"صنعاء الجديدة".. استراتيجية حوثية لتفكيك الحزام القبلي حول العاصمة المختطفة

  • الساحل الغربي - خاص
  • 12:50 2024/07/03

من جديد، تعود التوترات في العاصمة المختطفة صنعاء، بين ميليشيا الحوثي، والقبائل المحيطة بالعاصمة؛ ففي الشهرين الماضيين، دعت قبائل همدان أبناءها للاحتشاد في نكفٍ قبلي مسلح، من أجل تدارس المساعي الحوثية لتقسيم مديرية (همدان) الواقعة شمالي صنعاء، وتأكيدًا على رفضهم للمخطط الحوثي، الرامي لتفكيك روابط القبيلة وتشتيت الساكنين في المنطقة، كما يقولون.
 
ومن هذا المنطلق، سعى "الساحل الغربي" للبحث والتقصي حول المشكلة، واستطلاع الآراء القبلية، والغوص في تكتيكات ميليشيا الحوثي، التي تهدف لإحداث تغيير ديمغرافي، وتشكيل ما أسموه "صنعاء الجديدة"، وفهم العلاقة المعقدة بين الحوثيين كجماعة عقائدية طائفية، والقبائل التي تعد مكونًا أساسيًا في البنية الاجتماعية للبلاد.
 
تقسيم جديد
مصادر قبلية في صنعاء، تقول إن ميليشيا الحوثي شرعت مطلع مايو2024، بتنفيذ مخططات مرسومة وتكتيكات متقدمة لتفكيك الحزام القبلي المحيط بصنعاء.
 
وأضافت بأن الحوثيين ابتكروا تقسيمًا جديدًا لمديريتي (همدان، وبني مطر)، تحت مسمى تشكيل "صنعاء الجديدة" كجزء من خطة تغير ديمغرافي يستهدف إضعاف القبائل وتغيير خارطة ولائها، والسطو على أراضيها ذات المصادر الإيرادية والمنشآت الحيوية في مجال المياه والصناعة وكسارة الأحجار.
 
وأوضحت المصادر بأن ميليشيا الحوثي تعمل على انتزاع أهم بلدات مديرية همدان، ممثلة بحي "شملان" الذي يمتاز بالحيوية وما يجاوره من مناطق جرى إلحاقها بمديرية "معين"، وضم أراضي بلدة "العرة" لمديرية بني الحارث، واستقطاع أجزاء واسعة من عزلة "مخلاف دايان" التابعة لمديرية "بني مطر" لصالح مديرية سنحان.
 
وأكدت لـ "الساحل الغربي"، أن قبائل مديرية همدان، ما زالوا رافضين فكرة التقسيم، وأن العديد من المشايخ في المنطقة كثفوا لقاءاتهم الأسبوعية، لمعرفة المستجدات حول مسلسل التقسيم الحوثي، مشيرين إلى أنهم لم يتخلو عن رفضهم لمخطط التقسيم.
 
تأتي هذه التغييرات، ضمن مخطط تابع لميليشيا الحوثي الإرهابية، ممثلة بتوجيهات القيادي عبدالباسط الهادي، منتحل صفة محافظ صنعاء، وبمساعدة القيادي حمود عُباد، المُعين من قبل الحوثيين أمينًا لمحافظة صنعاء، وقيادات أخرى حوثية، تهدف إلى توسيع حدود العاصمة صنعاء، على حساب المديريات المحيطة.
 
 
 
رفض قبلي
 
تعمل ميليشيا الحوثي على توسعة النطاق الجغرافي لمديريات أمانة العاصمة، على حساب مديريات عدة مُحيطة، وتشمل مديريتي بني حشيش وأرحب من الشمال، ومديرية بلاد الروس من الجنوب، وفي الشرق مديريتي خولان وبني ضبيان، أما من الغرب فتوجد مديرية بني مطر ومديريتي الحيمتين «الداخلية والخارجية» ومديرية سنحان وبني بهلول، ومن الناحية الشمالية الغربية توجد مديرية همدان، -تعد ثاني أكبر مديريات محافظة صنعاء سكانًا بعد مديرية سنحان وبني بهلول- وتقع مديرية نهم شمال شرق صنعاء.
 
