية فالمشاهد يبكي وهو يتابع مسلسل التغريبة وبالأخص التفاصيل الصغيرة لعائلة أحمد أبو صالح، وحب الأرض، والتعب العائلي لتعليم ولد واحد للعائلة. 
 
الثلاثية الأندلسية
الثلاثية الأندلسية
 
كانا يستطيعان، كاتب ومخرج، تحويل مسلسل صقر قريش من 30 حلقة إلى 300، كما السلاسل التركية ببكاء وعاطفة ويجذبان المشاهد أكثر، لكن الفكرة الأم والعبرة التاريخية والصدق الذي ينشدانه من تحويل حكاية عبدالرحمن الداخل إلى مسلسل سوف تضيع، ففرار الداخل من دمشق إلى الاندلس يمكنهما أن يحولاه إلى مائة حلقة لو لهما شهوة الربح، ولكن لا مكان لهذا في سيرتهما فهما مقاتلان عربيان يصوران المشهد الأول للشموخ العربي بكل مصداقيته ولا يعرفان الكذب في مشاهِد كذبها حلال، وحشوهما زلال. 
 
الدراما.. بين المعجزة والاستثنائي 
 
قلم وليد سيف معجزة، حوارات، الأبطال، في مسلسلاته قيمة أدبية وثقافية مذهلة، فهو صقر قريش بذاته، وهو محمد بن أبي عامر بشحمه، وهو المعتمد بن عباد بشعره، والمشاهد يلحظ أن وليد سيف كاتب القصص هو الشخص نفسه فهو أيضا الفاروق عمر وهو صلاح الدين.
 
كذلك حاتم علي استطاع أن يقدم الزير سالم بشخصية لا يمكن للمرء أن يقول هذا مجرد تمثيل، حتى إن سلوم حداد ممثل دور سالم الزير قال إن الدور الذي مثله تدخل بحياته فأصبح الزير ونسي الناس حقيقته، وهذه إحدى الميزات التي استثنى بها حاتم علي نفسه من بين كل المخرجين وهي تقديم الماضي كالحاضر والخيال كالحقيقة والميت كالحي، إعادة بعث الموتى في مشهد درامي ينقلك من حيث كنت في تعز أو بيروت أو دمشق، أو القاهرة، إلى بادية تغلب وإلى العدوة الأخرى من البحر وإلى قرطبة وأشبيلية.
 
عشر سنوات فقط
 
بعشر سنوات فقط، عام 2001 قبلما إنتاج مسلسل صلاح الدين وكانت عشرات النصوص التي وضعت على مكتب المخرج حاتم لم تعجبه لتصوير سيرة صلاح الدين وظل في حيرة وهو من النوع الذي يرفض مائة نص قبل الشروع في العمل فلم يجد من كاتب يلامس حقيقة الأيوبي، يريد كاتب ينبعث من أعمق أعماق الماضي، دله الممثل، أيمن زيدان على كاتب انبعاثي، وليد سيف، فانبعثت الأمجاد بهما مرة أخرى، عادت إلى الواجهة، بكاتب ومخرج.
 
 
عشر سنوات أكثر من قرن 
 
المدقق في الأعمال التي قدماها، بعشر سنوات فقط، من صلاح الدين الأيوبي أولا إلى صقر قريش وربيع قرطبة والتغريبة الفلسطينية وملوك الطوائف وعمر بالترتيب يجد الفارق والكيف على الكم في فترة قياسية فاقت الفترة الدرامية من الستينيات وما بعدهما إلى الآن ولا يزال كل عربي يريد المشاهدة وكل مولود، تأخر عن الزمن الحصري، يذهب للمشاهدة في اليوتيوب هذه الأعمال الخالدة.
 
عن مسلسل عمر.. النطة الكبرى لتجسيد الصحابة 
 
كانت المؤسسات الدينية ضد تصوير وتجسيد صحابة رسول الله من الصف الثالث والرابع ولن نقول الأول، وكان مردهم في ذلك النيل من شخصيات أهل الرعيل الأول، ولكن وحدهما وليد سيف وحاتم علي استطاعا بنص وصورة جعل تجسيد الشخصية الصحابية لكل أصحاب رسول الله إلى صورة ومن الرفض إلى ضرورة ملحة لجدية العمل، ولأن الدور الذي كان بمقام عمر ربما هو عمر نفسه، كيف أجادا تقديم أبي بكر وخالد بتلك الصورة المطابقة للذهنية التاريخية، كيف لهما كل تلك الدقة والمخيلة..!
 
مات حاتم علي.. فأين وليد سيف؟ 
 
قبل أشهر فقط، استيقظ العالمان، العربي والسينمائي، على خسارة تقاس بخسارة الأوطان وأضيف موت حاتم علي إلى مجموع الخسارات القومية فنحن لم نخسر فلسطين واليمن وسوريا والعراق فقط بل وإضافة إليهن خسرنا حاتم علي، فلقد كان ذاكرة كل البلدان هذه، ولقد كان حاتم علي حقيقتهن.
 
مات حاتم علي، رثاه وليد سيف، بقوله لا تعلنوا موت الإبداع بموته ولكنه يعتقد أنه سيفشل في كتابة نص درامي لعدم وجود المخرج الذي سوف يناسق ويموسق الكلمة بالصورة.
 
ولكن أشعر، بقرارة ذائقتي، أن وليد سيف أيضاً مات، فقد نصفه وانتهى انبعاثه بموت حاتم علي، فإن كتب من سيخرج إبداعه إلى عمل يشبه ربيع قرطبة وإن دق حقبا تاريخية إلى أوراقه من سيعطي تيم حسن وجمال سليمان وسواهما الدافع بل الحافز القومي والملحمي كي نحظى بصفير مشابه لصفير مولى صقر قريش بدر وهما يفران من دمشق إلى قرطبة خاصة وقد مات ومتن أغلب شخصيات أعماله وإن كان التاريخ الحاتمي بكرم المخرج وسيف الوليد لا يموت البتة.

ذات صلة