تحقيق - نازحات المعافر: هروب من الموت إلى المعاناة

  • تعز، الساحل الغربي، الفضلي حسين:
  • 04:59 2021/07/05

يسطرن النازحات أنصع الملاحم في مواجهة الجوع، فمنذ نزوحهن يعملن بشكل متواصل وسط ظروف صحية وبيئة غير آمنة
 
تعيش النازحات في اليمن تحت وطأة المعاناة والبؤس، ويتقاسمن في خيمهن الواهية كل تفاصيل القسوة ومرارة العيش الكئيب منذ هروبهن من الموت المؤكد التي تحمله جماعة الحوثي بعد أن اتخذت من قراهن ثكنات وخطوط نار في حربها ضد القوات الحكومية المعترف بها دولياً، نائيات بأنفسهن وذويهن تحت رحمة المعاناة التي تقتات من حياتهن كل ملامحها.
فاطمة سالم (40 عاماً)، وسط مخيم النزوح بالبركاني: "أعمل في جرب (حقول) القات، أقطع الحشيش (الحشائش) من بين غروس القات من أجل أطعم أطفالي".
تعددت أشكال المعاناة التي تعيشها النساء داخل مخيمات النزوح، ففي مخيمات نازحي الكدحة تواترت المعاناة (ما بين التشرد والجوع ومكابدة الحياة من أجل العيش المتمثل في العمل والتسول إلى الخوف ومصادرة الحقوق والعنف الأسري) والتي ازدادت حدة ضراوتها أثناء فترة كورونا، كونه ألقى بانعكاساته السلبية على كاهلهن وأدمى جروحهن التي لم تلتئم بعد من الفقد والتشرد.
 
ما إن تدلف قدمك تجاه أحد المخيمات بالمعافر تبدأ عينك بمشاهدة أشكال المأساة وأنواعها فتدرك حجم المعاناة التي يقاسونها منذ بداية النزوح، فكل مخيم ينافس الآخر بالقصص المأساوية الأليمة، والتي بدورها تجسد فظاعة الحرب وما خلفته من تبعات.
 
مكابدة العيش
 
مع دخول النزاع عامه السادس، وكما جرى في عادة الحروب والنزاعات، استمرت النساء والفتيات في الاحتفاظ لأنفسهن بالنصيب الأكبر من تحمل وطأة المأساة. بين صراع من أجل البقاء، ورعاية للأطفال، تأتي "كورونا" لتكون قشة متآمرة على كسر ظهر البعير.
 
فاطمة سالم (40 عاماً)، اسم مستعار لنازحة تسرد المشقات التي وقعت على عاتقها وسط مخيم النزوح بالبركاني وتقول: "أعمل في جرب (حقول) القات، أقطع الحشيش (الحشائش) من بين غروس القات من أجل أطعم أطفالي".
 
تضيف "فاطمة سالم"، إن زوجها فقد إحدى قدميه في لغم أرضي بالكدحة جعله عاجزاً عن العمل مما جعلها تقوم بدوره من أجل تأمين حياة أسرتها ولا سيما بالتزامن مع انتشار وباء كورونا حيث توقف ما كانت تحصل عليه من المنظمات الإغاثية.
 
تعمل "فاطفة" إلى جانب مثيلاتها اللاتي فقدن أزواجهن أو أجزاء من أجسادهم وبقوا على قيد المعاناة، عاجزين عن العمل، وتحملت نساؤهم مشقة الحياة وقمن بدور الآباء في العمل لجلب متطلبات العيش.
 
من جانبه أشار الصحفي المختص بالشؤون الإنسانية، أمجد العزاني، بعد انتشار جائحة كورونا توجه معظم دعم المنظمات العاملة في اليمن إلى الجانب الصحي، الأمر الذي ضاعف من معاناة النازحين، حيث كان اعتمادهم كلياً على ما تقدمه المنظمات الإنسانية من مساعدات وخاصة في الجانب الغذائي.
 
النازحة المُعيلة
 
وسط مصاعب الحياة تقضي نازحات الكدحة أيامهن بمشقة بالغة من أجل العيش داخل مخيماتهن، فالنساء هنا باتت تشابه الطبيعة بقسوتها، حيث يقمن بكل المشقات ويتحملن تبعاتها من أجل الحياة، منذ أن هربن من قراهن التي استوطنتها وحشية الحرب، القائمة بين القوات الحكومية المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي.
 
في حديثها ل"الساحل الغربي"، تقول النازحة مريم عبدالله (50 عاماً)، "بعد هروبنا من الحرب في الكدحة توفي زوجي، واضطررت إلى التسول من أجل إعالة أطفالي".
 
تصارع "مريم" إلى جانب مثيلاتها من النازحات الجوع ويعملن طوال اليوم في مختلف الأعمال كالتسول أو العمل مع السكان الأصليين لكي يكسبن لقمة العيش من خلاله ولا يحصلن على "الهدنة" إلا في ساعات النوم القليلة.
تضيف "مريم"، إن الوضع أثناء فترة كورونا لا يختلف عما قبله وحتى اليوم من ناحية مكابدة الحياة وكيفية العيش، لكن يختلف في طرق الحصول عليه، فأثناء كورونا بات شبح الخوف من الإصابة يقف في طريقها، ولكن الجوع وحياة أطفالها يعطيها دافعا أكبر بالمخاطرة في البحث عن وجبة الطعام.
 
وتسترجع -وهي تجر نهدة طويلة- بعض تفاصيل التعاسة في زمن نزوحها المقترن بالوباء: "كنت أسمع خبر الموتى هنا وهناك وأمتلئ خوفا من المرض، لأنني كل يوم أخرج أدور عن الرزق، لكن الجوع يخلينا نخرج".
 
