هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعرًا أحيانا؟

05:29 2020/11/14

الحقيقة أنه يستحيل أن يكون شخصٌ ما شاعرا على الدوام وفي كل لحظة مهما كان إبداعه الشعري؛ لأن معنى كونه شاعرًا على الدوام معناه الاتصال بالعالم الآخر، والغياب عن الواقع. 
 
الشعر من الشعور، لحظة، أو لحظات تتهامى فيك أو تتهامى فيها أنت، تستفرغُ فيها طاقتك الكلية تماما، ثم تعود لحياتك الطبيعية في الوضع اللا إبداعي. 
 
الإبداعُ لحظات تهبط متى شاءت، ثم تغادر متى شاءت؛ لحظات تأتيك ولا تأتيها، لهذا يستغلق الذهن أحيانا عن كتابة سطر واحد لكاتب ما، يجمع بين غزارة الفكر وتدفق اللغة، فلا يستطيع أحيانا إكمال سطر واحد رغم امتلاكه مقومات الكتابة. من فكر وثقافة ولغة. وذات الشأن أيضا مع الشاعر الذي يعجز أحيانا عن نظم بيت واحد، رغم موهبته الفذة، وفي لحظات ما يتدفق الإبداع منهمرًا، حتى أن الشاعر نفسه يكاد يكون قصيدة بحد ذاته. 
 
كان طاغور حين يكتب قصيدته ينزوي على نفسه وحيدا لساعات أو أيام، كراهب في الصومعة، فيكتب إبداعه تحت هذه الطقوس فإذا ما تلاشت من تلقاء نفسها عاد إلى أقرانه واحدا منهم، وقد انفصلَ عن تلك اللحظات أو انفصلت عنه. 
 
يُقال: إن الشاعر الإنجليزي الكبير كوليردج لم يكمل قصيدة واحدة في حياته إلى آخرها، وكان النقص يبدو واضحًا على بعضها، وحين قيل له: هلا أكملت قصيدتك تلك؟ يجيب: "لن أكملها حتى تصل من الماورائيات. أنا لا أقوم بذلك بنفسي، لأني أكتبها فقط، إنها تصلني من المارواء. أنا لستُ كاتبا أو مؤلفا؛ بل أكتبُ شيئا يُملى عليّ. ليس باستطاعتي إضافة هذا السطر الوحيد المفقود. لقد حاولت عدة مرات وفشلت في كل مرة. كلما حاولت بدا السطر بشعًا ومختلفًا ولم يكن فيه أي إشراق".
 
وللإجابة عن الجزء الآخر من السؤال نقول: نعم، قد يكون غير الشاعر شاعرا أحيانا في لحظات ما، ذلك أن فن الاستماع لقصيدة ما والتحليق معها تعتبر حالة إبداعية في حد ذاتها، وأن الغوص مع القصيدة في عوالم الجمال وسبحات الروح إبداع مستقل، وقديما قيل: الوقوف في محراب الجمال هو الجمال بعينه. 
 
نمارسُ الشاعرية أحيانا بطريقة غير مباشرة في حياتنا اليومية بما هي فن، وبما هي ذوق، في طريقة ملبسنا وتعاملاتنا. نمارسها في التحليقات الروحية وفي دفقات الوجدان التي تنتابنا بين الحين والحين، ولكل شخص شاعريته الخاصة.