صاروخٌ إلى تل أبيب... وقذائفُ على بيت القرآن في ريمة!

  • خاص - الساحل الغربي
  • 05:17 2025/07/02

 
تُحاك الأكاذيب بشعارات «الموت لأمريكا» و«نصرة غزة» بينما يموت شيوخ القرآن في منازلهم برصاص "المجاهدين" الحوثيين.. ففي الوقت الذي كان فيه ناطق المليشيا يزمجر عبر الهواء بصاروخ قيل إنه طار إلى إسرائيل، كانت مدافعهم تصوّب قذائفها نحو سقف بيت صغير في جبال ريمة، حيث يعيش شيخ سبعيني لا يملك من سلاح الدنيا إلا مصحفه.
 
ذلك الصاروخ لم يصب شجرة في النقب، لكنه أصاب اليمن في الصميم... ومزّق جبهة رجل لا يحمل غير كتاب الله.
 
مشروع دموي يتخفّى خلف الشعارات يُبيد أهل الدين في الداخل، لأنه لا يحتمل صوتاً يعلو فوق صدى «الولاية» ولا يرضى بمئذنة لا تُسبّح باسم "السيد" ولو كانت تتلو آيات الله منذ خمسين عاماً.
 
الشيخ حنتوس الرجل السبعيني الذي أفنى عمره معلّماً للقرآن لم يُقتل على يد جيش أجنبي، وإنما على يد «مجاهدي عبدالملك» في جريمة تشبه بأسلوبها اقتحامات الاحتلال لغزة؛ الفرق الوحيد: أن إسرائيل لا تدّعي أنها "تحكم بشرع الله".
 
هكذا يتجلى النفاق في أقبح صوره: صاروخ في السماء لتزييف البطولة، وكمّ هائل من القذائف على بيت شيخ أعزل لإثبات الولاء للطاغوت.
 
ثمانون طقماً حوثياً وعشرات المسلحين ومجنزرات و"آر بي جي" ومكبرات تصدح بـ"الموت لأمريكا"... كل هذا من أجل ملاحقة شيخ سبعيني يعلّم القرآن في قريته؛ لأنه رفض أن يُسلم منبره، أو يُقفل دار تحفيظه التي سبق أن أُغلقت بأوامر من عصابة تمنح ترخيصاً للعبادة كما لو كانت ترخّص بيع السجائر!
 
ورغم إصابته قاوم الشيخ برجولته وسلاحه الشخصي، وسجّل وصيته، قائلاً:
(قصفونا في المسجد... حاولوا اغتيالي، وإن شاء الله هي الشهادة، فمن قاتل دون عرضه أو ماله فهو شهيد).
 
استُشهد واقفاً... كما يموت الكبار، بينما الجبناء يلوذون بالشعارات ويُصدّرون "خطاب المقاومة" إلى مهرجانات طهران.
 
حتى زوجته العجوز التي كانت تنزف بجانبه لم تُشفع لها إنسانيتها أمام وحشية المليشيا... منعت عنها الماء والإسعاف، وحتى الوساطات؛ والجريمة لم تقتصر على القتل بل شملت الحصار والقصف والإحراق والتشفّي في الجراح.
 
اقتحام بيت الشيخ حنتوس لا يختلف كثيراً عن مشاهد العدوان الإسرائيلي على غزة.. وهذا ما عبّرت عنه زوجته في تسجيل صوتي، قالت فيه:
(أخبِروا من خدعهم الحوثي باسم نصرة غزة أن عبدالملك يفعل بنا ما يفعله نتنياهو في غزة).
 
فأي نصرة تلك لفلسطين إذا كانت أولى القذائف تنطلق إلى صدور اليمنيين؟!
وأي دينٍ يُحكم به إذا كان معلم القرآن يُقتل جوار مسجده ويُدفن برصاص "المجاهدين"؟!
 
الحوثيون لم يقتلوا رجلاً فحسب ولكن اغتالوا "ضمير الريف اليمني وذاكرته الإيمانية".. الشيخ حنتوس كان «رمزاً دينياً» صوته سُمع قبل خمسين عاماً في مساجد ريمة، وكان بيته قبلة لطلاب العلم؛ قتلوه، لا لأنه قاتلهم بل لأنه لم يُسبّح باسم "سيدهم" وإنما باسم الله.
 
الجريمة –كما وصفتها منظمات حقوقية وبيانات رسمية– "مكتملة الأركان" لا تحتاج إلى جهد لتوصيفها: اغتيال ديني وتصفيات عقائدية ووصمة عار على جبين العالم الصامت، والمجتمع الدولي الأعمى الذي ما زال يتحدث عن "أطراف النزاع" وكأن القاتل والمقتول سواء.
 
فارس روبع وفارس الحباري، اثنان من صغار الطغاة في إمارة الحوثي الإجرامية، قادا الهجوم شخصياً، وكأنهما في مهمة لتأديب رجل تجرّأ أن يُعلّم كتاب الله دون إذن "السيد" وما حاربا الشيخ إلا لأنه يُجسّد النصّ الذي لطالما أرّقهم:
{لا إكراه في الدين} و{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}
 
فالحقيقة: الحوثي لا يريد فلسطين ولا يعادي إسرائيل بل يريد رأس كل يمني يرفض الطاعة العمياء، ويعلّم الدين من غير ترخيص الولاية... "القدس" لديهم ليست المدينة المحتلة لكنها عرش "السيد".
 
فماذا تبقّى؟
إذا كان شيخ القرآن يُقتل وزوجته تُمنع من الإسعاف، وأطفاله يُطاردون، وبيته يُحرق... فبأي وجهٍ يتحدّثون عن الشرف والكرامة وتحرير فلسطين؟
وأي بلدٍ هذا الذي يُدفن فيه الإمام ويُكافأ القاتل؟
وأي دينٍ هذا الذي يبارك قتل المصلين؟
وأي صاروخ يُطلق لتحرير فلسطين... بينما يُقتل "القرآن" في ريمة؟!
 
إلى المندوب الأممي الذي وطئت قدماه اليمن مؤخراً، لا نُرسل تحية لكن نرفع الحقيقة بلا رتوش:
كيف تفاوضون جلاداً يذبح معلم القرآن؟!
كيف تُبشرون بسلامٍ مع جماعة لا تُجيد إلا الغدر ولا تُتقن إلا لغة النار؟!
الحوثي لا يعرف السلام، لأنه لا يعترف بالإنسان؛
ومبادراتكم الناعمة ليست سوى غطاء دبلوماسي لدماء تُسفك كل يوم في ريمة، وتعز، وإب، وصنعاء.
 
فلا تتحدثوا عن مسارات سلام ما دام الشيخ حنتوس يُدفن تحت أنقاض بيته، وزوجته تنزف دون إسعاف، وأطفاله يُطاردون بلا جرم سوى أنهم حفَظة كتاب الله.
كفى خداعاً لهذا الشعب الجريح.
وكفى شرعنة لسفّاحين يتزيّنون بعباءات المقاومة والمظلومية... بينما يطعنون القرآن في ظهره.
 
فلتسقط كل مبادرة لا تبدأ بالعدالة ولا تنتهي بمحاكمة القتلة.

ذات صلة