محرقة المهاجرين الأفارقة في صنعاء: المواقف والمسارات المُتوقَّعة للقضية
- مركز الإمارات للسياسات | 17 مارس 2021
- 06:00 2021/03/21
في السابع من مارس الجاري، قُتل وأصيب مئات المهاجرين الأفارقة معظمهم من الإثيوبيين، جرَّاء نُشُوب حريق مُروِّع في مركز احتجاز تديره سلطات جماعة الحوثي غير المعترف بها دولياً بصنعاء، في حادثٍ مأساوي يتعمَّد الحوثيون حتى الآن إخفاء الكثير من ملابساته، ومُحمِّلين المنظمة الدولية للهجرة المسؤولية الكاملة عنه، في ظل مُطالَبات بالسَّماح بوصول فوري وغير مُقيَّد للمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية إلى الموقع والمصابين، وإجراء تحقيق مستقل وشفاف حول الحادثة.
تستعرض هذه الورقة الروايات المتضاربة لحادثة حريق المهاجرين الأفارقة بصنعاء، وترصُد مواقف الأطراف تجاهها، بما فيها المنظمات الدولية والدول التي ينحدر منها الضحايا، وتستكشف المسارات المتوقَّعة لهذه القضية، وما الذي بإمكان المجتمع الدولي القيام به لمحاسبة المتسببين بهذه الحادثة المروّعة.
روايات متضاربة
تضاربت الروايات بشأن الحريق المروع الذي نشب في مركز احتجاز لمئات المهاجرين الأفارقة بصنعاء، وطفت للسطح روايتان متناقضتان حول ما حصل. فهناك رواية أولى مُرتبكة حاولت جماعة الحوثي تسويقها بعِناد، وتتنصل من خلالها عن مسؤولية المحرقة، محملة أطرافاً أخرى المسؤولية عنها. إذ سارعت وزارة الداخلية، التابعة للجماعة، إلى إصدار بيان، في 7 مارس، قالت فيه إنَّ الحادثة نتجت عن "حريق وقع الساعة الثانية والنصف ظهر [ذلك اليوم] وتسبب في وفاة وإصابة عدد من المهاجرين غير الشرعيين والعاملين بمصلحة الهجرة والجوازات". وحمَّل البيان "منظمة الهجرة الدولية والأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن هذا الحادث، لتقاعسهما عن القيام بدورهما في توفير الملاجئ المخصصة لتجميع وإيواء المهاجرين غير الشرعيين، وترحيلهم إلى بلدانهم وفق القوانين الدولية"، بحسب ما جاء في البيان.
وفي 12 مارس، أعلنت جماعة الحوثي تشييع "جثامين 43 من الإثيوبيين الذي تُوفُّوا في حادث الحريق"، وزعمت وكالة سبأ التابعة للجماعة أنَّ "القائم بأعمال السفير الإثيوبي (لم تذكر اسمه)، وجمع غفير من قيادة وأعضاء الجالية الإثيوبية والجاليات الأفريقية" بصنعاء حضروا التشييع الذي قال نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، حسين العزي، إنَّه "جاء استجابة لطلب الجالية الإثيوبية باليمن"، مؤكداً "حرص وزارته على مخاطبة الخارجية الإثيوبية أولاً بأول لوضعها في صورة التفاصيل حول الحادثة"، ومشيراً إلى أن "التحقيقات [لا تزال] جارية لمعرفة أسبابها وملابساتها".
وفي نفس اليوم، صدر عن "قيادة الجاليات الإثيوبية والإريترية والصومالية والجيبوتية والسودانية" بصنعاء، بيانٌ نقلته وكالة سبأ التابعة للحوثيين زعم أن الحادث "كان عرضِيَّاً، بدأ بشجار بين جاليتين، وحين تدخَّل أحد جنود الحراسة تم الاعتداء عليه بالضرب، ما استدعى تدخُّلاً أكبر من قوات مكافحة الشَّغب الحوثية نتج عنه حصول حريق داخل المركز، والذي تسبب بوفاة 43 من المهاجرين وإصابة ما يزيد عن 200 بجروح مختلفة، شفي منهم 193 وغادروا المستشفيات". لكن مصادر مقربة من قيادة الجاليات في صنعاء، أكَّدت أن البيان جاء تحت تأثير ضغوط سلطات الحوثيين، التي نظمت لهم أيضاً مؤتمراً صحافياً افتراضياً في اليوم التالي لتسويق هذه الرواية.
