نص إحاطة مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ 14 ديسمبر
نيويورك/ الأمم المتحدة:
03:08 2021/12/15
14 ديسمبر 2021| إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، السيد هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن
شكرًا سيدي الرئيس،
السيد الرئيس، كما سبق أن ذكرت مؤخرًا في دعوتي لضبط النفس، فإني قلق للغاية بشأن استمرار التصعيد العسكري وأعمال العنف في اليمن. منذ أن خاطبت هذا المجلس في المرة الأخيرة، تصاعدت حدة النزاع بشكل كبير لينذر بخطر فتح فصل جديد من الحرب في اليمن قد يكون أكثر تشظيًا ودموية. وقد أقر بهذا الخطر نطاق واسع من المتحاورين اليمنيين والإقليميين. ومع ذلك، رغم إعراب جميع الأطراف المتحاربة لي عن رغبتهم في السلام، ما زال تركيزهم منصبًا على الخيارات العسكرية. وقد ذكرت من جهتي بوضوح أنَّ الخيارات العسكرية لن تؤدي إلى حلول مستدامة. هناك حاجة عاجلة لضبط النفس وخفض التصعيد والحوار.
وقبل المضي قدمًا للحديث عن مناقشاتي ونتائجها، اسمح لي أولاً أن ألخص بعضًا من أهم الأحداث التي وقعت منذ إحاطتي الأخيرة.
في الحديدة، في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، أخلت القوات المشتركة الموالية للحكومة اليمنية مواقعها في أجزاء كبيرة من المحافظة. وإثر ذلك، فرضت أنصار الله سيطرتها مباشرة على معظم المواقع التي تم إخلائها. وأدى ذلك إلى حدوث تغيير كبير في جبهات المواجهة في المحافظة. وفي أول أسبوعين بعد الانسحاب، أصبحت الجبهات الجديدة في المديريات الجنوبية للحديدة محلَّ نزاع عالي الوتيرة بين الأطراف مستخدمين في سبيل ذلك المدفعية الثقيلة والضربات الجوية. وبينما شهدت الأعمال العدائية انخفاضًا ملحوظًا في بداية هذا الشهر، لا يزال الأثر الواقع على المدنيين مصدر قلق مع تقارير تفيد وقوع الضحايا في صفوف المدنيين وتهجير آلاف العائلات منذ الانسحاب.
بينما احتلت المواجهات في الساحل الغربي صدارة الاهتمام بشكل مؤقت، استمرت المعركة الحيوية للسيطرة على مأرب. وازدادت حدة القتال مع تجديد أنصار الله الضغط من أجل السيطرة المدينة والحقول النفطية في المحافظة، بينما زاد التحالف من ضرباته الجوية دعمًا للحكومة اليمنية. وما زلتُ قَلِقًا من احتمالية وقوع الحرب في المناطق الحضرية في المدينة، وسيكون لذلك إن حدث تبعات مروعة على المدنيين. كما تتسبب حملة أنصار الله العسكرية على مأرب في تداعيات مقلقة عبر الجبهات الأخرى. وفي لقاءاتي مع الأطراف، شدَّدت على الحاجة العاجلة لخفض التصعيد و لتدابير عاجلة لحماية المدنيين.
إن اشتداد القتال وتحول خطوط المواجهة يعرض المدنيين للخطر ويجبرهم في كثير من الحالات على الفرار للمرة الثانية أو حتى الثالثة. وإنني قلق من التصعيد العسكري من قبل جميع جهات النزاع في اليمن. إن الاستخدام المتزايد للمدفعية والصواريخ والضربات الجوية يعرض أرواح المدنيين والبنية التحتية والخدمات للخطر. وإنني قلق أيضًا من الهجمات الموجهة ضد المملكة العربية السعودية التي تستهدف البنى التحتية المدنية والتجارية. ويعد تنفيذ الإعدام بإجراءات موجزة في الساحل الغربي لعشرة أفراد ينتمون إلى قوات الأمن المحلية في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، الذي أدانته الأمم المتحدة، مثالاً آخر على التجاهل المقلق للقانون الدولي في هذا النزاع. وهنا أود التذكير، السيد الرئيس، أنَّ الحروب لها قواعد. فجميع الفاعلين في النزاع، سواء المشاركين بشكل مباشر أو الداعمين، مسؤولون وتقع عليهم التزامات بموجب القانون الدولي الإنساني، بما يتضمن حماية المدنيين والمعاملة الإنسانية لأسرى الحرب.
بهذا الخصوص، رأينا ارتفاعًا في أعداد المحتجزين لدى أطراف النِّزاع. وما زال مكتبي على تواصل مستمر مع الأطراف لترتيب الجمع بينهم من أجل تيسير الوفاء بالتزاماتهم بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع وفق ما تعهدوا به من التزامات في اتفاق ستوكهولم.
