إب 100 عام مقاومة... "الانتفاضة العُقابية" في حُبيش لمواجهة التوغل الإمامي (1)
- بلال الطيب
- 01:02 2022/10/31
حُبيش.. قِصة صُمود، ومَكمن رفض، وفاتحة مَجد، وأصل تحدِ، تَوزعت على مُرتفعاتها الشهباء بُطولات أجيال وحِقب، وتهاوت في أوديتها الخضراء مَراتب ورُتب، وتَهادت من سُفوحها الخضراء عَبرات وعِبر؛ ولهذه الاعتبارات وغيرها، وقع اختيارها لمُواجهة التوغل الإمامي المُتوكلي في لحظاته الأولى، فأدت دورها المرسوم بعناية، ولولا الخذلان الذي اعترى انتفاضتها المائزة تلك، والخيانة التي لازمت نهايتها، لكانت أوقفت ذلك التوغل، وطمست مَلامح أربعة عُقود من الاعتساف والظلم.
حُبيش وبس
ما أنْ قام الإمام يحيى حميد الدين بإرسال مَجاميع قبلية لإخضاع مناطق اليمن الوسطى (تعز، وإب)، حتى حَصل في تلك المناطق الاضطراب، لتأتي انتفاضة حبيش تحت قيادة الشيخ الشاب محمد عايض العقاب، وبدعم وتحفيز من بعض المشايخ، وتُغَير من سياسة ذلك الإمام التوسعية؛ فلم يعد ذلك الطامح المُهادن، الباحث بالرسائل والأعطيات المحدودة عن ولاء مشايخ القبائل، كشر هذه المرة عن أنيابه، وأظهر صورته الحقيقية دون رتوش.
كانت انتفاضة حُبيش العارمة، ذريعة الغزو الإمامي بِصورته الفظيعة، وقع الاختيار حينها للذئب الأسود علي بن عبدالله الوزير أنْ يكون أميرًا للجيش، وصدر – كما أفاد المُؤرخ عبدالكريم مطهر – الأمر المُتوكلي إليه بتأديب المُخالفين من أهل حبيش، وإصلاح جهات اليمن الأسفل، وضمها بالقوة لحضيرة الدولة الإمامية.
من جِهته قال المُؤرخ أحمد الوزير إنَّ الإمام يحيى خاطب الأمير علي الوزير قائلًا: «لا تعمل شيئًا سوى إخضاع حُبيش، وعندما تنتهي منها لا مانع من أنْ تكتب لمشايخ العدين، وتطلبهم إليك، فإذا امتنعوا عن إجابة الطلب، فلا تفتح معهم حَربًا، ولا مع أحد، وأنَّه لا بد من تعز، ولكن عندما يحين الوقت المناسب»، وأضاف ذات المُؤرخ أنَّه – أي الإمام – عندما ودع عمه الأمير همس في أذنه قائلًا: «حُبيش وبس».
وبين هذا القول وذاك، تبقى رواية المُؤرخ مطهر هي الأقرب للحقيقة؛ لاعتبارات عِدة، أهمها أنَّ المُؤرخ أحمد الوزير أصبغ على الإمام يحيى صفة القائد المُتردد، وأصبغ على علي الوزير صفه القائد المُبادر، الذي سيطر على حبيش وما بعد حبيش بجهوده الذاتية، مُعرضًا في ذات الوقت بقادة آخرين فشلوا في حين نجح عمه الأمير، وقال في حق الأخير: «لم يُشْعِر الأمير الإمام بشيء من تحركاته القادمة بعد حُبيش، وقد اتخذ كل قرارته بدون أنْ يعلم عنها الإمام شيئًا»!
وهكذا، وبتكليف من الإمام يحيى، خرج الأمير علي الوزير من صنعاء، ومعه 3,000 مُقاتل من الجيش البراني، مُعظمهم من خولان، وبلوكين من الجيش النظامي، ومدفعين رشاشين، وقيل أكثر من ذلك، وما يحتاج إليه من عُدة الحرب، خَرج لتأديب حُبيش، حُبيش التي ثارت تحت قيادة الشيخ محمد عايض العقاب.
كان الشيخ العقاب أحد مشايخ المناطق الوسطى الذين توجهوا لمُقابلة الإمام يحيى فور دخوله صنعاء 19نوفمبر 1918م، وكان أيضًا من أوائل المشايخ الذين رفضوا الدخول في طاعة ذلك الإمام، ونُقل عنه – كما أفاد الباحث علي محمد عبده – قوله بعد مغادرته المقام الإمامي الشريف: «والله لن يحكمني أناس بِهذه الوحشية».
قام الشيخ العقاب في بداية العام التالي ومعه عدد من أبناء منطقته بالهجوم على العساكر الإماميين المُتواجدين في جبل حُبيش، قتل منهم عشرة، وقيل أكثر، وحاصر الباقين ومعهم قائدهم حاكم الجبل القاضي عبدالله بن محمد يونس في مركز الناحية (ظَلْمَة)، وتحديدًا في دار الحكومة التي بناها الأتراك.
أرسل سيف الإسلام أحمد بن قاسم حميد الدين المُتواجد حينها في مدينة إب بقوات إمامية إلى تلك الجهة، تحت قيادة شقيقه عبدالله، وقد تَعرضت هي نفسها للهزيمة، ثم للحصار، وذلك بعد أنْ خاضت مع الثوار مُواجهات شرسة، أوجزها المُؤرخ مُطهر بقوله: «وكانت الحروب بين المُخالفين من أهل حُبيش، وجنود الإمام.. مُستمرة، والمحطات بهم محُدقة، ولكن الجند الإمامي لم يتيسر له إخماد نيران بغيهم وجهلهم، والانتصاف منهم بما ارتكبوه من عظيم الإثم، والفتك بالمجاهدين غيلة.. ولم تُحلِ الوقائع بين الفريقين عن مَعارك قُتل فيها من الباغين جماعة».
تَدخل خِلال مُواجهات هذه الجولة شيخ المخادر أحمد بن صالح الصبري، ومحمد عبدالواحد من مشايخ إب، وقاما بالتوسط بين الجانبين، وتمكنا – كما جاء في إحدى التقارير البريطانية – من إقناع الثوار برفع الحصار عن حاكم حُبيش القاضي عبدالله يونس، وقواته، والسماح لهم بمُغادرة ظَلْمَة؛ شريطة انسحاب القوات الإمامية من أطراف تلك الناحية، وأنْ لا تقوم بأي عمل عِدائي كرد فعل على الحادثة الأولى، وهذه الجزئية تجعلنا نجزم أنَّ هذه العملية تمت قبل هجوم القوات المُنقذة (قوات عبدالله حميد الدين)، وبتوصيف أدق قبل خرق تلك القوات لتلك الاتفاقية.
... يتبع