وتعمَّدت وسائل إعلام الحوثيين، عند تغطيتها للمؤتمر الصحفي، التركيز على ما أورده ممثل الجالية السودانية، عبدالله الليثي، الذي قال "إنَّ عدد المهاجرين الذين كانوا بالمركز حوالي 800 مهاجر تم توزيعهم على خمسة عنابر، احترق منها العنبر رقم 1 مُخلِّفاً 44 قتيلاً و202 جرحى، جميعهم غادروا المستشفيات، عدا 21 جريحاً ما يزالون يتلقون العلاج، بينهم أربعة حالتهم حرجة"، مُضيفاً أنَّه "بناء على اتفاق بين الجاليات والسلطات [الحوثية]، تم ترحيل 468 مهاجراً، وتشييع 44 شهيداً بصورة رسمية بعد أخذ عينات الحمض النووي للتعرف عليهم، فيما فّر عدد غير معروف من المهاجرين"، ولفتَ إلى أنَّ سلطات الحوثي "أفرجت بعد الحادثة مباشرة عن 193 مهاجراً وصرفت لكل فرد منهم 100 ألف ريال يمني". في حين تجاهل إعلام الحوثي حديث ممثل الجالية الإثيوبية عثمان جلتو، الذي دعا فيه إلى "إجراء تحقيق دولي بشأن الحريق"، مؤكداً أنَّ ممثلي الجاليات لا يعلمون شيئاً عن عدد الضحايا وسبب الحريق غير ما تقوله لهم "السلطات في صنعاء"، كاشفاً عن أنها أبلغتهم بترحيل 468 شخصاً إلى عدن، دون وجود إثبات على صحة ذلك الترحيل، وفقاً لوسائل إعلام نقلت ما دار في المؤتمر.
وفي مقابل الرواية الحوثية الواضحة الارتباك، هناك رواية مُغايرة ذكرتها مصادر إثيوبية وناشطون أفارقة ويمنيين، ومنظمات دولية وإقليمية ومحلية أبرزها "هيومن رايتس ووتش'' و"رايتس رادار" و"مواطنة"، واستندت على شهادات بعض النَّاجين وأقرباء الضحايا، قالوا فيها إن سلطات الحوثيون شنَّت منذ أشهر حملات اعتقال قسري للمهاجرين الأفارقة بحجة الاقامة غير الشرعية، وزجَّت بهم في سجون مصلحة الهجرة والجوازات، ضمن ظروف بالغة السوء، بهدف المساومة بهم والضغط على المنظمات الدولية، ثم لاحقاً خيَّرتهم بين القتال في صفوفها أو دفع مبالغ مالية (تصل إلى 150 ألف ريال)، فاحتج المحتجزون وأضربوا عن الطعام، ما دفع بعناصر الأمن الموالية لجماعة الحوثي للتدخُّل لإيقاف إضرابهم واشتبكوا معهم ثم أطلقوا عليهم أعيرة نارية ومقذوفات وقنابل حارقة مما أدى لاندلاع حريق وسقوط المئات بين قتلى وجرحى، وهي الرواية التي تبنَّتها الحكومة الشرعية.
وتشير الدلائل المتوفرة إلى أن الرواية الثانية هي الأقرب لما حصل بالفعل، فمنذ أشهر تواترت معلومات عن شنّ الحوثيين حملات اعتقال ضد المهاجرين الأفارقة، لاسيما الإثيوبيين منهم، وكدَّسوا قرابة 900 من هؤلاء المهاجرين (غالبيتهم من قومية "الأرومو" الإثيوبية)، في مركز احتجاز بمصلحة الجوازات بصنعاء، وفي ظروف تفتقر لأدنى متطلّبات الحياة الآدمية. وتسببت الانتهاكات الجسيمة التي مُورست بحق المحتجزين، بما في ذلك تجويعهم وحرمانهم من الاتصال بذويهم، ومساومتهم للقتال في صفوف الجماعة أو دفع مبالغ مالية، في احتجاجهم وإضرابهم عن الطعام، فتدخلت عناصر حراسة المُعتقل لقمعهم واشتبكت معهم بالأيدي، قبل أن تستقدم قوات من "مكافحة الشَّغب"، والتي تصرَّفت بشكل أكثر تفَلُّتاً ووحشية كعادتها مُطلقة المقذوفات الحارقة والقنابل المسيِّلة للدموع وسط المحتجزين، ومُتسبِّبة باندلاع حريق مُروِّع قَضَى على الأرجح على أكثر من 200 قتيل وضِعفهم من الجرحى.