السيد الرئيس، اسمح لي أن أسلط الضوء على الموضوع الذي يستمر في تصدر أولويات جميع اليمنيين الذين تحاورت معهم. الاقتصاد. لقد سمعت تعبيرات قوية عن الإحباط واليأس في عدن وتعز وجميع المناطق الأخرى التي التقيت فيها باليمنيين من رجال ونساء. ففي عدن والمحافظات المجاورة، تدنت قيمة صرف الريال اليمني إلى مستويات غير مسبوقة مقابل العملات الأجنبية ما أدى إلى مزيد من الاستنزاف للقوة الشرائية للمواطنين. ومع أنَّ معدل سعر الصرف يخضع لقدر أكبر من السيطرة في صنعاء، ما زالت الصعوبات الاقتصادية شديدة الحدة، وما زال التضخم يفرض تحديًا، والناس يحتاجون إلى رواتبهم. كما أنَّ تكلفة تحويل الريال اليمني من عدن إلى صنعاء ارتفعت ارتفاعًا هائلاً ما يضع أعباءً كبيرة على القطاع الخاص وعلى اليمنيين ممن يعيلون أسرهم في أجزاء مختلفة من اليمن. وتحدثت سيدات الأعمال اليمنيات خلال المشاورات غير الرسمية التي أجريتها مؤخرًا عن التحديات الهائلة التي يواجهنها في تصريف أعمالهن. وأود تذكير الجميع بالتراجع الشديد في حقوق المرأة نتيجة النزاع، وهو الوضع الذي ازداد سوءً بسبب الانهيار الاقتصادي.
كما سيوضح الأمين العام المساعد راميش راجاسينغهام، هناك حاجة عاجلة إلى خفض التصعيد الاقتصادي و إلى إصلاحات أوسع نطاقًا لتحسين سبل كسب الرزق وخفض تكلفة السلع وحماية العملة. وقد نفَّذت الحكومة اليمنية مؤخرًا بعض الإصلاحات بما فيها ما يرتبط بمجلس محافظي البنك المركزي في عدن. وآمل أن تفتح هذه الخطوات الباب أمام مزيد من الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. وهناك حاجة عاجلة أيضًا لمعالجة الاحتياجات الاقتصادية للبلاد ككل، ويتطلب ذلك مشاركة حقيقية من جميع المعنيين اليمنيين وتنسيقًا ضمن المجتمع الدولي للعثور على الحلول.
في شأن التحديات الهائلة التي تواجه اليمنيين في تصريف أمورهم الحياتية اليومية، يؤسفني أن أضطر إلى تسليط الضوء مجددًا على استمرار القيود المفروضة على حرية حركة الأفراد والبضائع في التسبب في صعوبات هائلة لعموم اليمنيين، خصوصًا النساء. ففي تعز، سمعت ورأيت بنفسي كيف يتسبب إغلاق الطرق وإقامة نقاط التفتيش في إعاقة قدرة المواطنين على الحصول على الرعاية الصحية والتعليم وفرص التجارة. يجب أن يتم فتح الطرق. بالمثل، يجب أن يعاد فتح مطار صنعاء. تستمر العوائق أمام استيراد الوقود وتوزيعه محليًا في التسبب أيضًا في صعوبات للمدنيين، ويجب إزالة تلك العوائق، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، رفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة. إن مشكلة حركة الأفراد والبضائع ليست محدودة جغرافيًا، بل هي مسألة خطيرة تؤثر على جميع أنحاء البلاد ولا بد لأطراف النزاع من التصدي لها بجدية، كما ينبغي على المجتمع الدولي تقديم الدعم في هذا الصدد.
أما الأمر الأخير بشأن آخر التطورات، فأود أن أضيف أن احتجاز موظفي الأمم المتحدة هو أمر مخيب للآمال، وهو الأمر الذي سوف يعلق عليه الأمين العام المساعد راميش راجاسينغهام في إحاطته.
السيد الرئيس، اسمح لي الآن أن أعود للحديث عما انخرطت فيه من نقاشات وحوارات حتى الآن والخلاصات التي توصلت إليها. لقد كرَّستُ الأشهر الثلاثة الأولى منذ توليت مهامي بما يتفق مع الخطوط العريضة التي قدمتها في إحاطتي الأولى أمام هذا المجلس.
وكان الهدف الرئيسي هو التحاور مع مجموعات متنوعة من اليمنيين لبحث سبل عكس المسار التصعيدي الحالي والبدء بعملية سياسية. وتضمن ذلك عقدي للعديد من الاجتماعات داخل اليمن وفي المنطقة. وقد اتَّسمت النقاشات في الغالب بالصعوبة، ما يؤكد تعقيدات وخطورة النزاع. وقد ظهر في حواراتي بوضوح شعور يمكن تفهمه من الإحباط واليأس في ضوء عدم تحقيق الجهود السابقة للنتائج المرجوة.
أمَّا الهدف الثاني منذ أن توليت مهامي فقد تمثل في إقامة علاقات مقربة تتسم بالثقة مع الدول الأعضاء في المنطقة سعيًا لدعمهم في الوصول إلى عملية سياسية. وقد تحاورت أيضًا مع أعضاء من هذا المجلس حول هذه الأمور وأنا ممتن لما عبروا عنه من دعم لجهودي.
