السوريون.. من لم يمت بالحرب السورية مات جوعًا في اليمن

  • تعز، الساحل الغربي، خاص:
  • 08:42 2024/01/24

"يا هارب من الموت، يا ملاقيه" بهذه المفردات البسيطة، تلخص السورية أم خالد، معاناة 11 عامًا من اللجوء في اليمن، مختزلة بذلك مأساة عشرات السوريين، الذين وجدوا حياتهم بين الفقر، والجوع، والبحث الدائم عن الطعام؛ مشيرة إلى أنهم يعيشون ظروفًا صعبة، وفي صراع مستمر، ومعاناة غير منتهية، كما تقول.
 
تسير هذه الأم، في عامها الأربعين، لكن ملامحها المتعبة تبدو كما لو أنها تعاني من كارثتي التشرد والفقر، والإنهاك واضح على جسدها، ورغم ذلك، ما زالت تكافح وتسعى لتأمين احتياجات الأسرة اليومية؛ وفوق هذا، لديها زوج اعتاد العيش في انتظار ما تعود به يوميًا هي وأطفالها.
 
"سأخرج لبيع العطر في الشارع" عبارة تقولها هذه المرأة، قبيل مغادرتها المنزل، دكان صغير بالإيجار، تعيش فيه هي وزوجها وثلاثة أطفال. صباح كل يوم، تقطع الأم مسافة مشيًا على الأقدام، بدءًا من الحي الذي تسكنه، متجهة نحو شوارع وسط مدينة تعز، حيث زخم تواجد الناس.
 
تتنقل بين الشوارع والأسواق حاملة أنواعاً مختلفة من العطور والخلطات السورية -حد تسميتها- تعرضها على المارة والمتجولين، كما لا تتردد عن التسويق لمنتجاتها المحلية، وعرضها على مالكي المحلات، والمراكز التجارية، مرورًا بالصيدليات ومحلات الصرافة.. كل ذلك، من أجل الحصول على مردود مالي يمكنها من سد رمق الأسرة، وبقائهم على قيد الحياة.
بنبرة حزينة، تتحدث أم خالد لـ"الساحل الغربي": "يوميًا، أغادر المنزل في الصباح، أبيع العطورات في شوارع المدينة. أما زوجي، يبقى داخل المنزل، ينتظر عودتي في المساء، أحمل لهم الطعام، وغيره من الاحتياجات اليومية".
 
وتضيف قائلة بأسف: "يرفض زوجي الخروج والبحث عن العمل، أو حتى بيع العطورات التي نصنعها معًا في البيت.. يتعذر بأنه لا يجيد مهنة البيع، وأنه غير صبور، وهذا ما يجعلني أتكفل ببيع العطر، وتوفير إيجار المنزل، ومتطلبات الأطفال".
 
وفي حديثها تشير المرأة إلى أن زوجها بات كسولًا، خاصة بعدما أصبح مدمنًا لتناول شجرة القات، التي اعتاد اليمنيون تناولها بشكل يومي، والتي تكلف الأسرة أعباء مضاعفة.. "زوجي يتناول القات يوميًا، لقد تأثر بالمجتمع اليمني، بصورة واضحة، ورغم ذلك يرفض الخروج إلى العمل".
 
لماذا اليمن
 
وأنت تمر في شارع جمال عبدالناصر، وسط المدينة، ستجد الطفل راشد، سوري الجنسية، يبلغ من العمر 12 عامًا، بجوار والدته، التي تتخذ من بوابة أحد البنوك، مكانًا مناسبًا تفترشها هي وصغيرها، وأمامهم حزمة من العطورات المتنوعة، وهذه الصورة كفيلة، بأن تخبرك الكثير عن حال أسرة عاشت مسلسلًا طويلًا من المعاناة والتشرد والضياع.
 
في منتصف 2012، غادرت أم راشد، وزوجها وطفلها الذي كان عمره سنتين، ونصف مدينة حلب السورية، هروبًا من الحرب، التي دارت هناك، حيث اتجه أفراد الأسرة إلى لبنان، ثم إلى القاهرة ليستقروا بعد ذلك في اليمن، العاصمة صنعاء، ثم أجبرتهم حرب الحوثيين على النزوح إلى عدن، ثم تعز.
 
تؤكد الأم، أن الأسرة اختارت اليمن منذ البداية لتكون بلد لجوئهم، تبعًا لجملة من الأسباب، أبرزها أن دولة اليمن، لا ترفض السوريين، كما لا تشترط عليهم وجود الإقامة (الفيزا)، بالإضافة إلى حجم التقارب بين الشعبين، ومدى تقبل أحدهم الآخر.
 
وتفيد: "الحياة في اليمن، كانت رخيصة، وهذا واحد من الأسباب التي دفعتنا لطلب اللجوء، أيضًا زوجي كان له العديد من الأصدقاء اليمنيين، والذين سهلوا لنا الدخول، والإقامة في هذا البلد".
 
صعوبة البقاء
 
يبدو أن اللاجئين السوريين في اليمن، يواجهون أوضاعًا إنسانية واقتصادية صعبة، خصوصًا أن عشرات الفارين من بلادهم، وجدوا أنفسهم على مفترق طريقين، الأولى تقودهم إلى حرب مفتوحة النهايات، فيما الأخرى مسدودة أمامهم، تزيد من ضيق ظروف المعيشة، وتكثر المآسي والأحزان، فمن لم يمت بالحرب السورية، يموت جوعًا في المنفى، حد وصفهم.
 
ولأن اليمن يشهد حربًا منذ مارس/ آذار 2015، بين جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، وقوات الحكومة الشرعية من جهة أخرى، فإن العديد من هؤلاء السوريين العالقين يعيشون حالة فقر وجوع، وسط غياب كامل لخدمات المنظمات الدولية الخاصة بمساعدة اللاجئين، الأمر الذي يجعل معاناة هذه الفئة مركبة.
 
وحسب شهادات الكثير من السوريين، فإن أوضاع المعيشة في اليمن، باتت أكثر تعقيدًا من السابق -سنوات قبل انقلاب الحوثيين- مؤكدين أن الحرب رمت بالعديد منهم إلى رصيف البطالة، كما قللت فرص العمل، وضاعفت أسعار المواد الغذائية، وهذا ما يفسر عدم قدرة الأسر الوافدة على تغطية تكاليفها اليومية.
 
إلى جانب ذلك، يفتقر السوريون وصول الخدمات الأساسية، مثل السكن والتعليم والرعاية الصحية، والعمل، وغالبًا يضطر هؤلاء إلى العيش في مخيمات اللاجئين، أو في منازل بسيطة، كما تواجه هذه الشريحة عدداً من التحديات، تشمل صعوبة العثور على عمل، أو الحصول على الموارد، فضلًا أن البعض يتعرضون أحيانا للتمييز من قبل السكان المحليين، وهذا يجعل فكرة الاندماج بالمجتمع اليمني صعبة.
 
ومن أجل مواجهة هذه التحديات، فإن السوريين بحاجة إلى دعم دولي، من أجل تحسين ظروفهم المعيشية، وتوفير التعليم، والرعاية الصحية، وبناء المساكن، وتوفير المأوى، والحماية من العنف والاضطهاد، والسعي نحو الاندماج بالمجتمع المحلي.
 
وتشير تقارير إلى أن عدد اللاجئين السوريين باليمن، يصل إلى ما يقارب 4005 لاجئين، حسب قوائم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن، وذلك حتى نهاية العام 2020.

ذات صلة