وعلى الرغم من أنَّ الحادثة المروِّعة قد تكون على الأرجح نجمت عن خطأٍ غير محسوب لعناصر الأمن الحوثيين، إلَّا أنَّه لا يمكن تجاهُل إصرار إدارة مركز الاحتجاز التابعة لجماعة الحوثي على إبقاء أبوابه مغلقة، بحيث لم يتسنَّ للمُحتجزين الفرار والنجاة من الموت المحتَّم. كما لا يمكن تجاهل تلكؤ الحوثيين وتعمُّدهم إخفاء ملابسات المحرقة، من خلال تطويق المستشفيات الحكومية التي يتعالج فيها الجرحى، واعتقال شهود العيان، ومنع أي محاولة اتصال بين المهاجرين وأقربائهم خارج مركز التوقيف. وأيضا قيام الحوثيين بإطلاق النار على وقفة احتجاجية للمتضامنين مع المحتجزين القتلى والجرحى أمام مبنى الأمم المتحدة في صنعاء، بعد يوم من الحادثة، وليس أخيراً ضُغوطهم على قيادة الجاليات الأفريقية في صنعاء لتسويق رواية تبرئهم وتعزز مصداقية روايتهم؛ فكل ذلك يُحمِّلهم المسؤولية الكاملة عن الجريمة.
مواقف الأطراف من الحادثة
سعت جماعة الحوثي منذ البداية، كما أشارت الورقة سالفاً، إلى تحميل المنظمة الدولية للهجرة المسؤولية الكاملة عن محرقة المهاجرين الأفارقة، إلا أن المنظمة نفت تلك الاتهامات بشكل قاطع، مشيرة إلى أن الحادثة تُظهِر "الحاجة الملحَّة لأن يُحيل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية" (قناة العربية، 10 مارس 2021). وأوضح المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة أنطونيو فيتورينو في بيان نُشر على موقعها الإلكتروني، في 14 مارس الجاري، أنَّ المنظمة "لا تقوم بإنشاء أو إدارة أو الإشراف على مراكز الاحتجاز في اليمن أو في أي مكان آخر في العالم. بل قامت فرقنا بتقديم الخدمات الأساسية مثل الطعام والرعاية الصحية والمياه للمهاجرين"، مؤكداً أن "الظروف في منشأة الاحتجاز، التي تم تحميلها فوق طاقتها بثلاث مرات، [كانت] غير إنسانية وغير آمنة".
من جهتها، حاولت الحكومة اليمنية الشرعية بطبيعة الحال استثمار الحادثة لتعزيز مواقفها، وتعبئة المجتمع الدولي ضد خصومها الحوثيين؛ فأصدرت العديد من البيانات والتصريحات المستنكرة والمُنددة بالمحرقة، وبعث رئيس الوزراء معين عبدالملك في 12 مارس رسالة خاصة إلى نظيره الإثيوبي آبي أحمد، بشأن الحادثة، شدَّد فيها على أن "السلوك الإجرامي وغير الإنساني [لجماعة الحوثي] لا يمثل الشعب اليمني، ويتنافى مع روح المودة والمحبة التي يتشاركها مع الشعب الإثيوبي"، مؤكداً "ضرورة تسيير لجنة تحقيق دولية للتحقيق في هذه الجريمة، ومكاشفة العالم بنتائج التحقيقات"، ومشيراً إلى أن جماعة الحوثي "تتحمّل كامل المسؤولية عنها إذ تفيد المعلومات المتوفرة بِتعمُّد أفراد من مليشيا الحوثي افتعال الحريق".
وفي حين اكتفت الحكومة الإثيوبية، بالقول إنِّها "تُراقب الوضع عن كثب عن طريق سفارتها في سلطنة عمان"، وأكَّد المتحدث باسم خارجيتها، ناديا مفتي، في مؤتمر صحفي، في 16 مارس، إن وزارته تلقَّت "تقارير عن مقتل ودفن 43 شخصاً" في الحريق، لكن "التحقيق جار لتحديد عدد الإثيوبيين منهم"، وفقاً لصفحة الوزارة في فيسبوك، أعلنت الحكومة الصومالية، وفقاً لما ذكره سفيرها لدى اليمن، عبد الله حاشي شوري ("إندبندنت عربية"، 14 مارس 2021)، عزمها "على تسريع استئناف إجلاء آلاف الصوماليين من اليمن منتصف هذا الشهر، بخاصة بعد التجاوزات الأخيرة في سجون صنعاء، وآخرها حادثة استخدام القنابل ضد محتجزين في سجن الجوازات"، مشيراً إلى أنّه كان من ضمن المحتجزين "31 صومالياً، تكفَّلت الأمم المتحدة بإخراج 16 منهم، وتم إجلاء تسعة منهم بالفعل مع جَريحَين، في حين فُقِد أربعة آخرون".
