من هزائم مأرب و"صدمة موسكو" إلى صراع الأجنحة في صنعاء.. أساليب مليشيا الحوثي في إلهاء الرأي العام
- تعز، الساحل الغربي، تقرير/ التميمي محمد
- 10:50 2021/07/02
كلما تعرضت مليشيا الحوثي الانقلابية لانتكاسة أو هزيمة في أي جبهة، ويصعب عليها تعتيمها، والصعوبة تجعلها تشعر بخطر يهدد كيانها ووجودها، فإنها تلجأ إلى سياسة إلهاء الرأي العام، من خلال خلق بعض المشكلات في مناطق سيطرتها أو تحريك بعض القضايا التي تلفت الرأي العام مستغلة عاطفته، لحرفه وصرف نظره بعيداً عن قضيته الأساسية المتعلقة بمصيره ووجوده.
تتخبط المليشيا الانقلابية وتفشل في تحقيق مطالب المواطنين في مناطق سيطرتها وحل مشاكلهم، فتلجأ إلى قضايا هامشية بعيدة كل البعد عن المشاكل الحقيقية للمواطنين، ويتم النفخ بها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى تكبر وتتضخم ويتوجه إليها الرأي العام ليلتهي بها، لإغراق البلاد في إشكاليات لا تفيد، وإبعاد الناس عن التفكير والسؤال عن قضايا كثيرة مثل البطالة والفقر والعدالة الاجتماعية والجباية التي لا تنتهي، فسياسة الإلهاء تقوم على صناعة الأفكار التي تلهي أكثر مما توقظ وتسلب أكثر مما تفيد.
ومثال على ذلك، إصدار حكم قضائي، يوم الثلاثاء 29 يونيو/ حزيران 2021، عن ما تسمى بالمحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة التابعة لمليشيا الحوثي، في العاصمة صنعاء، بإعدام المدعو مجدي المتوكل حدًا وتعزيرًا وقصاصًا وصلبه يومين في ميدان السبعين بتهمة اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين أحد ممثلي المليشيا في مؤتمر الحوار الوطني، في 21 يناير 2014م.
تخدير السلالة
تحريك مليشيا الحوثي لقضية اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين، بعد سبع سنوات من التضليل المتعمد في قضية اغتياله، لم يكن سوى أسلوب من أساليب المليشيا لإلهاء الرأي العام، وتغطية للهزائم التي منيت بها في جبهات محافظة مأرب خلال الأيام الماضية، فضلًا عن تخدير الرأي العام في مناطق سيطرتها، لا سيما حالة التذمر في أوساط سلالتها، وتوجيه أصابع الاتهام للمليشيا في قضايا قتل حسن زيد والمتوكل والخيواني، من خلال البيانات والتصريحات الأخيرة الصادرة عن أسرهم وقيادات أخرى محسوبة على المليشيا.
علاقة الحوثي بالقاعدة
كما كشف منطوق الحكم مدى ارتباط المليشيا بتنظيم القاعدة، حيث نص على انتماء المتهم مجدي عبد الكريم المتوكل لتنظيم القاعدة، وكشف مدى توسع الصراع الداخلي بين مكونات السلالة الانقلابية، حيث تضمن إدانة المتوكل بأكثر من عشرين تهمة أخرى من بينها، التخطيط وقتل كل من العقيد علي الشرفي، والضابط عبدالملك الذاري، والضابط خالد الخولاني، والشروع في قتل اللواء علي حسن الشرفي وكلهم ينتمون إلى المليشيا السلالية.
التستر على الجناة
لكن منطوق الحكم وإجراءات المحاكمة كان مفاجئًا لأسرة شرف الدين، بحسب تصريحات سابقة لها، عندما أصدرت المليشيا في 15 يوليو 2020 حكمًا بإعدام (1) وحبس (14) قالت إنهم من أعضاء تنظيم القاعدة متورطين في قتل شرف الدين، والذي وصفته أسرته بأنه مجرد تغطية على الجناة الحقيقيين.
ورغم أن أسرة أحمد شرف الدين، كانت قد نشرت بيانًا بالتزامن مع الحكم الصادر من المليشيا السنة الماضية، أعلنت فيه صراحة إدانتها لإجراءات التقاضي التي أعلنتها مليشيا الحوثي بحق والدهم، وهذا ما يؤكد أن الغرض من إعادة القضية بنفس الحكم السابق ليس إلا محاولة من المليشيا لإلهاء الرأي العام ومغالطته، لتغطية حالة الإرباك التي تعيشها في صنعاء ومأرب.
واتهم البيان، الذي نشرته ابنة المجني عليه الدكتورة لمياء شرف الدين، بصفحتها على فيسبوك في يوليو 2020، مليشيا الحوثي بالتستر على الجناة الحقيقيين ومحاولة دفن القضية التي قال البيان إنها باتت "قضية رأي عام".
