دأب الأئمة الهادويون خلال 1200 عام من حكمهم شمال اليمن، على تصفية أتباعهم المذهبيين والسلاليين، بطرق عدة وتحت مبررات مختلفة، من أجل التشبث بالحكم، حيث كانت الخلافات فيما بينهم تحتدم إلى أن يقضي إمام على الآخر، وهكذا حتى سقوط الإمامة عام 1962.

 

في 9 أغسطس/ آب 2021، كان عبدالملك الحوثي يلقى خطاباً متلفزاً، دعا من خلاله أنصاره أو بالأصح "جناح صعدة" المتطرف داخل الجماعة الانقلابية المرتبط مباشرة بإيران، لتطهير مؤسسات الدولة ممن أسماهم "المدسوسين" في تلميح قصد به جناح الهاشمية السياسية "جناح صنعاء"، الذي يضم قيادات ترى حقها في الشراكة السياسية وتقاسم السلطة والثروة مع "جناح صعدة"، وذلك لدورها في حروب المليشيا ومساعدتها لهم في الانقلاب، كون "جناح صنعاء" هو الذي ساهم بشكل كبير بتفكيك خصوم الحوثية وتمكينها من إسقاط صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

 

ويعمل "جناح صعدة" الذي يدار من قبل الحرس الثوري الإيراني، على تكريس حضوره بإزاحة "جناح صنعاء"، جناح الهاشمية السياسية، من خلال تصفية قيادته، مما يعني إحكام سيطرة ‎إيران على قرار جماعة الحوثي، وهو ذات النهج الذي استخدمته طهران في تصفية عناصر وقيادات حركة أمل الشيعية في لبنان، لإفراغ الساحة لأداة الحرس الثوري "حزب الله" وعناصره.

 

انتهاء المهمة

 

كانت عمليات التصفيات الحوثية قد بدأت منذ وقت مبكر، قبل انقلاب الجماعة على السلطة، وطالت عملية التطهير والتصفيات شركاء وحلفاء وقيادات وعناصر وشخصيات مدنية وعسكرية موالية للجماعة الإرهابية التي تتبنى أيديولوجية عقائدية دينية في تصفية حلفائها، من المصنفين في خانة الاعتدال السياسي والديني، أو من الذين ساندوا انقلاب الجماعة، وانتهت مهمتهم.

 

 

بدأت الاغتيالات داخل جماعة الحوثي الانقلابية منذ مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2014/2013 قبل الانقلاب على السلطة الشرعية واندلاع عملية "عاصفة الحزم"، وكانت البداية بتصفية قادة اكتسبوا شعبية داخل السلالة العنصرية، لكنهم كانوا بنظر الحوثي يمثلون خطرا على مشروعه، بخبرتهم في السياسة، وسرعة تبدل التحالفات لديهم، إضافة إلى أن دورهم انتهى بانتهاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وبسيطرة الحوثيين على صنعاء، ولذلك كان لا بد من إزاحتهم بعيداً.

 

 

ويعتبر ملف اغتيال القيادات الحوثية المحسوبة على جناح الهاشمية السياسية "جناح صنعاء"، أحد الوسائل التي استخدمها "جناح صعدة" داخل مليشيا الحوثي، للانقلاب على الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة، من خلال الحديث عن حاجة المليشيا لتأمين حياة أتباعها في صنعاء الذين يتعرضون للقتل والتنكيل من قبل خصومهم.

 

أضاحي الانقلاب

 

 

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، اغتال مسلحون مجهولون عبدالكريم جدبان ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني، ولم تمض سوى أشهر قليلة حتى اغتال مسلحون مجهولون أحمد شرف الدين ثاني ممثل للحوثيين في الحوار الوطني بذات الطريقة، أثناء توجهه لحضور الجلسة العامة الختامية لمؤتمر الحوار في 21 يناير/ كانون الثاني 2014، ليعلن الحوثيون انسحابهم من المؤتمر، احتجاجاً على اغتيال ممثليهما!!

 

بعد ظهر الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، اغتال مسلحون مجهولون القيادي الحوثي محمد عبدالملك المتوكل أثناء مروره في شارع العدل وسط العاصمة صنعاء، وكان المتوكل صباح ذات اليوم الذي اغتيل فيه، يناقش مع لجنة التقريب بين المكونات السياسية، المستجدات على الساحة، وكان آخر ما كتبه -بحسب ما ذكره الدكتور عبدالعزيز المقالح- يتضمن الفكرة التالية: "واجبنا هو العمل على تكوين الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، والبحث خارج هذا الموضوع سيجعلنا نتوه ونبتعد عن جوهر المهمة"..!!

 

في 18 مارس/ آذار 2015 اغتال مسلحون مجهولون الصحفي عبد الكريم الخيواني ثالث ممثل للحوثيين في مؤتمر الحوار، أثناء مروره قرب قسم شرطة في العاصمة صنعاء.

