ملف (4) - الحوثية تأكل أولادها.. فرق الاغتيالات تحصد رؤوس القيادات

  • صنعاء، الساحل الغربي، خاص:
  • 07:28 2021/12/25

لم تتغير طبائع السلالة، في التخلص من المقربين، في إطار الصراع على السلطة والنفوذ، وبمراجعة تاريخ الأئمة في اليمن منذ ألف ومئتي عام، فإنه قائم على الاغتيالات والتصفيات بحجة الحق والأولوية في الحكم، فقد تخلص الإمام عبد الله بن حمزة من أبناء عمه، وكذلك فعل الإمام القاسم، وصولاً إلى الإمام يحيى حميد الدين وولده أحمد وتخلصهما من اخوتهما وأقاربهما للتفرد بالسلطة والحكم.
 
ومنذ أن تمكنت جماعة الحوثي من التفرد المطلق بالسلطة، بعد انقلابها على السلطة، دخلت الجماعة الإرهابية طور التصفيات البينية التي تصاعدت بشكل ملحوظ بعد غدرها بالرئيس صالح، إذ كثفت المليشيا من عملياتها السرية ونفذت التصفيات والاعتقالات والاغتيالات، التي أثارت الرعب في أوساط الكثير من منتسبي المليشيا الانقلابية، وسط انعدام الثقة بين قياداتها وظهور أجنحة متصارعة داخلها.
 
وتقوم الأجنحة المتصارعة داخل المليشيا بتصفية الحسابات فيما بينها، عبر عمليات التصفية للقيادات والشخصيات المعارضة أو الدفع بهم إلى الجبهات المشتعلة، من أجل الاستحواذ على النفوذ والأموال وعلى مؤسسات الدولة المختلفة.
 
ومنتصف أكتوبر 2021، دخلت الخلافات بين الأجنحة الحوثية منعطفاً خطيراً، لا سيما بعد تسريبات إعلامية كشفت عن سيطرة القيادي الحوثي أحمد حامد، مدير مكتب رئاسة المجلس السياسي للمليشيا، على كافة قرارات الجماعة وخصوصًا القرارات الصادرة من مكتب مهدي المشاط رئيس المجلس الانقلابي.
 
وخرجت الخلافات الحوثية إلى العلن، حيث بدأت قيادات حوثية موالية لمحمد علي الحوثي، بالهجوم المباشر على المدعو أحمد حامد، والكشف عن بعض من جوانب فساده، إضافة إلى كشفها عن المناطق التي يتحرك فيها، فيما يبدو أن هناك ترصداً من قبل الأجنحة لبعضها، واقتناص الفرصة السانحة للتصفية.
وكان محمد علي الحوثي تعرض في يناير 2019 لحادث سير كاد أن ينهي حياته، وسط مؤشرات حينها بوقوف مهدي المشاط وراء الحادث، في ظل صراع المال والنفوذ والسلطة بين قيادات المليشيا.
 
كما اغتيل رئيس الأمن الوقائي الحوثي ‎عزيز الجرادي، في إطار صراع حاد بينه والقيادي ‎عبد الحكيم الخيواني الذي انشأ فرقة اغتيالات خاصة بتصفية الخصوم ومن يناهض المليشيا، وهذه الفرقة تتبع جهاز الأمن الوقائي ويشرف عليها القيادي الحوثي عبدالكريم الحوثي وزير داخلية الانقلاب، وتكلف بمهمات السرقة والنهب والتصفية للخصوم وكل من يناهض المليشيا.
 
وتزايدت التصفيات الداخلية في صفوف مليشيا الحوثي مع بدء فرق الاغتيالات عملها، إذ تعرض القيادي الحوثي هشام شرف وزير خارجية المليشيا في نوفمبر 2021 لمحاولة اغتيال نجا منها بعد إطلاق النار عليه، وذلك بعد أسبوع من إعلان مليشيا الحوثي حالة الطوارئ القصوى من خلال عملية نشر قوات النجدة التي تتبع علي حسين الحوثي نجل مؤسس الجماعة الإرهابية.
 
