قصة "التونة والإندومي" : استنتاجات من الحرب الكلامية بين الميليشيات الإيرانية

  • بواسطة حمدي مالك
  • 02:37 2021/10/18

تحليل السياسات | 
 
تذكر المشاحنة بين المنصات الإعلامية لكل من «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» بأن بعضاً من أفضل مواضيع العمليات الإعلامية المضادة للفصائل يتم تحديدها من قبل الجماعات نفسها بسبب العدائية التي تُظهرها تجاه بعضها البعض.
 
شهدت الفترة بين 22 و23 شباط/فبراير 2021، اندلاع منافسات خفية بين قنوات التواصل الاجتماعي التابعة لكل من "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" وتحوّلها إلى مشاجرات محتدمة. وكالعادة، تكشف هذه الفصول الكثير عن الحركات المعنية والعلاقات فيما بينها. 
 
الخطوة الأولى: انتقدت «كتائب حزب الله» الهجوم بالصواريخ على السفارة الأمريكية. وبدأ الخلاف بدأ بعد شنّ هجوم صاروخي على "المنطقة الدولية" في بغداد في 22 شباط/فبراير. وسقطت الصواريخ في موقف للسيارات وألحقت أضراراً بعدد منها. وأدان المتحدث العسكري لـ «كتائب حزب الله»، جعفر الحسيني، الهجوم في اليوم نفسه، قائلاً "بحسب معلوماتنا فإن القصف الذي طال المنطقة الخضراء اليوم تقف خلفه أياد خبيثة تريد خلط الأوراق". وفي الخلفية، يبدو أن «كتائب حزب الله» قد قبلت بتوجيهات إيران منذ تشرين الأول/أكتوبر بالتوقف عن مهاجمة السفارات، قبل التحول في التكتيك الذي حصل في أعقاب الغارة الجوية الأمريكية في 26 شباط/فبراير.
 
 
الخطوة الثانية: «عصائب أهل الحق» ترفض هذا النقد. سارعت "صابرين نيوز" التي تصدر من قبل «عصائب أهل الحق» في الرد على ذلك، بنشرها صورة لأبو مهدي المهندس وقاسم سليماني تحت عنوان: "[انتقام] ضيف العراق المظلوم [إشارة إلى سليماني] وشيبتهُ [إشارة إلى لقب المهندس] دمكم بـ أعناق الشرفاء المقاومين". وكان المنشور أيضاً يحمل علامة تصنيف معبرة باللغة الفارسية:"#أتش_به_اختيار" [إطلق النار عند الإرادة] (انظر أدناه). وهذه العبارة هي إشارة إلى شعور «عصائب أهل الحق» بأن الميليشيا لا تحتاج إلى تلقي أوامر من «فيلق القدس» الإيراني لمهاجمة المصالح الأمريكية في العراق: وكان الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، يكرر هذا المسار منذ فترة طويلة، لا سيما تصريحاته بأن "المقاومة قرار عراقي بحت".
 
 
الخطوة الثالثة: تسخر «عصائب أهل الحق» من مصداقية «كتائب حزب الله» كفصيل مقاومة وتتهمها بالخضوع للنفوذ الأجنبي. وبعد سبع دقائق، نشرت "صابرين" الرسالة التالية: "زاد عدد الناتو في العراق فما أنتم فاعلون؟ هوسات ومهاويل؟ أم انتظار رتل يحمل علب سمك التونا ؟" من الواضح أن "صابرين" التابعة لـ «عصائب أهل الحق» تسخر من استراتيجية «كتائب حزب الله» في ضرب القوافل اللوجستية الأمريكية عبر مجموعة "الواجهة" «سرايا قاصم الجبارين».
 
 
واختتمت "صابرين": "المقاومة قرار عراقي بحت". هذا شعور يكرره الخزعلي بانتظام، كما ذُكِر أعلاه. ثم أعادت "صابرين" نشر رسالة من قبل الفقار، تم تقييمها أيضاً على أنها وسيلة إعلام تابعة لـ «عصائب أهل الحق»، مستشهدة بأحاديث تقول: "اتق الله وقل الحق ولو كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك، يا فلان اتق الله ودع الباطل ولو كان فيه نجاتك فإن فيه هلاكك". وهذا اتهام ضمني بأن «كتائب حزب الله» تسئ تمثيل نفسها على أنها مقاومة حقيقية.
 