 

بعد خمسة أيام من اغتيال الخيواني، وفي 20 مارس/آذار 2015، قُتل القيادي الحوثي والمرجع الشيعي المرتضى المحطوري، في تفجير نفذه انتحاري بحزام ناسف في جامع بدر بحي الصافية بالعاصمة صنعاء، وحملت مليشيا الحوثي، تنظيم داعش مسؤولية التفجير الذي راح ضحيته 13 شخصا بينهم المحطوري.

 

في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 اغتال مسلحان يستقلان دراجة نارية القيادي الحوثي حسن زيد الذي يشغل منصب وزير الرياضة والشباب في حكومة المليشيا غير المعترف بها دولياً، أثناء ما كان في سيارته مع ابنته في شارع حدة وسط صنعاء.

 

وبعد يوم واحد من اغتيال زيد أعلنت مليشيا الحوثي عن مقتل 2 ممن قالت إنهما نفذا عملية اغتياله خلال ملاحقتهما في ذمار،  وبعد أشهر أعلنت عن مقتل المتهم الثالث بذات الطريقة (أثناء ملاحقته) ونسبوا حادثة اغتياله للتحالف، وأغلق ملف قضية حسن زيد، بالإعلان عن مصرع قاتليه. 

إقرأ أيضاً:
- إزاحة حوثية عنيفة لـ«الحلفاء الألداء».. تفاقم دموي في «البيت المسكون بالعفاريت» (2)
- تجرثُم مراكز القوى داخل الحركة الحوثية: البيت المسكون بـ «عفاريت المصالح»
- بنادق الحوثة وبيدق هشام شرف بين (نوفمبرين: 2017 و2021)
- ما كشفته شهادات «سُكينة» و«عباس» و«هبره».. اغتيل حسن زيد بموجب حكم إعدام متأخر! (اعتراف)
- سُكينة حسن زيد: «أريد أن أفضحهم ولو دفعت حياتي ثمنا »
- عندما قال الصماد: «سيتم اغتيالي على أيدي ‏جناح معروف من الحوثيين»

وقد دفعت عمليات الاغتيالات عددا كبيرا من "جناح صنعاء" لمغادرة البلاد، خشية اغتيالهم من قبل جناح صعدة، الجناح المتطرف والأكثر تهورا في القتل والتصفيات الجسدية، ليمهد الطريق لينعم عبد الملك الحوثي وعائلته بالانفراد بالسلطة والنصيب الأكبر من الأموال المنهوبة. 

 

محاكمات وأحكام

 

في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أعلنت مليشيا الحوثي أنها بدأت بمحاكمة المتهمين باغتيال المتوكل والخيواني، زاعمة أن ذلك جرى "بحضور أولياء الدم" وهو ما نفاه حينها نجل "المتوكل" ريدان الذي أكد بصفحته على فيسبوك أنه تفاجأ بهذا الخبر منشورًا في وسائل الإعلام الحوثية ولم يتلقّ أحد من أسرته أي دعوة لحضور جلسة المحاكمة.

 

في 20 يناير/ كانون الثاني 2020 أصدرت مليشيا الحوثي حكمًا بإعدام ثلاثة قالت إنهم ينتمون لتنظيم القاعدة متورطين في قتل محمد عبدالملك المتوكل، وعبدالكريم الخيواني.

 

وفي 15 يوليو/ تموز 2020 أصدرت المليشيا حكمًا بإعدام (1) وحبس (14) قالت إنهم من أعضاء تنظيم القاعدة متورطين في قتل أحمد شرف الدين، في محاكمات غاب عنها المعنيون (أولياء الدم)، وحضرها وأخرجها القتلة وحدهم. 

 

اتهامات أولياء الدم

 

بعد صدور أحكام الإعدام بحق من زعمت المليشيا أنهم متورطون في قتل المتوكل والخيواني وشرف الدين في محاكمة تمت بدون علم أولياء الدم، اضطرت أسر القتلى للحديث عن حقيقة الاغتيالات التي طالت ذويهم، بعد سنوات من الصمت أمام تلاعب جناح صعدة بالملفات، وإخفاء المتورطين في عمليات الاغتيال التي طالما استخدمتها المليشيا سياسياً في حروبها التوسّعية ولتوطيد سيطرتها على مؤسسات الدولة، وأفصحت أسر القتلى عن وقوف مشرفين حوثيين في الاغتيالات، وعن وجود تلاعب بملفات القضية، وإجراء محاكمات بدون علم أولياء الدم.

 

وكشفت أسرتا الخيواني والمتوكل عن وجود تلاعب بملفات القضية، ووقوف مشرفين حوثيين في اغتيال القياديين المنتمين لجناح صنعاء.