وبحسب المعلومات، تعيش قبائل رئيسية في المديريات المحيطة بصنعاء، هي "قبائل بكيل"، وتعد أكبر القبائل اليمنية عددًا، و"قبائل حاشد" تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري كبيرين منذ ستينات القرن الماضي أي (منذ سقوط حكم الإمامة وإعلان النظام الجمهوري في شمال اليمن عام 1962).
 
هذه القبائل تتكون من عدة فروع قبلية، وتشمل قبائل "بكيل" (قبائل خولان الطيال، التي تسمى بالقبائل السبع، وهي قبيلة «بني سحام، بني شداد، بني ضبيان، بني جبر، بني بهلول، اليمانيتين العليا والسفلى» جميعها تسكن في مديرية خولان.
 
فيما تتضمن "بكيل" قبائل بني حشيش القاطنة في مديرية "بني حشيش"،  وقبائل بني الحارث، تسكن مديرية بني الحارث، وقبائل حراز، التي تتواجد في منطقة "حراز"، الجنوب الغربي من صنعاء، إلى جانب قبائل بني مطر، تقطن مديرية "بني مطر"، وكذلك قبائل الحيمتين الداخلية والخارجية اللتان تتخذا مديرية الحيمتين مقرًا لها، بالإضافة إلى قبائل أرحب تتواجد في مديرية "أرحب" وقبائل همدان تقطن مديرية همدان.
 
أما من قبائل "حاشد"، توجد قبيلة سنحان، تسكن مديرية "سنحان" جنوب العاصمة صنعاء، فيما باقي القبائل المنتمية لحاشد وهي «قبيلة بني صريم، وقبائل خارف والعصيمات وعذر، وتحت هذه القبائل تتفرع عدة قبائل» جعلت من محافظة عمران معقلًا تاريخيًا لها.. علمًا أن محافظة عمران تقع بالجهة الشمالية من محافظة صنعاء، وتبعد عنها مسافة (50 كم) تقريباً.
 
إلى ذلك، تقف هذه القبائل المحيطة بصنعاء، بوجه ميليشيا الحوثي الإرهابية، وترفض مخطط التقسيم مهددة بالتصعيد ضد الجماعة، في حين تستغل الأخيرة حالة اللا دولة في قمع وإرهاب الأصوات المعارضة للسياسة الحوثية التدميرية، ورغم ذلك، تأكيدات قبلية أشارت إلى استمرارهم بالتمسك القوي بقرار عدم الشرذمة والتقسيم لأراضي وممتلكات القبائل.
 
 
النهب بالقوة
 
في الثلاثين من مايو2024، منعت ميليشيا الحوثي قبائل بني مطر، من التظاهر والإعتصام في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، ولجأت الأخيرة للتجمهر في حدودها القبيلة رفضًا للتقسيم ونهب أراضيها في إطار المخطط الحوثي الرامي إلى التغيير الديموغرافي.
 
لكن وسائل إعلام يمنية أفادت بأن رجال قبائل بني مطر أكدوا رفضهم لتقسيم القبيلة ونهب أراضيها خصوصًا أراضي منطقة "الجعادب"، مشيرين إلى أن المخططات الحوثية تأتي تحت مسميات: الميناء البري، والخط الإقليمي، والجزر الخضراء، المنطقة الخضراء، الأحزمة الفاصلة، الأراضي المضللة، الأراضي المحجوزة، الأراضي المخصصة، الشوارع المزدوجة، الجولات المنفرجة.
 
وذكرت تقارير أن ميليشيا الحوثيين صادروا 757375 لبنة حر من أراضي أبناء الجعادب الزراعية وممتلكاتهم الخاصة، وما زالت تتطلع لنهب 70% من الأراضي تحت إسم الأوقاف وأموال الدولة. وأوضحت أن المخطط الحوثي بدأ من مديرية همدان ومديرية سنحان وبني بهلول وبني حشيش وأرحب.
 
ميليشيا الحوثي تُبرر استحداث "صنعاء الجديدة" بأنه عمل إداري نظرًا للتوسع العمراني والكثافة السكانية، كما تزعم قيادات تابعة للحوثيين أن الهدف من تشكيل صنعاء الجديدة، وضم أجزاء واسعة إداريًا لمديرية أمانة العاصمة على حساب مديريات أخرى، يتمثل بتوفير إيرادات أكثر، وتسخيرها لصالح المشروع الحوثي الإيراني، وأعمالها الإرهابية في اليمن وكذلك البحر الأحمر.
 