وجاء في البيان الذي ذيّل بتوقيعات أبناء المجني عليه وهم "لمياء وعلياء وهيفاء وحسين ومحمد وعلي أحمد شرف الدين: "فوجئنا نحن أبناء الدكتور الشهيد أحمد شرف الدين وكذا المقربين منه بخبر تناقلته بعض صفحات مغمورة في وسائل التواصل الاجتماعي، أن محكمة ابتدائية أصدرت حكما ضد متهمين باغتيال الدكتور الشهيد أحمد شرف الدين".
وأكد عدم علم الأسرة بهذه المحاكمة، مستغرباً التعاطي مع القضية "في غرف مغلقة ومظلمة"، مشددًا على عدم القبول "بمحاكمة سرية مغلقة في قضيتنا والتي تعتبر قضية رأي عام، بهذا الحجم من التستر حتى إننا لا نعلم أي خبر عن هذه المحاكمة"، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يزيد من الشكوك والريبة في سوء استغلالها".
وأشار البيان إلى أنه "كان يجب على المحكمة المختصة حال وجود محاكمة أن تقرر إدخال أصحاب الدعوى المدنية لسماع رأيهم وإدخال من يتهمونه للتحقيق معه، ومعرفة وقائع الاعتراف، ومدى مطابقتها للواقع، ومن يقف خلف الجريمة، ومن حرض وشارك فيها بأي نوع من أنواع الشراكة" في إشارة واضحة لمليشيا الحوثي.
واختتم أبناء أحمد شرف الدين بيانهم بالقول: "الجريمة التي ارتكبت في حق والدنا الدكتور الشهيد مستمرة باستمرار التستر على الجناة وجميع المشاركين"، مؤكدين أن "الجريمة كبيرة... ولا يمكن أن تمر محاكمتها بهذا الاستخفاف".
يذكر أن ملف اغتيال القيادات الحوثية المحسوبة على جناح صنعاء ظل واحدة من وسائل جناح صعدة داخل مليشيا الحوثي والتي استخدمت هذا الملف للانقلاب على الحكومة الشرعية ومؤسسات الدولة، من خلال الحديث عن حاجتها لتأمين حياة أتباعها في صنعاء الذين يتعرضون للقتل والتنكيل من قبل خصومهم.
توظيف قضايا الرأي العام
ويلاحظ كثيرًا أن المليشيا تلجأ إلى توظيف قضايا الرأي العام التي جمدتها لأشهر وسنوات، من خلال إثارتها وإصدار أحكام وهمية لا يتم تنفيذها، وعادة ما تتخذ المليشيا هذا الإجراء عقب أي هزيمة عسكرية تمنى بها في جبهات القتال أو فضيحة سياسية أو تقصير أمني أو اقتصادي أو اجتماعي، فتلجأ إلى تخفيف نقمة الرأي العام عليها في مناطق سيطرتها بعد مصرع الآلاف من أبناء تلك المناطق في عدد من جبهات القتال، كوقود لحربها ضد اليمنيين، وهو ما حصل ويحصل للمليشيا في جبهات مأرب.
وإثارة قضية الشاب عبد الله الأغبري، الذي قتل في 26 أغسطس 2020، على يد عصابة موالية للمليشيا الحوثية مكونة من عدة أشخاص، أثناء جلسة تعذيب استمرت 6 ساعات، في جريمة قوبلت بغضب عارم بعد تسريب مقاطع فيديو وصور عن هذه الجريمة، حيث أصدرت ما تسمى بالمحكمة العليا التابعة للمليشيا الحوثية يوم السبت 26 يونيو/حزيران 2021، حكمًا بالإعدام بحق أربعة من قتلة الأغبري، فكانت هذه الإجراءات خدعة جديدة للرأي العام تضاف إلى رصيد المليشيا في الإلهاء والألاعيب السياسية الأخرى.
ورغم استخدام المليشيا لقضية الأغبري بتوظيفها لمصلحتها، إلا أنها عملت على تعديل الحكم الاستئنافي، الصادر في ديسمبر العام الماضي، بحكم ابتدائي إلى الإعدام لأربعة مدانين فقط بدلاً عن خمسة، وتخفيف العقوبات بحق المتهمين الخامس والسادس، ضمن إجراءات قضائية متباطئة حسب محامين، أغفلت الحق العام، وأبقت الباب مفتوحاً بشأن دوافع الواقعة المروعة.
