كيف تعمل مليشيا الحوثي على "استيطان العقول" وما طرق التصدي؟

  • الساحل الغربي، حسين الفضلي:
  • 05:28 2022/11/22

تعمل مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على مفاصل الدولة على استهداف فئة الأطفال في عدة محاور أساسية؛ أسوأها استهدافهم فكرياً تحت مسميات متعددة أبرزها المخيمات الصيفية والدورات الثقافية التي تنظمها المليشيا، بالإضافة إلى تغيير المناهج الدراسية بمناطق سيطرتها.
 
تهدف المليشيا من خلال هذه الخطوات إلى تفخيخ عقول الأطفال فكرياً، وتعبئتهم بأفكار تحمل طابعاً طائفياً وكهنوتياً بغيضاً، لكي يكونوا لها بمثابة مصنع متفجرات مستقبلية ومخزون عسكري تواجه بهم خصومها.
 
هذه المشاريع السلالية التي تستهدف الأطفال في اليمن خلفت وراءها الكثير من الآثار النفسية السلبية لدى الأطفال والقصص المأساوية لمئات الأسر في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية.
 
استغلال الأطفال وجرهم للمعارك
 
خلال هذه المشاريع التعبوية التي تغسل المليشيا فيها عقول الأطفال لتنفيذ أجندة كهنوتية مختلفة سواءً في اقتيادهم إلى جبهات القتال أو لتنفيذ مخططات عدة، تجرهم بها لمحارق الموت المبكر.
 
تسرد "أم محمد" مأساتها للساحل الغربي، وتقول: غرسوا في عقل ابني الوحيد أفكارهم في دوراتهم الثقافية وفي المدرسة ومن ثم قادوه إلى الجبهات دون علمي.
 
نحجت المليشيا الحوثية في اقتياد محمد، البالغ من العمر 12 عاماً، إلى جبهات القتال بعد أن سممت دماغه في مراكزها الصيفية وفي المدرسة عبر غرس أفكارها في عقول الأطفال ليذهب معهم إلى جبهات القتال سراً دون علم والدته التي تركها وحيدة في البيت.
 
تضيف "أم محمد"، وهي تغالب الدموع في عينيها: لم أعلم بذهابه إلى جبهات القتال مع الحوثيين إلا من زملائه أعادوه لي بعد شهرين جثة. توقفت أم محمد عن الحديث تندب حظها بالدموع وترثي نفسها بها كون المليشيات اصطحبت ابنها إلى خطوط الموت دون علمها ليعودوا به جثة هامدة بعد شهرين من غيابه.
 
لم يكن محمد الطفل الوحيد الذي راح ضحية نتيجة لاستهداف الأطفال فكرياً، وإنما هناك الكثير ممن تقتادهم المليشيا إلى جبهات القتال بعد خداعهم فكريا وتعبئتهم بأفكار إرهابية سلالية تحمل في ظاهرها الدين وباطنها سموم الإرهاب والموت والخراب.
 
لماذا فئة الأطفال؟
 
تكرس المليشيا الحوثية موازنات ضخمة لتنفيذ مشاريعها الفكرية تجاه الأطفال حيث تعد هذه الفئة هي الحلقة الأضعف في المجتمع اليمني والأكثر ضررا بحروب المليشيا الحوثية منذ أكثر من ثماني سنوات متتالية.
 
بهذا الخصوص يقول محمد سعيد، للساحل الغربي، إن المليشيا الحوثية توجه مشاريعها الفكرية للأطفال لأنها تعرف أن ليس لها قبول في المجتمع اليمني بمختلف فئاته وتوجهاته ومن هم في صفها، إنما دفعهم لذلك الخوف من البطش، لذلك تحاول أن تغرس أفكارها في جيل المستقبل حتى يكون لها قبول بينهم مستقبلاً.
 