 وكانت المليشيا الحوثية نشرت فرقاً من كتيبة الملثمين تحت اسم "قوات الضبط المروري بصنعاء" التي تتصل بجهاز الأمن القومي والوقائي للمليشيا والموكلة بعملية تنفيذ الاغتيالات، وتمت عملية الانتشار ضمن خطة الانتشار الأمني الشامل في كل مديريات العاصمة، لإحكام سيطرة القوات التي تتبع علي حسين الحوثي -المعين قائدا لقوات النجدة- خوفا من أي انقلاب عسكري عليهم وخاصة من الأجنحة الأخرى، وأوكل للقيادي الحوثي أحمد الهادي الذي ينتحل صفة مدير قوات النجدة تنفيذ عمليات الاقتحامات ضد الخصوم والمنافسين لجناح صعدة في العاصمة صنعاء.
 
تصفية القيادات 
 
بعد أيام قلائل من استشهاد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، عقب الانتفاضة الشعبية التي دعا إليها مطلع ديسمبر 2017 وقادها ضد الحوثيين، أجرت وحدة الاغتيالات بالمليشيا عملية تصفية بحق المدعو "علي الكحلاني" أحد المسؤولين المباشرين عن عملية قتل الزعيم صالح، ويوصف الكحلاني بأنه “الصندوق الأسود” الذي يحتفظ بتفاصيل كاملة حول عملية إعدام صالح، وقد عُثر على جثة الكحلاني بعد أربعة أيام من استشهاد صالح في عمارة سكنية وسط صنعاء، ولم تشفع له مشاركته في الغدر بأكبر عدو للحوثيين في ذلك الوقت.
 
وفيما تقول بعض المصادر، إن الكحلاني كان أحد مهاجمي منزل صالح قبل مقتله بوقت قصير، وأحد الذين ساهموا في تفجير المنزل، تؤكد مصادر أخرى أنه كان قائد المجموعة التي هاجمت منزل الرئيس السابق، وأنه كان على اطلاع على المراسلات والتوجيهات القادمة من قيادة الحوثيين في كل ما يتعلق بقضية مقتل صالح، ورجحت المصادر أن تكون تصفية الكحلاني من أجل منع الوصول إلى أية معلومات تتعلق بالمؤامرة التي تعرض لها صالح من قبل الحوثيين.
 
وليست تلك العملية هي الأولى -ولن تكون الأخيرة– حيث تعرضت قيادات كبيرة للتصفية خلال الأعوام الماضية على رأسهم إبراهيم الحوثي شقيق زعيم المليشيا وأحد قياداته التي كان يعتمد عليها كثيراً في العمليات العسكرية والمالية، كما قُتل أيضاً قيادي حوثي اسمه علي الشرفي، إثر انفجار طرد مفخخ أُرسل إلى بيته في صنعاء، وقد دفعت هذه النوعية من الاغتيالات الكثير من المراقبين إلى التأكيد بوجود صراع بين الأجنحة المختلفة داخل الحوثيين، وخلافات داخلية تعصف بالجماعة.
 
وخلال الأعوام الماضية انعكست حالة الصراع بين أجنحة حوثية على التعيينات التي أطاحت برئيس ما تسمى "اللجنة الثورية العليا" محمد علي الحوثي، بعد فترة وجيزة من توليه، بعد أن ظل الحديث يدور منذ 2014 عن دوره القوي من خلف الكواليس.
 
وعقب إعلان المليشيا عن وفاة وزير داخليتها السابق عبدالحكيم الماوري في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي لم تكشف أي تفاصيل عن طبيعة موته وطريقة نقله إلى لبنان، جاء تعيين عبدالكريم الحوثي الرجل القوي في الجماعة وعم زعيمها، وزيرا للداخلية في حكومة الانقلاب.
 