بما أن قضية الأغبري تحظى برأي عام يمني واسع، عملت المليشيا على توظيفها في التوقيت المناسب لها، لتغطية الهزائم التي لحقت بالمليشيا في جبهات مأرب، وصرف النظر عنها بإشغال المتابعين بقضية الأغبري، التي انكشفت خدعتها في اليوم التالي من إصدار الحكم، جراء الاعتداء الذي تعرض له محامي الشهيد الأغبري المحامي وضاح قطيش، من عصابة مكونة من 11 شخصاً، وإصابته بجروح بليغة في رأسه وجسده.
بينما الرأي العام اليمني يتطلع لمعارك مأرب الضارية التي راهنت المليشيا على حسمها منذ مطلع فبراير الماضي، وزجت بالآلاف من مقاتليها في معارك خاسرة لم تحقق أي هدف طيلة الشهور الماضية من شنها الهجمات على مأرب، سوى المزيد من الخسائر البشرية والمادية الفادحة، ومع احتدام المعارك التي شهدتها جبهات مأرب خلال الأيام الماضية، والتي حشدت لها المليشيا عناصرها من كل الجبهات ومن كل المناطق التي تسيطر عليها إجباريًا، فكانت من أكبر الهجمات التي شنتها على الإطلاق، فمنيت خلالها بهزيمة شنعاء على أيدي رجال الجيش والمقاومة الشعبية مسنودين برجال القبائل، كانت إثارة قضية الأغبري عبارة عن حقنة تخدير للرأي العام المتابع لما يحدث في مأرب.
وتحاول ميليشيا الحوثي إخفاء الجرائم التي يرتكبها عناصرها وقياداتها في صنعاء والمحافظات التي تسيطر عليها، إلا أن التسريبات التي تظهر بين الحين والآخر تدل على الفوضى الأمنية وازدهار العصابات الإجرامية، رغم احترازات الميليشيا بعدم وصول الجرائم إلى وسائل الإعلام، وعدسات الراصدين.
صدمة موسكو
وعند زيارة العميد الركن/ طارق صالح قائد المقاومة الوطنية رئيس المكتب السياسي، موسكو بطلب من الخارجية الروسية، جن جنون المليشيا الحوثية، وشن الذباب الإلكتروني للمليشيا حملة شعواء ضد شخص القائد طارق في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد عجزها في الرد على الأفكار التي طرحها للخارجية الروسية والتقائه بعدد من المسؤولين الروس، لجأت المليشيا نبش قضية الجاسوس زكي مزراحي، وربطها بالزيارة، من خلال اختلاق الأكاذيب التي زعمت أن طارق التقى سفير حكومة إسرائيل إلى موسكو.
إقرأ أيضاً:
- فيصل الصوفي يكتب: الطارق.. وأصحاب مزراحي!
كانت زيارة العميد طارق إلى موسكو صادمة ومفاجئة للمليشيا الحوثية، مستندة إلى العلاقة بين إيران وروسيا، ومتناسية عدم اعتراف روسيا بها، ما أحدث لها ارباكًا أمام أنصارها، فلجأت إلى نبش قضية الجاسوس مزراحي، التي حدثت قبل أربعة عقود من الزمن، وليس للمليشيا أي علاقة في ذلك، سوى حرف البوصلة عن مكانها الصحيح، وتجاوز أوضاع وظروف اليمن الصعبة إلى ملفات وقضايا ثانوية سطحية في مجالات ومواضيع غريبة وغير مألوفة أحياناً لتحويل الرأي العام عن قضاياه المصيرية وممارسة سياسة الإلهاء المُمنهج لصالح الأجندات الإيرانية ومشروعها في اليمن والمنطقة.
سياسة الضربة الوقائية
تقوم المليشيا الحوثية بحملة إعلامية وقائية بغية استباق أي تطورات داخلية، أو حين تشتَمُّ رائحة تمرد أو تململ لدى الموالين لها؛ فتقوم بخطوات معينة تشمل إصدار أحكام حول قضايا تهم سلالتها، يرافق ذلك حملة تشهير إعلامية واتهامات تصل إلى حد التآمر على النظام، وتهديد أمن الدولة، وتهمة الارتباط بدولة أجنبية، كما حدث مع قضية أحمد شرف الدين وإثارتها مجددًا.
هذه الإجراءات الوقائية تتسم بالمفاجأة والسرعة حتى تؤتي ثمارها كضربة وقائية، لا سيما بعد الاتهامات الموجهة للمليشيا مؤخرًا من قبل أسر قيادات كبيرة من سلالتها، مثل أسرة حسن زيد وأسرة يحيى الشامي، بضلوع المليشيا خلف اغتيال زيد ويحيى الشامي وزوجته وولده زكريا، فيما تتم هذه الإجراءات غالبًا بسرية تامة وتعتيم كامل حتى لا تحدث صدى لدى الرأي العام، وحتى لا تحسب مؤشراً على ضعف المليشيا وعلى وجود معارضين لها من أوساطها.