الميليشيات تتحول إلى عبء على إيران
04:43 2021/12/26
لطالما هدّد الدعم الإيراني للميليشيات العربية منتقدي إيران غير القادرين على تطوير استراتيجية مضادة وفعّالة. من المحتمل أن يكون المد الآن قد تحوّل
وتشير سلسلة من الأحداث إلى أن أهمية بعض الميليشيات -على الأقل في لبنان واليمن والعراق وفلسطين- تتراجع وشعبيتها تتضاءل، كما تواجه علاقاتها بإيران رياحا معاكسة.
ويبدو أن حظوظ الميليشيات المتغيرة ونفوذ إيران المنخفض يتحديان المفاهيم الاستراتيجية والدفاعية الأساسية التي تبنتها الجمهورية الإسلامية منذ الثورة التي قادها رجال الدين والتي أطاحت بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة في 1979.
وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط جويدو شتاينبرغ إن “الصورة العامة هي أن توسّع إيران بلغ ذروته في 2018 ودخل منذ ذلك الحين مرحلة جديدة، لم تتعرض فيها طهران لأي انتكاسات عسكرية استراتيجية لكنها اصطدمت بجدار. أكبر مشكلة أساسية لإيران هي أن أغلب حلفائها في الكثير من الأحيان ينجحون في المواجهات المسلحة. وهم غير قادرين على ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي لاحقا”.
أضف إلى ذلك، بعد ما يقارب ثلاثة وأربعين عاما، أن إيران هي ثورة ليس من المستغرب أن تخرج عن مسارها. وقد فقدت إيران -إلى جانب الفساد المستشري وسوء الإدارة الاقتصادية- جاذبيتها الثورية الإسلامية الأولية للشيعة والسنة على حد سواء. وبدلا من ذلك ينظر إليها المسلمون السنة اليوم على أنها قوة قومية شيعية وإيرانية.
وللتوضيح فإن إيران ليست على وشك التخلص من حلفائها العرب من غير الدول. إنهم يظلون قوة عسكرية قوية للغاية -بحيث لا يمكن هزْمُها- ونفوذا قيِّما للقوة الإقليمية الإيرانية في لبنان والعراق حتى لو تجاوزوا ذروة صلاحياتهم.
كما يمكن لجماعات -مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس في قطاع غزة- أن تجبر إسرائيل على القتال على جبهتين إن لم تكن ثلاث جبهات إذا ضربت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية.
وبذلك فإن استراتيجية بناء خط دفاع خارجي في الدول العربية التي يسكنها ممثلون محليون قد آتت أكلها بشكل جيد. وأصبح حزب الله أقوى قوة سياسية وعسكرية في لبنان، ولاعبا في الحرب الأهلية السورية، ونموذجا للميليشيات في أماكن أخرى.
وتحكم حركة حماس قطاع غزة الفقير منذ 2007 في حين أعاق الحوثيون آلة الحرب السعودية، إن لم يكن لجميع الأغراض العملية فقد هزموا المملكة في حرب مدمرة استمرت سبع سنوات تقريبا. وتبقى الميليشيات العراقية قوة في حد ذاتها. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الميليشيات -مثل حزب الله والجماعات المدعومة من إيران في العراق- أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بالأنظمة الفاسدة التي ردت بعنف على الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بتغيير شامل.
وحمل المتظاهرون الميليشيات ذات الغالبية الشيعية مسؤولية الترويج لهوية طائفية بدلا من هوية وطنية تتجاوز الدين والعرق.
ومُني تحالف الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران بخسارة كبرى في الانتخابات العراقية التي جرت في أكتوبر الماضي. وشهد ائتلاف الفتح -الذي كان ثاني أكبر كتلة في البرلمان سابقا- تراجعا في عدد مقاعده.
كما أن ادّعاء حماس في فلسطين والحوثيين في اليمن أن التدخل الأجنبي والحصار والحروب تمنعهم من إيصال السلع والخدمات العامة بدأ يفقد مصداقيته.
لقد فشلت الحرب التي استمرت 11 يوما في مايو الماضي مع إسرائيل -بالمقارنة مع الحروب العسكرية السابقة- في التأثير على شعبية حماس التي أضعفتها مزاعم الفساد والبطالة الجماعية.
كما ورد أن سفير إيران لدى الحوثيين في اليمن حسن إيرلو، المساعد المقرب من الجنرال قاسم سليماني (القائد القوي لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة مسيرة في بغداد العام الماضي)، توفي بسبب كوفيد – 19.
وألقى مسؤولون إيرانيون باللوم على السعودية بدعوى أنها رفضت السماح لطائرة إيرانية بنقل السفير من العاصمة اليمنية صنعاء مباشرة إلى طهران. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إن إيرلو “أجلي في حالة سيئة بسبب تأخر التعاون من دول معينة”.
وقصفت المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع مطار صنعاء بعد إجلاء إيرلو.
وقال مسؤولون حوثيون إن مرض إيرلو أتاح للمتمردين “فرصة” المطالبة برحيله. وقالوا إن المجموعة اشتكت إلى القيادة الإيرانية من فشله في التنسيق مع المتمردين في اجتماعاته مع زعماء القبائل والسياسيين.
وبالمثل واجه إسماعيل قاآني، خليفة سليماني في قيادة فيلق القدس، تراجعا عندما التقى في يوليو بالميليشيات الموالية للعراق في بغداد. وسعى قاآني للتأكد من أنهم سوف يمتنعون عن مهاجمة أهداف أميركية في الفترة التي سبقت استئناف المفاوضات النووية في فيينا.
وقال قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، في مقابلة تلفزيونية بعد أيام إن “هذا القرار هو قرار عراقي”.
وقال زعيم سياسي شيعي عراقي إن “إيران ليست بالقوة التي كانت عليها من قبل، مع سيطرة بنسبة 100 في المئة على قادة الميليشيات”.
وهذا إدراك لم يتجذر بعد في طهران، و يمكن أن تكون له -بمجرد حدوثه- عواقب بعيدة المدى على السياسات والمواقف الإيرانية. ومن المرجح أن يخلص تحليل التكلفة/الفائدة الذي أجرته إيران إلى أن فوائد دعم الميليشيات العربية من غير الدول تستمر في تجاوز التكلفة. والسؤال هو: إلى متى؟
* العرب