كان عبدالكريم الحوثي، قد خاض صراعا مبكرا لإحكام قبضته على مفاصل الملف الأمني في الجماعة الحوثية، الذي كان يتولاه الجناح الآخر، الذي يتزعمه أبوعلي الحاكم، وعبدالحكيم الخيواني نائب وزير داخلية الانقلاب، وطه المداني الذي لم يعلن الحوثيون عن مصرعه إلا بعد عام.
 
وطالت الاغتيالات الغامضة قيادات عسكرية ومدنية حوثية قتلوا برصاص مجهولين، ففي مطلع 2018 قتل الضابط الحوثي علي الغراسي، نائب الأمن المركزي، بطريقة غامضة. وقد عثر عليه مقتولًا بالرصاص داخل منزله غربي صنعاء، وفور العثور على جثته، وجهت الاتهامات إلى مسؤول الاستخبارات العسكرية في الجماعة “أبو علي الحاكم”، الذي أنشأ مجموعة من الفرق العسكرية الخاصة بهدف تنفيذ الاغتيالات، والتي كانت موجهة بالأساس تجاه تصفية الخصوم السياسيين الذين يعاديهم “الحاكم” داخل الجماعة، من أجل الظفر بمزيد من النفوذ.
 
 
وجاءت عملية اغتيال الغراسي، بعد يوم واحد من مقتل القيادي الحوثي محمد الغيلي، مشرف منطقة سعوان شرق صنعاء، برصاص مسلحين مجهولين أيضا، كما قُتل خلال تلك الفترة عدد من مشرفي الحوثيين في بعض حارات صنعاء في عمليات غامضة نسبت حينها إلى ما عرف بقناص صنعاء، إلا أن مصادر مختلفة رجحت أن تكون كل تلك العمليات الغامضة من تنفيذ وحدات الاغتيال، وأنها مرتبطة بعمليات تصفية الحسابات داخل صفوف الميليشيا الانقلابية.
 
وفي ذات العام 2018 لقي القيادي الحوثي صالح هاشم السراجي، الذي كان مشرفاً في محافظة الجوف، مصرعه على يد مسلحين مجهولين في العاصمة صنعاء.
 
وفي بوليو 2019 اقدم القيادي الحوثي مجاهد قشيرة، أحد أبناء قبيلة الغولة بمديرية ريدة محافظة عمران، على قتل 11 شخصا بينهم مدير الأمن السياسي في عمران والقيادي في جماعة الحوثي وأحد وجهاء قبيلة سفيان العميد محمد الشتوي، والقيادي أبو ماجد الجيش مدير أمن ريدة، ومشرف يدعى "القعود" من سفيان وثمانية آخرين، الأمر الذي تسبب بقيام جماعة الحوثي التابعين لمحافظة صعدة وقبيلة سفيان بتعزيز هجومهم على منزل القيادي مجاهد قشيرة بعد تحصنه داخله وتمكنوا من اقتحامه وقتل قشيرة والتمثيل بجثته.
 
 
وفي ذات العام 2019 أقدمت مليشيا الحوثي على تصفية مشرفها في جبهة الحديدة المدعو نجيب عبدالله هاشم المؤيد والمعروف بـ"نجيب الرازحي" مع 4 من مرافقيه لدى إشرافه على نشر مقاتلين جدد في خطوط النار بمدينة الحديدة.
 
وينحدر القيادي الحوثي نجيب المؤيد الذي تربطه علاقة قوية بزعيم الجماعة الإرهابية عبدالملك الحوثي، من مديرية رازح بمحافظة صعدة، ويعد أحد أبرز قيادات الصف الأول المدربة في إيران ولبنان، وشارك في حروب صعدة الست والانقلاب في صنعاء، كما شارك في اجتياح مدينة عدن قبل 6 أعوام، قبل أن ينتقل إلى جبهة الساحل الغربي.
 
