الدعم الإماراتي لليمن: نهج وفاء لا موقف عابر

09:03 2025/11/27

في لحظة تاريخية يتقاطع فيها السياسي بالإنساني، وتشتد فيها قبضة الأزمة على عنق اليمن المنهك، يأتي الإعلان عن دعمٍ إماراتي مقداره مليار دولار لقطاع الكهرباء في المناطق اليمنية المحررة بوصفه أكثر من مجرد منحة مالية عابرة، بل ليُعدّ موقفًا عربيًا أصيلًا يجدد معنى الأخوّة، ويعيد الاعتبار لقيم المسؤولية المشتركة تجاه الشعب اليمني الذي لا يزال يدفع منذ سنوات ثمن الانقلاب الحوثي ومشروعه الطارئ، الذي انتج الموت والخراب والدمار وزرع الفوضى في مؤسسات الدولة ومجتمعها.
 
إن هذا الالتزام من أهل العزوة والسند والمدد في الإمارات لا يمثل أرقامًا وحسابات فحسب، بل يحمل دلالات سياسية وأخلاقية تعيد رسم صورة العلاقة بين اليمن وعمقه الخليجي والعربي.
 
لم تعد الكهرباء في واقع اليمن اليوم مجرد خدمة من خدمات الرفاه أو بندًا من بنود الإنفاق العام، بل تحولت إلى عصب حياة يتوقف عليه استمرار التعليم، وقدرة المستشفيات على العمل، وضخ المياه إلى الأحياء والمدن، واستمرار الأنشطة الاقتصادية والصناعية في حدها الأدنى، في بلدٍ تآكلت بناه التحتية تحت وطأة حربٍ أصبح فيها انقطاع التيار الكهربائي دليلًا على تراجع الدولة وانكسار وظائفها الأساسية. ومن هنا فإن أي استثمار جاد في هذا القطاع يُعدّ استثمارًا مباشرًا في استقرار المجتمع وحماية ما تبقى من تماسكه.
 
وكما هو معروف، ففي أوقات الشدائد تُقاس الأفعال بحجم أثرها المباشر، لكن المواقف تُقاس بمدى ثباتها واستمراريتها وصدق منطلقاتها. وهنا تتجلى الإمارات، قيادةً وحكومةً وشعبًا، في صورة الشقيق الذي لم يتعامل مع اليمن بمنطق الصفقات القصيرة، ولا بحسابات الربح والخسارة الضيقة، بل انبثق موقفها من رؤية قومية وإنسانية ترى في اليمن جزءًا من أمن الجزيرة العربية واستقرارها وهويتها العميقة. فمنذ اللحظة الأولى لانفجار الأزمة، لم تغب الإمارات عن ميادين الإغاثة والعمل الإنساني، ولا عن الجهود السياسية والعسكرية، واقفةً إلى جانب القوى الشرعية اليمنية الساعية لاستعادة الدولة في مواجهة ميليشيات الحوثي والمشروع الإيراني الذي يحاول تحويل اليمن إلى منصة ضغط وورقة ابتزاز إقليمية.
 
ولم يكن هذا الحضور طارئًا على سياق العلاقة بين البلدين، بل امتدادًا طبيعيًا لمسار تاريخي يربط بين الإمارات واليمن على مستوى الجغرافيا والإنسان والذاكرة المشتركة. فالعلاقة بين الشعبين ليست مجرد تقاطع مصالح في لحظة سياسية عابرة، بل امتداد لجذور واحدة تعود إلى حضارات سبأ وحِمير ومعين، ومنها انطلقت هجرات أسهمت في تشكيل نسيج الجزيرة والخليج، ما جعل الحضور الإماراتي في اليمن حضور الأخ في بيت أخيه لا حضور الغريب في ساحة الآخرين.
 
وعند استحضار هذا المسار، لا يمكن إغفال بصمات القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي رأى في اليمن عمقًا طبيعيًا للهوية العربية ومجالًا أصيلًا للعطاء الإنساني. فقد سجل اسمه في ذاكرة اليمنيين من خلال مشاريع تنموية وتاريخية، في مقدمتها إسهامه الكبير في إعادة إحياء سد مأرب؛ ذلك المعلم الحضاري الذي لم يكن مجرد مشروعٍ هندسي لاحتجاز المياه وتوليد الطاقة، بل رسالة وفاء لأرض سبأ، وترجمة عملية لفكرة أن التاريخ لا يُستحضر بالخطابات فقط، بل يُستأنف بالبناء والعمل.
 
وفي المقابل، يعبر هذا الدعم الإماراتي، بمضمونه المالي وبرنامجه التنفيذي، عن معركة من نوع آخر؛ معركة وعي وبناء في مواجهة منطق الهدم والتفكيك. فالمواجهة مع الحوثي لا تُحسم بالسلاح وحده، بل بإعادة إعمار الثقة في نفوس اليمنيين، وإحياء إيمانهم بقدرة دولتهم على النهوض من جديد، وقيادة مشروع حقيقي لتطبيع الحياة متى ما وجد إلى جانبه أشقاء صادقون يدركون أهمية موقعه الجغرافي ودوره في أمن المنطقة. فاليمن، المطل على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، ليس هامشًا جغرافيًا يمكن تركه للفوضى، بل عنصرٌ رئيس في معادلة استقرار البحر الأحمر وباب المندب والخليج العربي، والمنطقة بأسرها.
 
وهكذا تبقى الإمارات، في كتاب اليمن الحديث، صفحةً مضيئة في زمنٍ كثر فيه المتاجرون بآلام الشعوب وقلّ فيه من يترجم الأقوال إلى أفعال. فقد اختارت أن تكون في صف الأمة لا فوقها، ومع الإنسان لا ضده، ومع البناء لا الخراب، ومع نور الكهرباء الذي يعيد للبيوت دفئها وللمدارس والجامعات حيويتها، لا مع صوت المقذوفات التي لا تخلّف سوى الدمار. وفي ذاكرة اليمنيين سيظل هذا الموقف محفورًا، تمامًا كما بقيت حجارة سد مأرب شاهدة على أن الأفعال العظيمة هي التي تصمد في مواجهة الزمن، وتمنح التاريخ معناه الإنساني الأعمق