وتسهم المليشيا في استهداف عقول الأطفال بشكل مباشر وعلني في خطوات أكثر جرأة من سابقاتها، بدأت المليشيا بالدورات الثقافية ومن ثم بالمراكز الصيفية ومن ثم إدراج أفكارها في المناهج لتعلن مؤخرا في التحريف الكامل للمناهج الدراسية، الأمر الذي يجعل من عقول الأطفال تحت سيطرتهم.
 
استهداف الهوية اليمانية
 
تحرص المليشيا الحوثية في تعبئتها السلالية لعقول الأطفال على تحريف المبادئ والقيم الوطنية التي تربى عليها الأطفال بفطرتهم اليمانية السليمة وتغرس بدلا منها قيم ومفاهيم سلالية خاطئة ودخيلة على بلادنا.
 
في هذا الشأن يقول الدكتور منصور القدسي أستاذ في قسمي الإعلام بجامعتي تعز والحديدة: تحرص المليشيات الحوثية على تفخيخ عقول الأطفال عبر تغيير المناهج الدراسية وعقد المخيمات الصيفية والدورات الثقافية التي تقيمها للأطفال وتستهدف من خلالها الهوية اليمانية وتروج للهوية الإيرانية تحت مسمى الهوية الإيمانية.
 
ويضيف القدسي، في حديثه للساحل الغربي، إن الخطورة تكمن في استهداف الهوية اليمانية وغرس مفاهيم الهوية الإيرانية لدى أطفال المدارس ويتجلى ذلك من خلال تغيير المناهج الدراسية التي تمثل هوية أمة ويعد توجها تدميريا خطيرا يعمل على تحريف الهوية اليمنية.
 
غياب الدور الحكومي
 
ساهم غياب دور الجهات المسؤولة في الحكومة الشرعية والقوى المناهضة للمليشيا في تمادي المليشيا أكثر في هذا الجانب حيث تعمل على إصدار قرارات تلو أخرى في هذا الجانب دون أن تجد مواجهة حقيقية على كافة الأصعدة.
 
وتمثلت قرارات الحوثي في تغيير المناهج الدراسية التي تعد هوية للأمة اليمنية واستبدلتها بمناهج طائفية سلالية تروج للهوية الإيرانية وتغرسها في نفوس الأطفال، بالإضافة إلى قرارات أخرى تستهدف الهوية مثل المدونة الوظيفية وغيرها.
 
في الشأن ذاته يقول الدكتور منصور القدسي: تقوم المليشيا الحوثية بمشاريع فكرية خطيرة تستهدف الهوية اليمنية وتروج للمذهب الإثناعشري غير المتعايش، كما تعمل على تحويل القبيلة من مكون اجتماعي قابل للتعايش إلى لغم طائفي، وتستغل الأطفال لذلك في ما تسميها بالتعبئة الثقافية في ظل عدم أي سياسة واضحة من الحكومة الشرعية لمواجهة ذلك.
 
ولا تعي الجهات المسؤولة في الحكومة الشرعية والمكونات المناوئة لمشروع الحوثي خطورة هذا الذي يستهدف الهوية الوطنية الجامعة لليمنين وإحلال هوية تخدم أجندة إيرانية تهدف لزعزعة أمن واستقرار اليمن. حد قول القدسي.
 
آثار كارثية
 
ينتج عن هذه المشاريع التعبوية لعقول الأطفال آثار كارثية تهدد حياة اليمنيين ككل وتحدد بدورها الآفاق المستقبلية لليمن بكاملها، هذه الآثار تخلف وراءها العديد من المآسي، حيث نعيشها اليوم في واقعنا المرير ونتجرع مرارتها بفضل المليشيات الحوثية والتي قد تحدق بالجميع على المدى الطويل.
 
