جنرالُ الصحراءِ ينهي مَهامَهُ العسكرية.. في سيرة اللواء أمين الوائلي
- الساحل الغربي، كتب/ رقيب مرزاح الوصابي:
- 04:53 2021/04/02
تلقى العلم باكراً على يد والده العلامة/ عبدالله حامد الوائلي، وحفظ القرآن باكراً في قريةِ المحفدِ _ وصاب العالي، وهناك تلقى دروساً متنوعةً وتأهيلاً علمياً متقدماً على يد أبيهِ أبرزُ فقهاءِ وصاب حينها، وكان نموذجا يقتدى به في الالتزام والمثابرة على فعل الخير والتكافل بين أبناءِ قريتهِ ومجتمعِهِ أحبَّ العلمَ وشجعَ عليهِ وأكرمَ العلماءَ ولم يهجر حلقاتِ دُرُوسِهِم وظل على تواصل بالمعرفةِ والعلمِ مُتَبَحِرَاً في مدونةِ المدارس الفقهيةِ المتعددةِ.
عرفه الناسُ بصدقِ مَنطقهِ وقُوَةِ وجاهتِهِ وعَذبِ شمائِلِهِ وأحبَّ الآخرونَ شخصيتَهُ القيادية، فالتفَّ الناسُ حوله يعتَصرونَ أفكَارَهُم ويشحذونَ مُخيلتِهِم طلباً للحاقِ بهِ فَهمَاً وإدراكاً كانَ خير معلم لهم وكان الأبَ والأخَ والطريقَ.
وعندما كانَ أركان حرب في مدينةِ عمران عام 1994م وكان صاحبُ اليدِ الطولى في التصدي لمحاولةِ الانفصاليين في تفجيرِ الحربِ من مدينةِ عمران على إثرِ صدامٍ حادٍ بينَ معسكرينِ متقابلين في المدينةِ ذاتها ولولا فراستهُ العسكرية العالية لاتسعتِ قصةُ المأساةِ على امتدادِ المدينةِ لكنهُ تصدرَ للمهمةِ وعلى متنِ دبابتِهِ وعلى مرمى القذائفِ المتداولةِ من المعسكرين حسمَ الوائليُّ الموقفَ وأخمدَ نارَ الانفصالِ الأولى بدهاءٍ أذهلَ القيادةَ العسكريةَ وعندَ زِيارتِنَا له في اليومِ الثاني بصحبةِ والدي، رَحِمَهُمَا اللهُ، سكبَ نَظَرَاتِهِ في بُؤبُؤي عينيَّ وقالَ ليسكتَ كلَّ أسئلةِ الفتى الصغيرِ في أعمَاقِي "تمنَ الموتَ توهب لكَ الحياة".
وفي حرب الانفصال وتحديداً بالقربِ من قاعدةِ العَنَد تحدثَ الجميعُ عن مهارةِ الضابطِ الأسطوري الذي أسقطَ طَائِرِةً حَربِيةً من طِرَازٍ مُتطَورٍ بقذِيفةٍ من فوهةِ دبابَتِهِ بعدَ أن استعانَ على ذلكَ بامتطاءِ ظهرِ تلٍّ قاصداً التصويب باتجاهِ السماءِ وعندَ سقوطِ الطائرةِ تَسارعَ الجميعُ لمعرفةِ البطل ليطلَّ عليهم أمين الوائلي.
لم يتوانَ أبداً في الاستجابَةِ ولم يتأخر قيدَ أنمُلَةٍ كُلَّمَا تَطَلَّبَ الوطنُ تَضحِيَاتِهِ، تصدرَ للفتنةِ الحوثيةِ الدهماءِ في الحروبِ الستِ وشهدَ الأعداءُ قبل الأصدقاءِ صولاتِهِ وجولاتِهِ أضمَرَ الخيرَ للوطنِ وأضرمَ النارَ في وجوهِ الحاقدِينَ والمتربصينَ وكان الشوكةَ في حلوقِ العملاءِ والخونةِ، وهوَ الذي خططَ وصممَ وأقدمَ ودبَّرَ ونفذَ واجتاحَ يلقي بنفسِهِ على الموتِ فيصرعُهُ حتى وَصَفَهُ العارفونَ بــ "جنرالِ الصحراءِ" وأطلَقَ عليِهِ أعداؤهُ "هادمُ اللذاتِ".. جبالُ مرانُ تعرِفُهُ ولا تنكرِهُ وترهبُ وقعَ قَدميهِ ولا تنَساهُ وجرفُ سلمانَ ارتجَّ تَحتَ قدَمِيهِ وهو الشاهدٌ على وثباتِهِ وزئيرِهِ والحقُّ ما شهدت بهِ الجبالُ ولا بَصماتَ أصدقُ من بصماتِ الوائلي هناك.
