الشرعية اليمنية بين التمزيق وضرورة التوافق

07:50 2025/11/28

‏تشهد الشرعية اليمنية في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد تحدّيات مركّبة تتقاطع فيها التهديدات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل استمرار الانقلاب الحوثي الذي استهدف جوهر الجمهورية ومؤسسات الدولة. وبينما تواجه الشرعية هذا التحدّي الوجودي، يبرز سؤال جوهري:
‏هل يستطيع الصف الجمهوري لمّ شمله وتجاوز صراعاته الداخلية؟
‏أم أن استمرار تمزّق الشرعية يفتح المجال واسعاً أمام تمدد المشروع الحوثي وتهديد مستقبل اليمن؟

*أولاً: الشرعية بين التعدد السياسي والتمزيق الداخلي*

‏من الطبيعي أن تتعدد القوى السياسية ضمن الإطار الجمهوري، وأن تتنافس برامجها في إطار الدولة ومؤسساتها. غير أن ما نعيشه اليوم تجاوز حدود التباين السياسي إلى مستوى التمزق المهدّد لبنية الشرعية نفسها. فقد أدى تضارب المصالح، وتشتت القرار، وتعدد مراكز النفوذ، إلى إضعاف قدرة الشرعية على إدارة المعركة السياسية والعسكرية والخدمية.

‏ومع استمرار الانقسام بين مكوّنات الشرعية—سواء في الميدان أو المؤسسات أو الخطاب السياسي—أصبح المشروع الجمهوري مهدداً، وباتت الصورة أمام المجتمع الدولي والمواطن اليمني مرتبكة، ما يمنح الحوثيين مساحة لاستغلال هذا الاضطراب في ترسيخ سلطتهم الانقلابية.

*ثانياً: مخاطر الانقسام على مستقبل الدولة اليمنية*

‏التمزّق الداخلي لا يمثل مجرد إضعاف للحكومة الشرعية، بل هو خطر استراتيجي يمس جوهر الدولة اليمنية ووحدة أراضيها. فكل فراغ أو ضعف في مناطق الشرعية يُترجم تلقائياً إلى مكاسب سياسية أو عسكرية للحركة الحوثية.

‏وتتجلى هذه المخاطر في:
‏ • فقدان الشرعية القدرة على اتخاذ قرار مركزي موحد.
‏ • ضعف حضورها في المحافظات المحررة، وانعكاس ذلك على حياة المواطنين.
‏ • تراجع الثقة الدولية في فعاليتها السياسية والإدارية.
‏ • فتح المجال لنمو أجندات شخصية أو فئوية على حساب المصلحة الوطنية.
‏ • تراجع الروح المعنوية للمقاتلين والموظفين والشارع العام.

‏ومقابل ذلك، يستفيد الحوثيون من أي انقسام بتعزيز خطابهم وإحكام قبضتهم الأمنية والعسكرية.

*ثالثاً: الحاجة الملحّة لاصطفاف جمهوري واحد*
‏إن المرحلة الحالية لا تحتمل رفاهية الخصومات السياسية أو النزاعات البينية داخل الصف الجمهوري. فالمعركة الحقيقية ليست بين القوى السياسية التي تتبنى النهج الجمهوري، بل بين المشروعين: مشروع الدولة اليمنية ومشروع الإمامة الحوثية.
‏ولذا، يصبح الاصطفاف الجمهوري ليس خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة وجودية يفرضها الواقع وتستدعيها التحديات.

*مقومات الاصطفاف الوطني الجمهوري:*
‏ 1. توحيد القرار السياسي والعسكري ضمن إطار الشرعية والمؤسسات الرسمية.
‏ 2. الابتعاد عن المناكفات والتركيز على الأولويات الوطنية.
‏ 3. إصلاح المؤسسات وتعزيز الشفافية والحوكمة.
‏ 4. بناء شراكة حقيقية بين القوى الجمهورية على أساس المصالح العليا للدولة.
‏ 5. مواجهة المشروع الحوثي بخطاب جمهوري موحّد يعزز الثقة الشعبية والدعم الإقليمي والدولي.

*رابعاً: مسؤولية الشرعية وواجب الإصلاح الداخلي*

‏الشرعية، بوصفها الممثل الرسمي للدولة اليمنية، مطالبة اليوم بأكثر من أي وقت مضى بإجراء إصلاحات عميقة داخل بنيتها، والانتقال من إدارة الخلافات إلى إدارة الدولة.
‏ويتطلب ذلك:
‏ • تفعيل مؤسسات الدولة وتعزيز حضورها في المحافظات المحررة.
‏ • إعادة بناء النموذج الإداري والخدمي بما يعيد ثقة المواطن.
‏ • إعادة صياغة التحالفات داخل الإطار الجمهوري وفق أسس وطنية واضحة.
‏ • القطع مع العبث السياسي وممارسات الإقصاء.

*خامساً: الاصطفاف الجمهوري ضمانة لمستقبل اليمن*
‏إن وحدة الصف الجمهوري ليست شعاراً سياسياً عابراً، بل الضمانة الوحيدة لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي.
‏فالتجارب التاريخية أثبتت أن اليمنيين ينتصرون حين يتوحدون، وأن الانقسامات كانت دائماً المدخل الرئيسي لضعف الدولة وتفككها.

‏وفي ظل ظروف الحرب الراهنة، فإن التماسك الجمهوري ليس مجرد عامل قوة، بل شرط أساسي لبقاء الجمهورية اليمنية وحماية سيادتها.

‏⁧‫*خاتمة*‬⁩
‏تقف اليمن اليوم على مفترق طرق حساس:
‏إما التمزق الذي يفتح الأبواب للمشروع الحوثي ويهدد مستقبل الدولة،
‏وإما التوافق الوطني الجمهوري الذي يعيد للشرعية قوتها وفاعليتها، ويوحد جهود اليمنيين لاستعادة دولتهم.
‏إن اللحظة التاريخية تفرض على كل القوى الجمهورية أن تسمو فوق خلافاتها، وأن تدرك أن المعركة الحقيقية هي مع من يقوّض أسس الدولة، لا مع الشركاء الذين يؤمنون بالجمهورية والديمقراطية وسيادة القانون.
‏وحده الصف الجمهوري الموحّد هو الطريق نحو استعادة اليمن، وحماية هويته، وفتح أفق السلام العادل والدائم.