 

وأكدت آلاء عبدالكريم الخيواني، أن أسرتها وأسرة محمد عبدالملك المتوكل فوجئتا بأحكام الإعدم بحق ثلاثة أشخاص من قتلة الخيواني والمتوكل، نافية أن تكون المليشيا قد أبلغتهم بحضور جلسة النطق بالحكم.

 

وقالت، في منشور على حسابها على الفيس بوك، في يناير/كانون الثاني 2020: إن من قضوا بالإعدام ليسوا سوى مجرد أدوات نفذت المخطط، مؤكدة أنه "في حال تم إعدامهم بدون أن نعرف من كانوا وراء جريمة الاغتيال، ولم نسمع نحن الاعتراف بذلك، فإننا لا نعترف بهذه المحاكمة، ونعتبر قضية أبي لم تغلق".

 

من جانبها أعلنت أسرة أحمد شرف الدين، في بيان، إدانتها لإجراءات التقاضي التي أعلنتها مليشيا الحوثي بحق والدهم، بعد سنوات على حادثة الاغتيال في 21 يناير/كانون الثاني 2014، متهمة مليشيا الحوثي بالتستر على الجناة الحقيقيين ومحاولة دفن القضية 

 

وأكد البيان الذي نشرته لمياء شرف الدين، بصفحتها على فيسبوك: عدم علم الأسرة بهذه المحاكمة، واستغرب من التعاطي مع القضية "في غرف مغلقة ومظلمة"، مشددًا على عدم القبول بمحاكمة سرية مغلقة في قضيتهم وأن هذا الأمر "يزيد من الشكوك والريبة في سوء استغلالها".

 

وكشفت "سُكينة" ابنة "حسن زيد" في منشورين بصفحتها على الفيس بوك 20 يونيو/حزيران 2021، عن حكم إعدام أصدره أحد القيادات الحوثية ضد والدها، متهمة ذات الشخص بأنه من قتل والدها وأنه ما يزال حرًا طليقًا.

 

وأرفقت "سكينة" صوراً لرسائل تلقتها على هاتفها من ذات القيادي، الذي لم تفصح عن هويّته، أقر لها فيها بأنه أصدر حكماً بإعدام والدها قبل أن يقتل، ويهددها وأفراد في أسرتها بذات المصير الذي لاقاه أبوها إن هي أفصحت عن الحقيقة.

 

ووفق شقيق "حسن زيد" في منشور له على فيسبوك بالتزامن مع منشور سكينة، فإن القاتل يعمل مشرفًا تربويًا للحوثيين وهو نافذ في جهاز المخابرات التابع للجماعة.

 

ولم تكن عائلة حسن زيد لتلجأ لكشف الحقيقة بعد عام ونصف من الصمت عنها لولا أن القاتل هدد بتصفية ابن حسن زيد إن قامت الأسرة بالإبلاغ عنه، وفوق ذلك انتظرت حتى رأت سكينة والدها في المنام وهو يوصيها بنشر الرسالة التي سيرسلها قاتله اليوم كما ذكرت في منشورها.

 

شهادات من الداخل

 

مؤخرا كشف القيادي الحوثي صالح هبرة، عن تورط جماعته بتصفية القيادات الأربعة الذين وصفهم ب"قادة الفكر المتنورين والمنفتحين في جماعة الحوثي"، وقال هبرة، في منشور له على حسابه في الفيسبوك،  إن جماعة الحوثي -التي يعتبر أحد مؤسسيها وقياداتها التاريخية- لجأت إلى أسلوب التخلص من كوادرها المتنورة والمنفتحة بعدما واجهت مشكلة كبيرة في إقناعهم باتباع منهجيتها.

 

وأشار هبرة إلى إغلاق ملفات الاغتيالات بلا محاكمات علنية ودون السماح حتى بحضور أقارب الضحايا، وأن بعض المحاكمات كانت تتم بسرية شديدة وتنتهي في غضون أقل من أسبوع واحد، في حين لا تكلف الجماعة نفسها بعرض الأدلة للرأي العام حول ما يتعلق باتهامها للغير بارتكاب تلك الجرائم ودون تحقيق قانوني شفاف.

 

صفعة مدوية

 

كانت حادثة اغتيال إبراهيم الحوثي شقيق زعيم المليشيا، والممسك بالملف المالي للجماعة في أغسطس/آب 2019 بالعاصمة صنعاء، رسالة مدوية وصفعة قوية وجهها جناح صنعاء لجناح صعدة، إذ لم يقف موقف المتفرج تماما، وعلى إثر ذلك قام جناح صعدة بالزج بحوثيي صنعاء في جبهاتهم، لتعود قوافل القتلى من جبهات الحرب إلى مناطق حوثيي صنعاء، وفيما يذهب قادة جناح صنعاء إلى القبور، يذهب قادة جناح صعدة إلى الفلل والقصور

 

... يتبع