الحوار (السعودي - الإيراني) بين نتائج فيينا وعقدة اليمن

12:53 2022/02/10

تعوق الأزمة اليمنية التوصل إلى تفاهم واضح حول مستقبل العلاقة بين الرياض وطهران
 
الاهتمام الدولي والإقليمي بما يجري من تفاوض في فيينا بين إيران والمجموعة الدولية (4+1) والولايات المتحدة الأميركية، لإعادة إحياء الاتفاق النووي وتطوير بنوده أو مضامينه وتوسيع تأثيراته، لا يوازيه سوى الاهتمام بأي مؤشر قد يصدر أو يظهر على خط الحوار الثنائي بين السعودية وإيران.
 
إذا ما كان التركيز والاهتمام بالمفاوضات النووية لجهة أنها تشكّل المدخل لمعالجة مصادر القلق الدولي والإقليمي من الطموحات النووية لإيران، وما يمكن أن ينتج منها من تداعيات سياسية وأمنية وعسكرية وخلط لموازين القوى والمعادلات الاستراتيجية، فإن المسار التفاوضي أو الحواري بين طهران والرياض قد يكون محط اهتمام بالمستوى نفسه، أو متسقاً مع الاهتمام النووي، لجهة التداعيات والتأثيرات التي تطاول الأزمات الإقليمية برمتها، بداية من اليمن، ومروراً بالعراق وسوريا، فوصولاً إلى لبنان.
 
بين التريث السعودي والاندفاع الإيراني
 
ولا شك في أن الطرفين السعودي والإيراني يدركان أهمية الحوار الثنائي بينهما، وما يمكن أن يخرج به من نتائج تنعكس على جميع الملفات والأزمات الإقليمية، التي تشكّل مساحة اختلاف وصراع وتنافس بين الطرفين. ومن هنا، يمكن فهم المسعى الإيراني إلى إقناع الجانب السعودي بتحويل بعض التفاهمات الشفهية إلى خطوات عملية وعملانية، بعيداً مما يجري في فيينا، وما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات النووية. أي محاولة الفصل بين المسار النووي ومسار الحوار الإقليمي.
 
التريث السعودي في الاستجابة إلى الرغبة الإيرانية بإعادة فتح السفارات والقنصليات الإيرانية في جدة والسعودية في مشهد لا يعني عدم رغبة سعودية في تطبيع العلاقات والمُضي قدماً بالحوار القائم، والوصول به إلى نتائجه النهائية، لأن الاختلاف حول تنفيذ هذه الخطوة، وهل تأتي في التوقيت السعودي أم الإيراني، يؤكد ويكشف حقيقة أن توافقاً قد حصل بين الطرفين حول مبدأ إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما في جلسات الحوار التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد، مع الإبقاء على زمن التنفيذ مفتوحاً من دون تحديد تاريخ له، بانتظار النتائج النهائية لهذه المفاوضات، فضلاً عما يمكن أن تخرج به مفاوضات فيينا النووية من حقائق قد تعيد إنتاج مرحلة العام 2015، أو تؤسس لمرحلة جديدة بناءً على معطيات مختلفة.
 
وبانتظار ما قد يخرج عن مفاوضات فيينا ودورها في دفع الحوار الثنائي بين الطرفين إلى الأمام أو لجمه، فإنّ عاملاً آخر قد يكون دخيلاً في تعزيز التريث السعودي، وأيضاً في كبح الرغبة أو الاندفاعة الإيرانية لتطوير هذا المسار وتنقله إلى مرحل أكثر تقدماً وإيجابية. إذ إن أزمة السلطة أو الحكم في العراق قد تؤدي إلى تأجيل عقد الجولة العراقية الخامسة من الحوار.
 
أزمة السلطة في العراق
 
وهو ما يعني أن جولة التفاوض الجديدة قد تبقى معلقة، بانتظار اتضاح صورة الصراع بين القوى العراقية حول استحقاقات الانتخابات البرلمانية، بخاصة أزمة التحالفات التي عادت إلى نقطة البداية، نتيجة لتطيير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، التي من المفترض أن تحدد الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة الجديدة.
 
أي أنه في إزاء التريث السعودي، يبدو أن في الأفق تريثاً إيرانياً مرتبطاً بالأزمة العراقية، وأن الرغبة الإيرانية بأن لا يستضيف العراق هذه الجولة في ظل حكومة تصريف أعمال، وهو تريث لا يتعارض مع ما سبق لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن أكده أكثر من مرة بتمسّك بلاده بعقدها في بغداد. ثم عاد وأكده سفير إيران في العراق الجنرال إيرج مسجدي، بأن كل المقدمات المطلوبة لعقد الجولة الجديد قد توافرت بانتظار تحديد الموعد لها.
 
