ما لكم كيف تحكمون؟

03:18 2020/11/22

ينفذون، بالجملة لا بالتجزئة، القصاص في حق مغتصبين وقتلة وسرق؛ لكي يشتروا قلوب العامة من الناس تحت غطاء تطبيق شريعة الله، وهذا الصنيع، الذي أجزم بأنه غير خالص لوجه الله، كان سيغدو فعلاً حسنا ومرحباً به فيما لو جاء في غير هذا الظرف الصراعي على السلطة. أما أن تنفذ هذه الأحكام بهذا الكم وبهذه السرعة وبهذه الطريقة العلنية التي توسع من دائرة علنيتها وتضخم من كذبة تطبيق شريعة الله وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، فليس لهذه الممارسة إلا قراءة واحدة لا تخرج عن استثمار ما بأيديهم من سلطات في الترويج لأنفسهم واستقطاب بسطاء الناس وعامتهم إليهم وإقناعهم بمصداقية مشروعهم، ولكن هذا الفعل التضليلي يظل مكشوفاً لأغلبية اليمنيين؛ لأن الثقة في مصداقية ما يصنعونه تنعدم حينما تثار أسئلة من قبيل: لماذا هذا الحرص على العلن والسرعة في التنفيذ في هذا التوقيت وهذا الظرف بالذات؟ ولماذا هذا التطبيل والتهليل والتهويل الإعلامي لما نفذوه بينما كان ينفذ في زمن من جاؤوا قبلهم بصمت يشابه صمت دولة القانون؟ ولماذا تطبق أحكام الشريعة على هؤلاء العامة ويتم التغاضي عن القتلة والمغتصبين والسرق الكبار أو الصغار الذين اغتصبوا الوطن بالقوة والإكراه وقتلوا أبناءه بدون وجه حق وسرقوا خزينة الدولة وأرزاق الناس ورواتبهم وأراضيهم في الماضي القريب والحاضر الراهن من قبل أناس منهم أو ممن كان قبلهم؟ 
 
لا بد أن معظم اليمنيين يعون أن هذا الفعل ليس سوى ذر للرماد في العيون أو سعي مفضوح لحجب شمس الحقيقة بوضع حبة فاصوليا أمام بؤبؤ العين؛ لذا نجدهم يعبرون بلغة شعبية بسيطة تضمر كل هذا التفصيل حينما يرددون، بألم ممض وتذمر ساخط وساخر، صيغة المثل الشعبي اليمني الآتي: "إذا غريمك القاضي من تشارع" أو "يد سارق السر تقطع يد سارق العلن" والمثل العربي الأخير أكثر تمثيلاً لما أردت إيصاله.
 
لقد سارعوا إلى تنفيذ العقوبة وتناسوا واجبهم تجاه القضاء على الأسباب التي أدت إلى الجريمة، كما راهنوا على جهل الناس بفحوى عقيدتهم التي تتأسس على مبدأ الخروج على الحاكم الظالم، وتغافلوا عن أن هؤلاء البسطاء يعون بالحدس، إن غاب عنهم العلم، أنهم وضعوا أيديهم في يدي من خرجوا عليه في 2011م، وهذا، لعمري، هو ما يشعر الناس بزيف خطاباتهم وممارساتهم، ويجعلهم ينفرون منهم ومن شعاراتهم ومشروعهم، هذا إذا لم نقل إنه يحملهم على أن يروا فيمن خرجوا عليه يوماً ما مصداقية أكبر وتمثيلاً أكثر لما يؤملون رغم كل ما يحسب عليه.