ومن ناحيتها، طالبت الأمم المتحدة، على لسان مبعوثها الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، في 16 مارس الجاري، بتحقيق مستقل بشأن الحريق، الذي قال إنَّه تسبب "بعشرات القتلى، وبإصابة أكثر من 170 شخصاً بجروح خطيرة". فيما دعت منظمة "هيومن رايتش ووتش" الحقوقية، في اليوم نفسه، "فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، التابع لـ "الأمم المتحدة" إلى إدراج الحادثة في تحقيقاته الجارية في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد"، متهمة الحوثيين بإطلاق "مقذوفات مجهولة" على مركز احتجاز المهاجرين أفارقة في صنعاء خلال تظاهرة للمطالبة بتحسين ظروف اقامتهم، ما تسبب في وفاة عشرات منهم.
وفي إطار المواقف الدولية أيضاً، دعا السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، إلى السَّماح بـ"وصول فوري وغير مقيد للمفوضية السامية لحقوق الإنسان والوكالات الإنسانية إلى الموقع والمصابين". وقال آرون في تغريدات على منصة تويتر، في 12 مارس الجاري، "يجب إجراء تحقيق مستقل وشفاف وموثوق به، بما في ذلك تقديم احصائيات كاملة للقتلى والجرحى"، مُضيفاً "إن معاملة الحوثيين غير الإنسانية للمهاجرين - بما في ذلك خلق ظروف مكتظَّة في المركز - هي التي أدَّت إلى هذه الخسارة الفادحة في الأرواح البشرية"، ومشدِّداً على ضرورة "أن يُغيِّر الحوثيون سياساتهم تجاه المهاجرين، وأن يوفروا لهم الكرامة الأساسية التي يستحقونها". وهي مطالبات نادت بها أيضاً العديد من المنظمات والجهات الحقوقية المحلية والدولية، ومنها على سبيل المثال المرصد الأورومتوسطي، ومنظمتي "رايتس رادار" و"مواطنة" لحقوق الإنسان، والتي دعت لتحقيق دولي وتحرُّك جاد وملموس لمحاسبة جماعة الحوثي.
وبموازاة هذا الحراك الدبلوماسي، رغم محدوديته حتى الآن، تظاهر عشرات اللاجئين الأفارقة، (وغالبيتهم من الإثيوبيين، أمام مقر المفوضية العُليا للأمم المتحدة بصنعاء، وتداعى العشرات من أبناء الجاليات الأفريقية في مُدن غربية مختلفة لتدارُس الأمر، مطالبين بكشف ملابسات هذه الجريمة التي أودت بحياة المئات من أبناء جلدتهم.
المسارات المحتملة للقضيَّة
من المتوقع أن تمضي التَّطورات بشأن قضية محرقة المهاجرين الأفارقة في صنعاء، وفق أحد المسارات الثلاثة المحتملة الآتية:
1. تزايُد التَّفاعل مع القضية وتدويلها، وصولاً إلى إدانة الحوثيين ومحاسبتهم؛ إذ يمكن أن تتحرَّك الدُّول التي ينتمي المهاجرون إليها مدعومة من قبل الحكومة الشرعية والدول العربية الداعمة لها، فضلاً عن الكثير من الجهات والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، بحيث تُصعِّد القضية واضعة إِيَّاها في قائمة أولويات واهتمامات السياسات الغربية والمجتمع الدولي، وصولاً لحشد إجماع دولي أممي حولها والتَّحقيق المستقل فيها دولياً، وإثارة القضية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مع احتمالية إحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية في حال تبنى مجلس الأمن قراراً يدين الحوثيين ويحملهم المسؤولية الكاملة عما حدث.
