الأطفال في زمن الحوثي.. حكايات تختزل مآسي حرب المليشيات على مستقبل اليمن – "تحقيق ميداني"
الساحل الغربي - خاص
12:00 2020/04/21
منبر المقاومة – تحقيق/ فيصل عبدالرحمن:كان أحمد جرادي وهو طفل في الثانية عشرة من العمر يقف في سوق المخا المركزي للأسماك محاولا تصريف ما تبقى له من علب الآيسكريم التي بحوزته، حيث يعمل في هذه المهنة منذ عام لإنفاق ما يكسبه على أسرته.
فر أحمد هاربا من منطقة مقبنة التي لا تزال مليشيات الحوثي تسيطر على أجزاء منها، وأصبح نازحا مع عمه الذي تعيش أسرته داخل مخيم الشاذلي، ويتقاسم معها الطعام والمسكن وظروف البؤس داخل ذلك المخيم.قال، لـ"منبر المقاومة" بحزن: كان والدي يتولى هذه المهمة لكن طقما لمليشيات الحوثي قام بدهسه متسببا له بإعاقه دائمة.يضيف ذلك الطفل بحسرة، لقد تركوه ملقياً على ارض الشارع بمنطقة البرح، لم يقدموا له أي مساعدة، كل تكاليف العلاج دفعها عمي، أما والدى فقد أصبح معاقا، لا يقوى على الحركة.يصف ظروف العمل بالشاقة التي لايقدر على تحملها، لكن الوضع الذي باتت عليه أسرته تجبره على القيام بذلك.يربح أحمد 1500 ريال يومياً وهو مبلغ زهيد مقارنة بالجهد الذي يبذله، في نهاية كل شهر يبلغ مجموع ما ربحه خمسة وأربعون الف ريال يرسلها كنفقات لأسرته لشراء إحتياجها من الغذاء.على مقربة منه كان مجموعة من الأطفال يقفون على الطريق الترابي المؤدي إلى مسجد الشاذلي، أحد أقدم وأكبر المساجد التاريخية في مدينة المخا، وقفوا بمحاذاة سياج من أعواد أشجار السمر التي حشت بينها أجزاء صغيرة من الأعواد وأشجار شوكية، لتحيط بمخيم للنازحين.كان القصد من عمل ذلك، حجب الرؤية عن مساكن العائلات داخل ذلك المخيم الذي يقع على رابية ترابية، إضافة لسد الفجوات الصغيرة بأكياس النايلون لمنع دخول الأتربة إلى ذاك المخيم الذي يضم 65 أسرة.تتراوح أعمار أؤلئك الأطفال ما بين السابعة والثانية عشر من العمر، وجميعهم يعملون في التسول لكسب المال. تقول عائده، مكتفية بإعطاء إسمها الأول، كنا نعيش بسلام في ديارنا بمنطقة البرح إلى أن جاءت مليشيات الحوثي، وأطلقت طلقات من الرصاص والقذائف على المساكن. لم يجد السكان سوى فرصة واحدة للهرب بحسب ما تضيف، كان ذلك قبيل ساعات الفجر عندما خفت أصوات الإنفجارات.تتذكر تلك الطفلة كيف أتخذت أسرتها ضمن عشرات الأسر طرقا ملتوية حتى لا تتعرض لقناصة المليشيات وسط الأودية وأستقرت أسرتها في هذا المخيم بعد أن خسرت كل شيء.تصف عائدة التي كانت تدرس في الصف الخامس الإبتدائي، مليشيات الحوثي بالمجرمين الذين لا يتورعون عن إستهداف البسطاء، كانت كلماتها حزينة وتختزل الحرمان والبؤس الذي يعيشه الأطفال في زمن المليشيات، كانت تتمنى العودة إلى منزلها، لكن ذلك لن يتحقق، طالما ومليشيات الحوثي لا تزال باقية بقريتها الريفية.عصفت الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثي بحياة ملايين الأطفال، ودفعت بهم إلى التشرد والنزوح، فيما توفى أو أصيب العديد منهم بالألغام والعبوات الناسفة، كحال عبدالرحمن ومختار.قصة عبدالرحمن ومختار وهما طفلان من مديرية ذوباب الساحلية أنهما يعشقان اللعب بكثرة ويحرصان على عدم تفويت أي فرصة من أجل قضاء وقت ممتعا معا.وكعادتهما كل يوم، خرجا صباح الجمعة قبل الماضية للمكان الذي اعتادا اللعب فيه، لكن عبد الرحمن وجدها فرصة لتغيير نمط اللهو اليومي من خلال القفز.شاهد جدار بجانب إحد المنازل المدمرة وقام بالصعود عليه ليقفز في الهواء، قبل أن يصعد خلفه رفيقه، وعندما عاد إلى الأرص وقعت إحدى قدماه على عبوة ناسفة، دون ان يعلم ما الذي تخفيه الأقدار تحت التراب، ليدوي صوت إنفجار ضخم سمع في أرجاء المكان.قال عبدالرحمن لـ"منبر المقاومة": أنه شاهد عظم ساقه الأيمن بارزة بعد ان اهترأ اللحم من عليها، كان يشعر بالم شديد لايقوى على تحمله، ودماء آخذة بالتدفق، فيما يسمع صوت انين صادرا من صديقه، بعدها لم يعلم ما الذي حدث إلى ان وجد نفسه في اليوم التالي ممددا على سرير يحيط به أطباء. أما مختار فقد تعرض هو الآخر لكسر في ساقه الأيمن، وندوب شضايا غطت جسده كما أنه أصيب بما يشبه حالة الترويع والصدمة الناتجة عن حدث جلل.كان ذلك باواضحاً من لون عينيه اللتان تحولتا إلى الصفرة، وصمته، الذي يوحي بعدم رغبة الطفل البالغ من العمر 9 سنوات التحدث عن تجربة دموية ومأساوية معاً.بدأ عبد الرحمن وصديقه صباح الثلاثاء يتماثلان للشفاء وهما يجلسان بجانب سور منظمة أطباء بلا حدود في المخا، لكن منظرهما كان يختزل حياة الأطفال في زمن المليشيات، نزوح وتشرد وحرمان من التعليم والصحة، والقتل الذي من لم يسلم من قذائف المليشيات، قتلته الغامها وعبواتها الناسفة.