الطفل أبو بكر النهاري ضحى بنفسه لينقذ عائلته من جريمة إبادة حوثية
- تعز، الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي - عبدالمالك محمد:
- 05:41 2021/08/08
في ذلك المساء، قدم الطفل النهاري نفسه قرباناً لأجل نجاة عائلته من جريمة إبادة حوثية. عندما سقط مقذوف حوثي داخل المنزل عبر ثقب أحدثه في إحدى النوافذ؛ اندفع النهاري نحوه مسارعاً يأمل أن يقذف به إلى الخارج، لكن المؤسف أن المقذوف الغادر -كمطلقيه- لم يسعفه لفعل ذلك وانفجر في وجهه.
كغيرها من ليالي المدينة الموحشة، وفيما كانت عائلة محمد عبدالحق النهاري مجتمعة ليلة الـ20 من مايو/ آيار 2016م في صالة المنزل الكائن بحي الظُهرة غرب مدينة تعز هرباً من القصف الحوثي؛ إذا بمقذوف يفاجئ الجميع ويحط بينهم بعدما اخترق نافذة صالة الجلوس.
كان المقذوف صغير الحجم ولم ينفجر مباشرة، وهو ما دفع بأبي بكر النهاري (17 عاماً) إلى التقاطه من الأرض والركض باتجاه النافذة لرميه خارج المنزل وإنقاذ أسرته من موت أو إصابات مؤكدة على الأقل.
لا يزال والده محمد يتذكر تلك اللحظة الحرجة كما لو أنها البارحة: «أفزعنا ارتطام ذلك الشيء بالأرض، صرخنا، وظننا أنها النهاية، لكن المقذوف بقي كامنا للحظات، لقد ظننا حينها أنه لن ينفجر فأخذه ابوبكر وانطلق مسرعا ليرمي به، قبل أن يمتلئ المنزل بذلك الدوي المريع ورائحة الباروت الخانق».
إقرأ أيضاً:
- قصة "مريم سعيد".. امرأة استثنائية تتعاهد نزلاء "الأمراض النفسية والعصبية" بتعز مرتين بالأسبوع
سارع الأب إلى حيث ارتمى ولده، كان المشهد فظيعاً والدماء تلطخ المكان بينما لا تزال تتدفق من كف أبو بكر اليمنى ووجهه وأجزاء أخرى من جسده.
يضيف محمد النهاري، في حديثه لـ الساحل الغربي: «حملته وهو في حالة إغماء، لا أدري كيف استطعت الخروج من دوامة الصدمة وصراخ الأم والأطفال لأقوم بإسعافه إلى مستشفى الثورة، كان وجهه بكامله مغطى بالدم، ظننت بأنه لن يعود..».
في غرفة العمليات خضع النهاري لأكثر من ثماني عمليات لاستخراج الشظايا من جسده، قال الأطباء لوالده إن إصابته خطيرة، وإن بعض الشظايا اقتربت من الدماغ ولم يستيطعوا استخراجها.
«لولا أبوبكر لكانت الأسرة بالكامل في غرف العمليات» قال الأب، ثم أطلق زفرة حارة، مضيفاً: «لقد بترت يده اليمنى وفقد عينه اليمنى بشكل كامل وفقد نسبة كبيرة من رؤيته بالعين الأخرى، كما أن وجهه تعرض للتشوه».
كان والده يشعر بالقلق حول مصير مستقبله وكيف سيمارس حياته ويتغلب على المعاناة، وهي المخاوف ذاتها التي كانت تسيطر ربما على أبو بكر نفسه، وإن هو تغلب عليها وخرج باسما من غرفة الرقود محاولا طمأنة عائلته بأنه بخير.
قال أبوبكر لـ الساحل الغربي، داعما ضحايا المليشيا أمثاله «لكل طفل وشاب أصيب بقصف مليشيات الحوثي الإرهابية، لا تنكسروا، قاوموا».
نتيجة للإصابة انقطع أبو بكر عن مدرسته لأشهر، لكنه عاد بعدها طموحاً متغلبا على إصاباته وحالته النفسية المتأزمة.
لقد أصبح يتقدم الجميع في طابور الصباح وفي الفصل أيضًا؛ حرصاً منه على أن يرى ويسمع بشكل جيد بعدما تأثرت حاستا البصر والسمع خاصته، كما أنه ثابر على التدرب على الكتابة باليد اليسرى.
تغلّبه على إعاقته بات مصدراً لإدخال السرور إلى قلوب أفراد أسرته، يقول والده وهو متبسم هذه المرة «لم ينظر ابوبكر إلى نفسه أنه مبتور الطرف وفاقد البصيرة بل وجدناه طموحاً بخلاف المتوقع».
لا تزال بعض الشظايا تسكن رأس النهاري حتى اليوم، حسب التقارير الطبية، إنها بمثابة ذكريات قاسية انغرست في ذاكرته، لا تضعفه، بل لتمنحه القوة في مواجهة المليشيات بطريقته الخاصة، فهو يطمح أن يكون طبيبا في المستقبل ليخفف من معاناة جرحى الحرب.
يختم أبوبكر حديثه للساحل الغربي قائلاً «لضحايا حرب المليشيات وللعالم أجمع أقول: لا تستطيع قوى الظلام الحوثية دفن أحلام أبناء اليمن وما ضحايا القصف الحوثي إلا بذور تنمو من تحت الركام».