يشرح لبيب سعيد، جانبا من آثار هذه المشاريع على أبنائه أثناء عيشه في صنعاء، فيقول للساحل الغربي: كنت أعيش مع أسرتي في صنعاء، بدأت المليشيا تأخذ أبنائي إلى دورات ثقافية ومراكز صيفية، وما لم أتوقعه استطاعوا تغيير تفكير الأطفال وسلوكياتهم، حيث ظهرت لديهم أفكار طائفية ورغبة في الالتحاق بصفوف المليشيا للقتال مما جعلني أمنعهم من الذهاب لهذه الدورات والمراكز.
 
في البداية كان لبيب يسمح لأطفاله بالذهاب للمراكز خشية منه في اتهامهم له بالتعامل مع "العدوان" أو غيرها من التهم التي يلصقونها لمن يعترضون، لكنه عندما لاحظ تغيير سلوكيات أطفاله منعهم من الذهاب لهذه المراكز، لكن تغيير المناهج الدراسية وإدخال الفكر السلالي لها جعله يغادر صنعاء ويتجه بأطفاله إلى مناطق الشرعية ليتعلموا دون خوف عليهم أو على مستقبلهم.
 
ويضيف لبيب: أثناء تلقي أبنائي للفكر السلالي عادوا لي بقالب حياة جديدة، أكثر عدوانية يحملون أفكارا إرهابية، غيروا من طموحهم وأحلامهم فبدلا من أن كان يحلم بأن يكون دكتورا أصبح يحلم أن يحمل السلاح ويكون مقاتلا.
 
يقول استاذ علم النفس بجامعة تعز الدكتور فؤاد العامري للساحل الغربي، يعمل الحوثيون على تشكيل عقول الأطفال، سواءً من خلال الدورات أو تغيير المناهج الدراسية الأمر الذي يؤثر في نفوس الأطفال وعلى سلوكياتهم مستقبلا.
 
ويضيف، إن الأثر النفسي للأطفال كبير جدا حيث يولد اضطرابات نفسية للأطفال ويكون أثرها أكبر في المستقبل منها عدم تطابق بين الواقع وما اكتسبوه من تعليم، كما يودي إلى شعورهم بعدم الأمن النفسي وعدم الاستقرار والشعور بالنقص، وهذا يعني أن يكون سلوكهم عدوانيا ضد المجتمع.
 
حلول 
 
وخلال عملية البحث حول المشروع الثقافي الخبيث الذي يستهدف الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين والتي تغرسه المليشيات الحوثية في عقول الأطفال واجهنا العديد من الآراء كحلول ومقترحات للتصدي للمشروع السلالي بطرق مختلفة. 
 
حيث يرى المختصون أنها تتم عن طريق غرس جذور الهوية الوطنية في نفوس الأطفال ومتابعتهم نفسيا ومن ثم كشف خفايا هذا المشروع ومخاطره للمواطنين كافة. 
 
يقول الدكتور فؤاد العامري أستاذ علم النفس بجامعة تعز: إن طرق مواجهة هذه المشاريع تكون بنفس طريقة تعديل المفاهيم الخاطئة وبناء الثقة بالنفس وإشعار الأطفال بالأمن النفسي، ومن خلال تصحيح المفاهيم الخاطئة وتوضيحها للأطفال نستطيع المواجهة وكل شيء قائم على التعلم.
 
من جهته يرى الدكتور منصور القدسي، أن على الحكومة الشرعية أن تعد خطة إعلامية لكشف هذا المخطط الخبيث وبناء وعي وطني للمواطنين وتوعيتهم بخفايا هذا المشروع، ومن ثم السعي عبر المحافل الدولية والمنظمات الدولية لتجريم هذا السلوك الحوثي الذي يستهدف الأطفال والذي لا يقل خطورة عن مشروع داعش والقاعدة.
 
ويقول القدسي: على عاتق وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي في الحكومة الشرعية واجب أخلاقي في الضغط والتحرك من أجل كشف هذا التوجه الخطير، وشدد على الأسر ضرورة التنبه لهذه الخطورة التي تستهدف بها المليشيا أطفالهم وتقحمهم في معاركها ضد الجمهورية.

ذات صلة