وفي هذا السياق، تحدث مصدر حقوقي لـ "الساحل الغربي" بأن ميليشيا الحوثي لم تعترف بحقوق المواطن، ولن تعترف بأنها أخطأت، وتحاول عادة التبرير والمغالطات عندما تخرج المشكلة إلى الرأي العام، مؤكدًا أن الحوثيين يرفضون الاعتراف بوجود توترات قبلية معهم في بعض مديريات صنعاء، فيما تبدو حالة احتقان غير مسبوقة وسط القبائل اليمنية.
 
الصراع مع القبائل
 
من الصعب أن تتقبل قبائل طوق صنعاء مخطط التقسيم، الذي يستهدف بدرجة أساسية مصالحها وما تملكه من أراضي ومساحات زراعية، وغيرها من الممتلكات والمشاريع الخاصة، خاصة أن القبائل تحمل إرثًا تاريخيًا في الاعتماد على أعراف القبيلة، وتنظيم النزاعات وتحقيق العدالة، كما هو معروف عن القبائل اليمنية بالتمسك بما هو لها، والتزام حدودها، إلى جانب الانتصار للمظلوم والتصدي للمعتدي، والوقوف وقفة رجل واحد ضد من يحاول خلخلة تماسك ووحدة القبيلة.
 
يعتقد باحثون تحدثوا للساحل الغربي، بأن مخطط الحوثي بضم أجزاء من مديريات تتواجد فيها القبائل إلى صنعاء، هدفه إحداث تغييرات داخل الهرم القبلي، وإضعاف تماسك البناء الاجتماعي للقبائل، مستندين في ذلك إلى ما يصفونها إنهاكات حوثية طالت شيوخاً وشخصيات قبلية خلال السنوات المنصرمة لفرض المزيد من السيطرة على الحزام القبلي المحيط بالعاصمة صنعاء.
 
فيما أوضحوا أنه من الصعب تفكيك القبيلة، نظرًا لأنها كيان اجتماعي، والأواصر القبيلة تبقى متماسكة مهما لحق بها من أضرار، فالحوثيون يسعون لإحكام السيطرة على القبائل ومعرفة من يوالي منها فكرهم والأخرى التي تعارضهم.
 
ويرى سياسيون أن الحوثي يسعى لإحكام السيطرة على مناطق طوق صنعاء أمنيا بحيث لا يحدث أي اختراق أمني لحكم الجماعة الحوثية، وإخماد أي تمرد قبلي قبل أن يظهر، لأن هذه التقسيمات تتيح للجماعة الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في هذه المناطق القبلية ذات الأهمية الاستراتيجية.
 
يُظهر هذا التقسيم مدى هشاشة الميليشيا، وعدم اعتمادها على الحاضنة الشعبية؛ لأنها منبوذة وغير مرحب بها، حتى وإن وجدت بعض القبائل التي تدين بالولاء للمذهب الزيدي، لكنها ترفض الفكر الحوثي وتصرفات ميليشياته وسياستها القمعية.
 
وعن مستقبل هذه التوترات، وما إذا كانت ستقود لصراع قبلي حوثي، توقع باحثون في الشأن اليمني وتاريخ القبيلة اليمنية، بأن التحركات القبلية تربك الجماعة الحوثية، وتجعلها تعيش في حالة ذعر وخوف من أي تمرد مسلح، ومحاولة الحوثي تعيين مشرفين امنيين من مناطق صعدة على قبائل صنعاء يزيد من حالة الاحتقان ويغذي الثأرات في المستقبل.
 
ورجح مراقبون أن القبائل المحيطة بصنعاء، لديها القدرة على هزيمة ميليشيا الحوثي، في حال تحركت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وسارعت لدعم وتسليح هذه القبائل، ففي هذه الحالة ستفتح القبائل مناطقها للقوات الحكومية، وقتها لن تدوم استراتيجية ميليشيا الحوثي للاستمرار في الحكم من خلال خيارات القبضة الأمنية.

ذات صلة