عَجل يهلك نفسه والسيارة؟

01:14 2021/02/18

ردح الخصوم لا ينبغي أن يشغلنا عن ردح الأحباب، والأصحاب، والرفاق، وكل أهلنا في البلاد.. يتعين على المثقف عدم الاستغراق في السياسة والحرب، على حساب قضايا اجتماعية قد تبدو قليلة الأهمية في نظر شخص ما، بينما هي ضرب من ضروب الحرب الكبرى، كما هو الحال في قيادة السيارات والمركبات وحوادث السير.
 
قبل أيام قليلة كنا معاً ننظف (نسروس) سياراتنا، وملنا للحديث عن السيارات الكثيرة المدمرة المركومة في أحد الورش الفنية، فقال لنا مقاتل إنهم في اللواء خاصتهم خسروا أبطالاً بسبب حوادث الطرق، أعدادهم تفوق أعداد الذين استشهدوا أثناء معركتهم ضد ميليشيا الجماعة الحوثية.. وإن اللواء لم يخسر أولئك الشباب والرجال فحسب، بل خسر أيضاً المركبات والسيارات التي كانوا يقودونها.. من جهتنا قلنا لمحدثنا: لقد توفي لنا أصدقاء في حوادث سير على طريق الخوخة- المخا، ما كان ينبغي أن نفقد الثاني منهم لو أخذ حالة الأول عبرة له.
 
يوم الخميس الماضي 11 فبراير/ شباط، تصادمت 130 سيارة ومركبة على الطريق السريع بولاية تكساس، فقُتل خمسة وجُرح ثلاثون، وكان رجال الشرطة هناك مسرورين بإنقاذ كلب أصيب بالذعر لهول ما رأى! وفي أحد حوادث الطرق التي وقعت عندنا في اليوم التالي (الجمعة) مات ستة في قرية حليل بنقيل سمارة.. انقلبت شاحنة غاز على سيارة الهايلوكس التي احتشروا فيها كما يحشر لحم سمك ساردين في علبة صغيرة.. وقبل ذلك بأسابيع قُتل وأصيب 25 آدمياً؛ بسبب حادث سير قرب مدينة معبر الذمارية.. فلاحظوا الفارق بين حوادث الطرق عند الغربيين وعندنا.
 
قبل سنوات نقلنا لأستاذنا عبد الباري طاهر خبراً مؤداه أن سيارة من طراز سوزوكي هوت في نقيل سمارة فمات جميع السبعة الذين كانوا يركبونها.. وقلنا: السيارة لا تتسع سوى لسائقها وراكب على المقعد الأمامي وراكبين اثنين على الكرسي الذي في الخلف، بينما شحنت السوزوكي الصغير الضيقة بسبع أنفس.. فقال تقولون لي هذا، حسناً، أقول لكم: لا توجد سيارة هايلوكس تحمل أربعين شخصاً إلا عندنا في اليمن، ومع ذلك يُقال لماذا يموت أشخاص كثر في الحوادث المرورية؟ هي سيارة صُنعت لنقل البضائع، ولا تتسع غمارتاها إلا للسائق وثلاثة أشخاص، لكن بدلاً عن البضائع يحملون عليها عشرات الأشخاص، فيصيرون ضحايا أحياناً، كما في حالة الخمسة والثلاثين رجلاً وامرأة وطفلاً الذين ماتوا قبل أيام عندما هوت بهم سيارة الهايلوكس التي كانوا عليها  في منحدر بمحافظة حجة.
 
ما زلنا على نفس العادة التي صورها الشاعر الأمير أحمد فضل العبدلي (القمندان) قبل نحو ثمانين سنة، لحالة السيارات وملاكها وسائقيها وركابها، على طريق الشيخ عثمان- لحج:
حملوا الركاب فيها أربعين، كأنها قصعة حشوها ساردين
تبصر الموتر حنينه ما افجعه، حمله مولاه لما شبعه
صف، والبنكة عليها أربعة، من صَبَر جالس ومن مل استقام
اركبوا با يصلح الله كل شان، ما معانا (ليت) والدنيا ظلام
 
استخدم القمندان لفظة (ليت) الانجليزية وتعني مصباح، سراج، ضوء.. نقول: إضافة إلى المخالفات لجهة نوع وحجم الحمولة، ولجهة استخدام سيارة بضائع لنقل مسافرين عبر الوهاد والجبال، هناك أسباب أخرى كثيرة مختلفة لحوادث السير: السرعة، وهي العدو القديم الذي لا يتجنبه السائقون.. مخالفة قواعد المرور.. ويقود أحدهم السيارة ليلاً وهي عمياء، أو دون إضاءة، وبعض منهم يعميك بضوء سيارته..  وهناك الإطارات المقلدة، والإطارات المنتهية بكثرة الاستخدام.. ومن الأسباب عدم فحص أجزاء السيارة قبل السفر.. ثم هذي الطرق الرديئة المحفرة المكسرة، ومع ذلك ليس بين المطب والمطب إلا مطبات.. وعلى كثرة الحوادث، وكثرة ضحاياها، ومعرفة أسبابها، فإن معظم الناس لا يعتبرون.. يسرع وهو يعرف أن زميله مات بسبب السرعة، فيهلك نفسه، ويفقده عياله، وتخسره قصيته، وزيادة على ذلك يهلك معه آخرين، ويدمر مركبة أو سيارة.. لماذا تفعلون هذا؟ متى تكفون؟ ألا تعتبرون؟ ولماذا عليك أن تعتقد أنك أذكى من الذين راحوا ضحية السرعة والإهمال، وأنك أكثر منهم حذقاً في الطرق، وأمهر منهم في قيادة السيارات؟ تسوق السيارة وعلى الكرسي يمينك يحتشر ثلاثة ركاب، إذن سيطر على عجلة القيادة يا ذكي، لو دهمتك مفاجأة، وما أكثر المفاجآت في الطرق!
 
استشهدنا قبل بحادث السير المروع الذي وقع على الطريق السريع بولاية تكساس الأميركية، 130 سيارة ومركبة، والقتلى خمسة فقط، ويحدث قريب من ذلك في بلدان عربية مثل السعودية، فيعزى قل الخسارة إلى عاملين أساسيين: عدم تجاوز السرعة المحددة، وسيارات إما  هي جديدة، وإما أنها بجميع أجزائها تخضع لصيانة دورية.. بينما يحدث في بلدان قريبة الشبه باليمن لأن سائقين يعتقدون أنهم أذكياء ومَهَرة، ولتشابهه في أنماط التربية، وفي الأوضاع الاقتصادية والثقافية والقانونية.