2. نجاح الحوثيين في إغلاق القضية ضمن صفقة ما؛ وفي هذا المسار قد يتمكَّن الحوثيون من تعزيز روايتهم للحادثة ببعض الإجراءات من قبيل ترحيل مئات المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة من مناطق سيطرتهم بحضور وإشراف المنظمات الدولية العاملة في اليمن، وكذا الاستمرار في التأثير على ممثلي الجاليات وموظفي المنظمات في صنعاء، و/أو التَّواصل مع الجانب الإثيوبي تحديداً، والتَّمكن من إقناعه بنتيجة التحقيق الذي أجرته سلطة الجماعة والتُّوصل لتفاهمات سرية أو عقد صفقة لإنهاء ملف القضية.
3. بقاء القضية مُعلَّقَة، وإفلات الحوثيين من العقاب؛ وهذا المسار قد لا يختلف كثيراً عما حصل في قضايا مشابهة. فحتى في حال حدوث تحقيق مستقل في القضية، وهو أمر ربما يستغرق وقتاً، فإن هناك العديد من العوامل التي قد تُبقِي التَّفاعُل الدولي معها عند درجة معينة من الجِدِّية والحزم، وأبرزها تبايُن أولويات المجتمع الدولي ورُؤاه حول الملف اليمني ككُل، وصعوبة توافُق الفاعلين الدوليين والإقليميين على استخدام هذه القضية للضَّغط على الحوثيين، سواء لكبح انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الانسان، أو حتى لتقريبهم إلى طاولة المفاوضات.
غير أنه في كل الأحوال، من المهم أن يعمل المجتمع الدولي، وفي مقدمته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحلفائه الأوربيين، على إدانة سلوك الحوثيين الوحشي في تعامله مع المهاجرين الأفارقة، وممارسة مزيد من الضغط عليهم للموافقة على إجراء تحقيق مستقل لكشف حقيقة ما حصل، ومعاقبة المتسببين به، ودفع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لممارسة أقصى الضغوط على جماعة الحوثي لتغيير سياستها الانتهازية وغير الإنسانية إزاء ملف المهاجرين الأفارقة، والتي تقوم على الانتقاص من كرامتهم، وتحويلهم إلى سلعة للقتل، وابتزازهم نفسياً ومصادرة حرّياتهم؛ وبما يضمن الحد من سلوك الحوثيين المتفلِّت وانتهاكاتهم المتكررة بحق هؤلاء المهاجرين، بما في ذلك الكفّ عن تجييشهم للقتال في صفوف الجماعة، والتربُّح من ورائهم وابتزاز المنظمات الدولية الإنسانية العاملة في اليمن.
خلاصة واستنتاجات
•تعمَّدت جماعة الحوثي إخفاء ملابسات قضية محرقة المهاجرين الأفارقة في مركز احتجاز بالعاصمة اليمنية صنعاء، وضغطت بشدة على قيادة الجاليات الأفريقية في صنعاء لتسويق رواية تعفيها من أي مسؤولية عن الجريمة، واستمرت الجماعة في تحميل المنظمة الدولية للهجرة والأمم المتحدة المسؤولية الكاملة عن الحادثة، وهي اتِّهامات نفتها المنظمة الدولية للهجرة بشدة.
•عملت الحكومة اليمنية الشرعية على استثمار حادثة حرق المهاجرين الأفارقة في صنعاء لصالحها، مُحاولةً تعبئة المجتمع الدولي ضد خصومها الحوثيين الذين حملتهم مسؤولية ما حصل، بينما اكتفت إثيوبيا، التي ينتمي إليها معظم الضحايا، بالقول إنِّها "تُراقب الوضع عن كثب، وتُواصل التحقيق بشأن معرفة سبب وعدد ضحايا الحادث". وبخلاف ذلك، لم تحظَ القضية حتى الآن بتفاعُل دولي كبير يوازي فظاعة الجريمة، رغم المطالبات المتوالية بإجراء تحقيق دولي مستقل وشفاف حول الحادثة، لكشف ملابساتها ومحاسبة المتسببين بها ومعاقبتهم.
•هناك ثلاثة مسارات مُحتملة لهذه القضية، أولها، تزايُد التَّفاعُل معها وتدويلها، وصولاً إلى إدانة الحوثيين ومحاسبتهم. والثاني، نجاح الحوثيين في إغلاق القضية ضمن صفقة ما، والثالث، بقاء القضية مُعلَّقة وإفلات الحوثيين من العقاب؛ وهو أمرٌ ممكن، لاسيما في ظل ردود الفعل الدولية الضعيفة وغير الواضحة إزاء هذه الحادثة المروعة.