 
الخطوة الرابعة: تسخر «كتائب حزب الله» من تكتيكات الصواريخ في "المنطقة الدولية". وفي اليوم التالي، 23 شباط/فبراير، ردت "الوحدة 10000" في القناة الإعلامية لـ «كتائب حزب الله» على "صابرين" في منشور دون ذكر أي اسم: "من يرمي هذه الصواريخ الاكسباير في مساحات الخضراء الفارغة وكراجاتها دون أن تمس سفارتهم هو من مقدّسي السفارة لا من اعدائها. والهدف واضح: تشويه سمعة المقاومة".
 
 
 
الخطوة الخامسة: تسخر «عصائب أهل الحق» من تفجيرات «كتائب حزب الله» على جوانب الطرق. ويبدو أن هذا النقد القاسي أثار غضب "صابرين" ودفع مسؤول القناة الإعلامية إلى إجراء استطلاع للرأي بعد أربع وأربعين دقيقة من خلال طرح سؤال وأربع إجابات محتملة:
 
برأيك كيف سوف يتم إخراج الامريكان من العراق؟
 
أ. المقاومة السياسية.
 
ب- استهداف ارتال التونه والاندومي على الدولي.
 
ج- سلاح فصائل مقاومة حقيقية بحجم عصبة الثائرين وحجم [سرايا] اولياء الدم.
 
د. الامريكيون أصلاً مراح يطلعون.
 
وتم حذف الاستطلاع بعد بضع دقائق.
 
 
التحليل
 
يُعتبر هذا التبادل من الرسائل الذي استمر لمدة يومين مشاحنة فعلية، حيث كشف عن انشقاقات مهمة بين أكبر فصيلين في إطار تبادل رسائل عبر الإنترنت يضرّ بالطرفين. ولا تعكس الانقسامات المنافسةَ بين الأفراد المحيطين بالفصيلين، الذين يشكلون القادة الرقميين في الجيوش الإلكترونية فحسب، بل أيضاً الاختلافات الفعلية بين سياسة «كتائب حزب الله» المتمثلة في تجنب شنّ هجمات على السفارة الأمريكية وتوق «عصائب أهل الحق» إلى ضرب القواعد وعدم الاكتفاء بشاحنات الإمدادات.    
 
ويؤكد تبادل الرسائل أيضاً عدم انضباط عملاء الفصائل الإلكترونيين الذين يبدو أنهم يتماهون عاطفياً مع الجماعات. ويشير هذا الأمر إلى أن حسابات متعددة لا تُدار من قبل الجماعة نفسها، ولا تتم إدارتها من قبل أطقم مؤلفة من عدة فصائل أو من عملاء إيرانيين أو تابعين لـ «حزب الله» اللبناني. وأخيراً، إن المشاحنة بين المنصات الإعلامية لكل من «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» - التي تذكّر بالنقاشات التي اندلعت في أواخر عام 2020 حول الاعتداءات على المنصات الإعلامية في بغداد - هي تذكير بأن بعضاً من أفضل مواضيع العمليات الإعلامية المضادة للفصائل يتم تحديدها من قبل الجماعات نفسها بسبب العدائية التي تُظهرها تجاه بعضها البعض بشكل دوري.
 

الدكتور حمدي مالك هو زميل مشارك في "معهد واشنطن" ومتخصص في الميليشيات الشيعية. وهو المؤسس المشارك لمنصة "الأضواء الكاشفة للميليشيات"، التي تقدم تحليلاً متعمقاً للتطورات المتعلقة بالميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. وقد شارك في تأليف دراسة المعهد لعام 2020 "التكريم من دون الاحتواء: مستقبل «الحشد الشعبي» في العراق". ويتكلم العربية والفارسية.

 

ذات صلة