وصحراءُ الجوفِ تشهدُ صلواتِهِ وتراتيلِهِ وتُرَدِدُ وصاياهُ وأدعِيَتَهُ فأسلمتهُ قِيَادَهَا ولم تكتُمهُ أسرارها فأشارت إليـهِ بمخابئِ الأعداءِ ومشاريعِ الخيانَةِ المَطمُورَةِ أعماقِ أعمَاقِهَا وكانت على اتساعِهَا تستلذُ بانفعالاتِهِ ولهفتِهِ وترضى بِكرِّهِ وفرِّهِ وإقبالِهِ وإدبارِهِ وترى فيهِ فَارِسَهَا المُنتَظَر وأمينَ سرِّ زوابِعِهَا الصادق وعندَ اشتدادِ الكربِ تغارُ على أمينها فتقترحُ عليهِ طرائقَ أقلَّ ألماً وإيلاماً للإحاطَةِ بالكهنوتِ والإيقاعِ بفلولِ البغاةِ المعتدين حتى غارَ من فروسِيتِهِ حينَ بالقربِ منهُ بأنَّ الجوفَ لا تقبلُ غيرَ أمينٍ واحدٍ؛ قررَ حينذاكَ أن يُغادرَ الصَّحراءَ وأن يضعَ عصا المسافرِ مَصحُوباً بالدعواتِ يرافِقهُ دفءُ الصحراءِ ومحبةُ رِجالِهَا الأوفياءِ لم يطل الأمدُ حتى سَقطَتِ الجوفُ على يدِ الحوثيينَ ولاذَ العكيميُّ بالفرارِ طلباً للنجاةِ استفحلَ الهرج والمرج وعمتِ الفوضى أرجاءَ الجوفِ بينما كانت الصحراءُ تبكي حَظَّهَا العاثرَ تتميزُّ من الغيظِ في سُؤالٍ دائِمٍ عن جِنرَالِهَا / أمين الوائلي الذي يقفزُ على الموتِ لِيمنَحَهَا كلَّ مَعَانِي الحياةِ.
في أواخر عام 2020م استجابَ اللواءُ الركنُ / أمينُ الوائلي للنداءِ المقدَّسِ الذي أطلَقتهُ الصحراء مُطَالِبةً بعودتِهِ للذودِ عنها كانَ حينها على موعدٍ للسفرِ إلى الهندِ طَلباً للعلاجِ بعد تعرضِهِ للسرطانِ لكنَّهُ أرجأ ذلكَ وطارَ على جَناحِ الشوقِ واللهفةِ لمعانقَةِ الصحراءِ بكلِ طاقاتِ روحِهِ المتعبةِ والدفاعِ عنها عادَ إليها يُدَارِيهَا وتُدارِيهِ يُدَاوِيهَا ويَتَدَاوى بِهَا، وكانت لَهُ انتصاراتُهُ المشهودةُ وأيامُهُ الموعودَةُ وكانَ وكانَ لكنَّهُ خرجَ هذِهِ المرةِ إلى صِحراءِ الكسارةِ المقدسةِ ليكسرَ أنوفَ الحوثيين، خرجَ للقاءِ ربِهِ تنزُّ عن جسدِهِ رائحةُ دمِهِ الطاهر مرتضياً اللحاقَ بموكبِ الشٍّهَداء.
سقطَ بل ارتقى شهيداً وعاشَ حميداً على شفتيهِ دائماً:
وطني وهبتُكَ باقتناعٍ مهجتي ... ودمي فدى ما عشتُ لا أترددُ
رَحِمَكَ اللهُ يا خال؛ وأسكَنكَ الفردوسَ الأعلى مع النبيينَ والصديقينَ والشهداء.