يسطرن النازحات أنصع الملاحم في مواجهة الجوع، فمنذ نزوحهن يعملن بشكل متواصل وسط ظروف صحية وبيئة غير آمنة ولا سيما أثناء فترة كورونا التي رافقها شحة في توفر المعقمات والمستلزمات الطبية وخصوصا في المخيمات.
 
تضطر عشرات النساء النازحات في مخيم البيرين للخروج من المخيم إلى التسول لإعالة أسرهن وجلب القوت اليومي
تضطر عشرات النساء النازحات في مخيم البيرين للخروج من المخيم إلى التسول لإعالة أسرهن وجلب القوت اليومي
 
من جهتها فتحية عوض، نازحة في مخيم البيرين تلخص ل"الساحل الغربي" كل المعاناة التي يقاسينها النازحات فتقول: نتحمل كل المتاعب داخل المخيمات والتي لا يوجد فيها شيء سهل، نجلب الماء من الآبار البعيدة، ونتسول الخبز لإشباع الجوع، ونعيش بدون ضوء داخل خيامنا الصغيرة.
 
تضطر عشرات النساء للخروج من المخيم إلى التسول لإعالة أسرهن وجلب القوت اليومي ولا سيما اللاتي فقدن ذويهن أو أقعدهم المرض داخل خيامهم الصغيرة في مخيم البيرين بالريف الجنوبي لمحافظة تعز.
 
العنف الأسري
 
تسببت انعكاسات فيروس كورونا في ازدياد وطأة المعاناة الملقاة على كاهل النازحات في ملاذهن الهش، حيث فاقم معاناتهن وألقى بالعبء الكبير عليهن، ولا سيما أن كل النازحين من ذوي الدخل اليومي البسيط ومع تفشي الفيروس في المدينة انعكست تأثيرته السلبية والكئيبة على النازحات بشكل أكبر.
 
مخيم البركاني : تسببت انعكاسات فيروس كورونا في ازدياد وطأة المعاناة على كاهل النازحات
مخيم البركاني : تسببت انعكاسات فيروس كورونا في ازدياد وطأة المعاناة على كاهل النازحات
 
تقول سهام محمد (35 عاماً) اسم مستعار لنازحة في مخيم البركاني الواقع في الريف الجنوبي لمحافظة تعز، إن زوجها فقد عمله أثناء فترة كورونا حيث قضت أيامها معه بالمشاحنات والعنف بعدما اضطر للجلوس في الخيمة.
 
وتضيف سهام محمد، ل"الساحل الغربي": "قبل كورونا زوجي كان يحرس إحدى المدارس الأهلية والتي توقفت أثناء الفيروس، وأثناء جلوسه في البيت اتسم بالعنف والضجر دائما، حتى إنه اعتدى عليّ بالضرب". 
 
تعاني النازحات بشكل خاص والنساء بشكل عام في اليمن من العنف الأسري القائم على نوعية الجنس، حيث يسود المجتمع صفة الذكورية وتستباح فيه حقوق النساء ويواجهن بالعنف والذي تزايدت معدلاته أثناء فترة كورونا.
 
 
يوضح ل"الساحل الغربي" المحامي والناشط الحقوقي نور الدين المنصوري، أنه تلقى بلاغات وشكاوى من النازحات تؤكد تعرض النازحات للعنف الأسري، ولا يزال في صدد التأكد من صحة هذه البلاغات من خلال النزول الميداني والاستماع إلى الشهود.
 
ويضيف المنصوري، إن النازحات أكثر الفئات المجتمعية التي انتهكت حقوقهن منذ بداية التهجير والتشرد إلى النزوح وتفاصيل معاناته.
 
إحصائيات وحلول
 
مثلت المعافر ملاذاً آمناً لنازحي الكدحة، حيث تستضيف مديرية المعافر 3500 أسرة نازحة في المنازل، و1850 أسرة في المخيمات، موزعة على تسعة تجمعات رئيسية وأربعة تجمعات فرعية صغيرة، بإجمالي 10157 فرداً وتبلغ نسبة النازحات فيه حوالي 60% من هذا العدد. بحسب بسام الحداد مدير الوحدة التنفيذية.
 
في حديثه ل"الساحل الغربي" يقول الدكتور محمود البكاري أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز: إن العنف الذي تتعرض له النازحات مظاهره متعددة بداية من التشرد وعدم توفر سبل ووسائل الحياة اللازمة التي تحفظ لها خصوصيتها كامرأة، ونتيجة لذلك تعاني النازحات من تردي الأوضاع المعيشية وتلجأ بعضهن إلى التسول أو العمل وتشغيل أطفالهن وينعكس هذا عليهن وأطفالهن سلباً.
 
ويضيف "البكاري"، إن هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه النازحات يحتاج إلى حلول ومعالجات ضرورية تساهم في تخفيف المعاناة عنهن، بالاستفادة من الدعم الدولي المقدم عبر المنظمات وتسخيره لمخيمات النازحين.
 
ويرى مراقبون، أن الحلول المؤقتة تبقي أمد المعاناة أطول ولو خففتها، خصوصاً أن الفترة الأخيرة قوبلت بشحة في الإمكانيات والمساعدات التي تقدم للنازحين والتي نتجت عن قلة الدعم المقدم من قبل الدول المانحة مقارنة بما قبل، ولا سيما أثناء فترة كورونا، والتي ألقت بظلالها على النازحين بشكل عام ووسعت دائرة معاناتهم، ويؤكدون أن الحل يكمن في إنهاء النزوح والقضاء على العوامل المسببة لذلك.

ذات صلة