 
ما يكشف أن الاهتمام الإيراني بهذا الحوار والرهان على نتائجه وانعكاساته على الإقليم لا تقتصر على الإدارة الرسمية أو الدبلوماسية الإيرانية، بل بات مطلباً مُلحاً للمؤسسة العسكرية، التي يمثلها "مسجدي"، ويحتضن توجهاتها عبد اللهيان، وأن طهران من خلال تأكيد إجرائها في بغداد تسعى لتوجيه رسالة إلى كل المعنيين بهذه الساحة بأن المرحلة المقبلة ستشهد تغييراً في تعاملها مع الساحة العراقية، من خلال تغليب التعامل والتعاطي الدبلوماسي، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات الرسمية في البلدين، على المسار السابق الذي غلب عليه الطابع الأمني والعسكري، وحصر قنوات التواصل من خلال قيادات قوة القدس التابعة لحرس الثورة، التي عملت على توظيف الجهد الدبلوماسي لتعزيز دورها ونفوذها داخل الحياة السياسية العراقية، ومنها باتجاه المنطقة.
 
كيف نفهم منح الرياض 3 دبلوماسيين إيرانيين تأشيرة دخول؟
 
وعليه، لا يمكن التعامل مع مسألة منح الرياض ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين تأشيرة دخول إلى الأراضي السعودية للالتحاق بمركز عملهم في ممثلية إيران في منظمة التعاون الإسلامي (OIC) في مدينة جدة، دليلاً على عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، بل مؤشراً إلى تراجع حدة التوتر بينهما ووجود نيات جدية لبدء مسار إيجابي في هذه العلاقة، لكنها تبقى محكومة بالمحددات التي وضعتها الرياض لا طهران.
 
طهران التي تنظر إلى هذه الخطوة السعودية كدليل على حدوث انفتاح في العلاقة بين البلدين بعد ست سنوات من القطيعة الدبلوماسية التامة، وأول مؤشر عملي، على الرغم من رمزيته، إلى إعادة تطبيع تدريجي لهذه العلاقة، وسيكون لها انعكاس على النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، لم تنجح في تسويق هذه الخطوة، وتحويلها إلى حقيقة جديدة على طريق تطبيع العلاقات التام، لأن النظرة الإيرانية والرغبة في تعميمها لتشمل كل العلاقات الإقليمية بشكل حقيقي وعملي، لا تعكس نظرة سعودية مشابهة أو موازية، بل تحصرها في إطار تسهيل عمل ممثلية إيران في المنظمة الإسلامية، أي أن الوصول إلى هذا الهدف يجب أن يمر عبر الشروط السعودية التي تربط أي تقدم على مستوى العلاقات الثنائية مع طهران، بالتقدم الحاصل في مفاوضات فيينا، وهو الشرط الذي حاولت إيران الابتعاد منه، أو إبعاده من الحوار الثنائي الذي انطلق بين البلدين بالتزامن مع عودة مفاوضات فيينا.
 
ايمكن القول إن الأزمة اليمنية تشكّل العامل الأبرز، الذي يعوق التقدم في الحوار بين الرياض وطهران، والتوصل إلى تفاهم واضح حول مستقبل هذه العلاقة، وتأثيراتها في المنطقة والإقليم، فالرياض تريد من طهران ممارسة ضغوطها على الحوثيين للجلوس إلى طاولة التفاوض، ووقف عملياتهم العسكرية، والتقدم في هذا المسار يشكّل عاملاً مهماً وبارزاً في رسم مستقبل العلاقة.
 
وفي المقابل، فإن طهران وعلى الرغم من وعودها تقديم المساعدة في تسهيل عملية الحل في اليمن، وبذل جهودها لإقناع الجانب الحوثي بالجلوس إلى طاولة التفاوض، فإنها تبدو حذرة من تداعيات أي ضغوط قد تمارسها على جماعة الحوثيين، أو تقديم وعود والتزامات، نيابة عنهم بتسهيل عملية التفاوض، والانتقال إلى محادثات الحل السلمي قد يجعلها أو يضعها في خانة المتهم المباشر عن هذه الحرب، بعد أن كانت متهمة بالدعم والتوظيف، بخاصة أن الحوثي ما زال متمسكاً بالسقف العالي، الذي وضعه برفض التفاوض مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.
 

* اندبندنت عربية