مفاوضات تحت التهديد: إيران في مواجهة المصير من دون أذرعها

  • عدن، الساحل الغربي:
  • 01:49 2025/04/13

دارت مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن ترعاها سلطنة عمان بصمت دبلوماسي مألوف، لكن بروح لحظة مصيرية، حيث تقف إيران وجهاً لوجه أمام إعادة صياغة وجودها الإقليمي وبرنامجها النووي، في مشهد يتسم بكثافة الضغوط وخيارات تقترب من حدود الصدام.
 
الجولة تنعقد بعد سلسلة نكسات ضربت أذرع إيران في لبنان وسوريا واليمن والعراق، وكأن طهران حضرت إلى الطاولة وقد قُلمت مخالبها، في ظل تهديد مشترك أميركي-إسرائيلي باللجوء إلى الخيار العسكري إن فشلت قنوات الدبلوماسية.. وبينما تحاول إيران استعادة "الإدراك السياسي" تتعامل إدارة ترامب مع الوقت كعدو، وتضغط نحو اتفاق سريع يشمل تفكيكاً شاملاً للبرنامج النووي وتجميداً كاملاً للدور الإيراني في الإقليم، خاصة مع بروز جماعة الحوثي كورقة طهرانية أخيرة تُستنزف تدريجياً بضربات مركّزة.
 
اللقاء الذي جمع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، عبر الوسيط العماني بدر البوسعيدي - استمر لساعتين ونصف - وأسفر عن تفاهم مبدئي لإعادة هيكلة المسار التفاوضي، بانتظار جولة جديدة الأسبوع المقبل؛ البوسعيدي تحدث عن أجواء "ودية" وسعي لاتفاق "عادل وملزم" فيما شدد ويتكوف على أن مطلب بلاده الأول هو "تفكيك البرنامج النووي" مؤكداً أن الخط الأحمر الأميركي لا يزال منع إيران من امتلاك أي قدرة نووية عسكرية.
 
لكن طهران ـ التي دخلت الجولة بعين على طاولة الحوار وأخرى على جمهورها الداخلي ـ عبّرت عن رفضها العودة إلى اتفاق 2015 مطالبة بمسار تفاوضي جديد يضمن "اتفاقاً مشرّفاً" يبدأ بخطوات متبادلة لبناء الثقة، من ضمنها الإفراج عن السجناء ورفع جزئي للعقوبات؛ طهران تدرك أن أي اتفاق مبني على منطق الاستسلام سيُسقط ما تبقى من ماء وجه النظام أمام أزمة اقتصادية خانقة وغليان داخلي متصاعد.
 
في المقابل تتعامل إسرائيل مع أي مرونة تفاوضية باعتبارها خطراً وجودياً.. فحكومة نتنياهو تصر على "النموذج الليبي": تفكيك شامل للقدرات النووية وتفكيك برنامج الصواريخ ووقف تمويل وتسليح المليشيات التابعة لطهران؛ وهي ذات الأجندة التي يتبنّاها ترامب، الذي حدد مهلة زمنية لا تتجاوز الشهرين لحسم الملف ملوّحاً بأن إيران تحاول مجدداً كسب الوقت.
 
ووسط كل ذلك تتصاعد التحذيرات من عمل عسكري وشيك، إذ كشفت تقارير استخباراتية إسرائيلية عن استعدادات لتوجيه ضربات دقيقة للمنشآت النووية الإيرانية، مدفوعة بضعف موقع إيران بعد تقهقر حزب الله وانهيار النظام السوري وانكفاء وكلائها في المنطقة؛ وأتى إرسال حاملة الطائرات الأميركية "كارل فينسن" إلى الخليج ليؤكد جدية الخيار العسكري القائم خلف المفاوضات.
 
غير أن هذه الجولة تجري في ظل غياب لافت للفاعلين العرب والأوروبيين، ما يثير مخاوف من تفرد أميركي-إيراني يعيد رسم توازنات الإقليم على حساب أمنه واستقراره؛ وقد عبّر مراقبون خليجيون عن قلقهم من تجاهل الملف الأعمق: مشروع إيران الطائفي الذي لا يقل خطراً عن مشروعها النووي، بل هو سبب شرذمة المجتمعات العربية وجرحها المفتوح.
 
هكذا تبدو مفاوضات مسقط كفرصة للنجاة من شبح الحرب.. لكن ما بعد التصعيد الأخير ليس كما قبله؛ فقد انهار مشروع "محور المقاومة" وانكشفت طهران بلا غطاء، ومع انسداد مسارات المناورة تقف إيران أمام معادلة لا تتيح ترف التذاكي القديم: إما الرضوخ... أو الضربة القاصمة.

ذات صلة