إنَّ الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية للوصول إلى اتفاق قائم على الشروط المسبَّقة لأطراف النزاع لم تؤد لنتائج بعد. من وجهة نظري، فإن السبب في ذلك هو أنَّ شروط الأطراف مرتبطة بقضايا سياسية لا يمكن التصدي لها إلا من خلال محادثات أكثر شمولية. لذلك، دعونا نتحدث بصراحة. بما أنَّ الأطراف لم يلتقوا بعد لمناقشة قضايا أوسع نطاقًا خلال السنوات الخمس الماضية، يصبح تأسيس عملية سياسية متجددة مهمة معقدة. ومع استمرار النزاع دون هوادة منذ محادثات الكويت في عام 2016، ازدادت الفجوات بين الأطراف اتساعًا. ولتأسيس محادثات بنَّاءة حول طريق المضي قدمًا، لابد من الوصول إلى بعض التفاهمات المشتركة. وفي هذا السياق، أود التذكير بأنَّ الالتزام الجدي بالسلام يتطلب على أقل تقدير منح المبعوث الخاص إمكانية الوصول المنتظم غير المقيد بشروط. ولا بد من الإبقاء على جميع قنوات الاتصال مفتوحة إذا ما أردنا أن تكون لدينا أي فرصة للتوصل إلى حل مستدام لهذا النزاع.
السيد الرئيس، مع تزايد حدة النزاع، وعلى ضوء النقاشات التي أجريتها مع اليمنيين وغيرهم خلال الأشهر الماضية، إنني على اقتناع بضرورة اتباع مقاربة شاملة. وقد توصلت إلى عدد من الخلاصات حول طريق المضي قدمًا.
أولاً، الحلول الجزئية لن تقدم في أفضل الأحوال إلا التفريج المؤقت، ولن تؤدي إلى سلام مستدام. لا بد من معالجة الاحتياجات والأولويات العاجلة ضمن سياق عملية تتوجه نحو تسوية سياسية شاملة.
ثانيًا، لن يكون الحل مستدامًا إذا لم يمثل مصالح مختلف اليمنيين سواء كانوا مشاركين في القتال أم غير مشاركين. وعلينا أن نعمل نحو سلام عادل ومستدام وليس نحو مجرد التأكد من غياب الحرب.
ثالثًا، يمثل الدعم الدولي والإقليمي المنظم والمنسق ضرورة أساسية لهذه العملية. وتقع على الجهات الفاعلة الخارجية مسؤولية في دعم اليمنيين في نقاشهم وبنائهم للتوافق حول الحلول السلمية. ولا بد لهم من اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم عملية السلام وتحقيق استقرار واسع النطاق. وسيكون لدعم هذا المجلس أهمية حيوية.
على ضوء هذه الخلاصات، أتصور عملية سياسية جامعة يمتلكها اليمنيون ويدعمها المجتمع الدولي. وينبغي للعملية أن تقدم الدعم للحلول قريبة الأمد لخفض تصعيد العنف والحيلولة دون مزيد من التدهور الاقتصادي وتخفيف أثر النزاع على المدنيين. ولا بد من أن تحدد تلك العملية وتبني التوافق حول عناصر تسوية سياسية تنهي الحرب بشكل مستدام، وتؤسس لترتيبات حكم جامعة، وتضمن حقوق اليمنيين المدنية والسياسية والاجتماعية الاقتصادية والثقافية.
وينبغي تصميم العملية بطريقة تسمح بإحراز التقدم بشكلٍ متوازٍ فيما يتعلق بمختلف عناصر جدول الأعمال ذات الأهمية لليمنيين. وسوف تعالج العملية أولويات الأطراف في سياق جدول أعمال أوسع نطاقًا يمثل مصالح مختلف اليمنيين. إنني أرغب في إطلاق عملية شاملة تسمح بإحراز التقدم التصاعدي.
لقد بدأ الحوار حول هذه العملية مع نطاق واسع من المعنيين اليمنيين بما يتضمن أطراف النزاع، وسوف تزداد كثافة هذه الحورات. ومن الواضح أنَّ هذا العمل يواجه تحديات نتيجة احتداد شدة النزاع العسكري. إلا أنه لا ينبغي السماح للتصعيد العسكري بإيقاف هذه العملية، بل أنه يزيد من أهمية العمل الذي نؤديه. وكما أشرت في مقدمتي، ما زلت مقتنعًا بأن الأطراف المتحاربة قادرة على الدخول في محادثات بل يجب عليها ذلك حتى لو لم تكن مستعدة لإلقاء السلاح. وينبغي الإبقاء على فتح قنوات الاتصال دون شروط مسبَّقة وأن يكون ذلك ضمن أولى الأولويات.
سأستمر في التطلع إلى دعم أعضاء هذا المجلس لجهود الأمم المتحدة في إنشاء عملية جامعة وشاملة للتوصل إلى نهاية عادلة ومستدامة لهذا النزاع.