وخلال الفترة الماضية عينته المليشيا مشرفاً على معسكر العمري وجبهة المخا ومعسكر أبوموسى الأشعري، وعقب الهزائم التي تلقتها المليشيا، عين مشرفاً لجبهة مدينة الحديدة وكان رجل الظل وراء الخروقات المتصاعدة، وجاءت تصفية القيادي الحوثي المؤيد عقب تنامي الخلاف بين قيادات في الصف الأول للمليشيا، والذي ألقى بظلاله على التخلص من قيادات عسكرية ميدانية لفرض نفوذها ضد بعضها.
 
تصفية أبناء القيادات
 
تصاعدت حدة الخلاف في صفوف قيادات جماعة الحوثيين بصورة غير مسبوقة خلال الآونة الأخيرة، بسبب انسحاب كثير من القيادات الحوثية من الجبهات لأسباب مجهولة، عدها متابعون سبباً لإقدام أطراف في الجماعة إلى تصفية أبناء قيادات أخرى، والإعلان بأنهم قتلوا أثناء المواجهات أو بقصف الطيران.
 
ففي أواخر 2018 عُثر في مدينة ذمار على جثة نجل القيادي الحوثي "قاسم الدولة" والبالغ من العمر 13 عاماً، مقتولا خنقا في أحد شوارع حارة الأمير دون معرفة الجاني.
 
كما عثر مواطنون في حي سوق الربوع على جثة نجل قيادي حوثي آخر يدعى "عباس الديلمي" مقتولا في حوش منزلهم بطلقات نارية في الرأس برصاص مجهولين.
 
كما اغتال مسلحون حوثيون المدعو أحمد عبد الله جزيلان نجل القيادي الحوثي ومدير أمن مديرية الثورة في أمانة العاصمة عبد الله جزيلان.
 
واعتبر مراقبون أن تصفية أبناء قيادات المليشيا بصورة غامضة يكشف مدى الخلافات في صفوف جماعة الحوثي.
 
ومؤخرا اتهم القيادي الحوثي البارز صالح هبرة قيادات حوثية بالضلوع في تصفية اثنين من أبنائه في نوفمبر 2018، واللذين لقيا مصرعهما اثر غارات شنتها طائرات التحالف العربي استهدفت مزرعته في مديرية بني معاذ في محافظة صعدة، أسفرت عن مقتل ابنيه رجائي ومعاذ إضافة إلى اثنتين من بنات شقيقه وأربعة آخرين كانوا في المزرعة.
 
وكان هبرة اعتزل الحوثيين منذ نهاية مؤتمر الحوار الوطني بعد اتهام الجماعة له بالعمالة، وأدى ذلك إلى التضييق عليه وحبس تحركاته في مديريته ببني معاذ وهي مديرية الصريع صالح الصماد رئيس المجلس السياسي السابق. 
 
ومن الواضح أن الهدف الأساسي من الاغتيالات والتصفيات البينية التي تنفذها المليشيا، هو الاستفراد بالثروة والنفوذ، إذ أدت عمليات الاغتيال إلى التخلص من مجموعة من المنافسين السياسيين والعسكريين داخل الجماعة، في عمليات وصفت بأنها غامضة، لكنها كانت تؤكد أنها من تنفيذ وحدات الاغتيال، وأنها مرتبطة بعمليات تصفية الحسابات داخل صفوف الميليشيا الانقلابية.
 
وتُتهم المليشيا الحوثية بأنّها تنفّذ الكثير من عمليات الاغتيالات لعناصرها بمن في ذلك بارزون في صفوفها، وهناك الكثير من القتلى الذين وُجِّهت أصابع الاتهام في اغتيالهم إلى المليشيا، ممثلة في جهاز الأمن الوقائي التابع لزعيم المليشيا.
 
وهناك أسماء قيادات حوثية بارزة على رأس تلك التكتلات، مثل: أبوعلي الحاكم، محمد علي الحوثي، عبدالكريم الحوثي، عبدالحكيم الخيواني، ومهدي المشاط، ومدير مكتبه أحمد حامد الذي يوصف بأنه إحدى الأذرع القوية لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في صنعاء وأن سلطته تتجاوز سلطة المشاط نفسه.
 
...يتبع

ذات صلة