عيدٌ بلا أضاحٍ.. "الكبش" غائب و"الحوثي" حاضر بخطبة الجباية والصمود

  • عبدالصمد القاضي، الساحل الغربي:
  • 06:09 2025/06/05

في بلادٍ صار فيها العيد موسماً للفقر لا للفرح، تحوّل عيد الأضحى إلى مسرح علني للجباية وسوقٍ مغلقٍ على الفقراء مفتوحٍ لأثرياء السلالة.. أصبح العيد مجرّد طقسٍ عابر منذ أن اندلعت حرب المليشيا الحوثية عام 2014؛ موسماً للتذكير بما لم يعد ممكناً وفرصة إضافية للجباية باسم الدين والمواجهة.
 
أضحى العيد بلا أضاحٍ والبسمة مؤجّلة إلى حين سقوط "مشرف الجباية" من على صدر السوق.
 
صنعاء.. مذبحة اسمها السوق
 
العاصمة التي تقف على قدمين مرتجفتين لا ترى في العيد سوى نافذة إضافية للجوع؛ خروف الأضحية صار حُلماً يساوي راتب عام – إن وُجد.. سعر الكبش العادي يتجاوز 250 دولاراً، فيما الموظف الحكومي لا يرى من راتبه سوى "خطاب تعبوي" على شاشة المسيرة.
 
السوق مفتوح للفرجة فقط؛ الأغنام تُعرض كما لو كانت مصوغات ذهبية، والمشتري – إن تجرأ – يدفع ثمن الكبش والزكاة و"خدمة الصمود" وربما اشتراكاً في "النفس الطويل".
 
جباية تسبق البهيمة
 
في ذمار الباعة يهربون إلى أطراف المدينة كالمتسللين من طائرات استطلاع؛ السوق يُفتح قبل الفجر ويُغلق قبل الظهر، والبيع يتم على عجل وكأننا في صفقة سلاح لا تجارة مواشٍ.
 
"المشرف" لا يسأل عن سعر الخروف بل عن حجم ما سيحصده من الجباية؛ المواطن يدفع للجنة الزكاة، ولمندوب الجبهة ولصاحب السوق، ثم يكتشف أنه لم يشترِ خروفاً بل اشترى ذُلاً مغلفاً بآيات من سورة الكوثر.
 
السوق لمن يدفع بالدولار
 
في إب لا يدخل المزاد إلا أبناء "السلالة التجارية".. الدولار هو السيد والريال لا يُسمع له صوت إلا في خطب الزهد يوم الجمعة؛ المواشي تُربى في مزارع خاصة وتُباع في أسواق خاصة، والعامة لا يُسمح لهم سوى بشمّ الروائح.
 
بيان اللجنة الاقتصادية للحوثيين يدّعي "حماية الإنتاج المحلي" لكن الحقيقة أن السوق أُغلق على الفقراء وفُتح على أصحاب الولاء والعملة الصعبة.
 
من خروف إلى نصف دجاجة
 
محمد الشراعي موظف من صنعاء، قال وهو يُصلح ثوب طفله استعداداً للعيد:
منذ ثلاث سنوات لم أشترِ أضحية.. أحاول إقناع أطفالي أن العيد ليس في اللحم بل في الحب، وأن الملابس القديمة تصبح جميلة حين نرتديها بفرح".
 
وفي حجة خرج السوق عن السيطرة؛ الأسعار تتضاعف واللحوم تحولت إلى مادة استفزازية في مواقع التواصل.. بعض النشطاء اكتفوا بصورة "دجاجة مشوية" وكتبوا: "أضحيتي لهذا العام... طارت".
 
دولة حاضرة في الجباية.. غائبة عن الرقابة
 
من صعدة إلى ريف عمران، تتكرر الحكاية: لا تسعيرة رسمية ولا رقابة ولا منطق اقتصادي؛ فقط "أوامر المشرف" و"توجيهات الهيئة" وتعليمات "القيادة الثورية".
 
أحد الباعة في رازح قال بمرارة:
"ندفع زكاة وجباية ودعم صمود، وبالآخر يقولوا: نحن نحميكم من العدوان! من العدوان ولا من الجوع؟"
 
عيدٌ مسلوب.. ووطنٌ على مائدة الابتزاز
 
في اليمن لم يعد العيد مناسبة دينية بل منصة لعرض العجز العام وفرصة لإذلال الناس باسم "الإحياء الإسلامي"؛ المواطن يذبح فرحته قبل أضحيته، يُسحب إلى سوق لا يستطيع الشراء فيه، ويُطلب منه التبرّع بما لا يملك سوى صبره.
 
هكذا تحوّل موسم الأضاحي إلى موسم للبكاء الجماعي، وصارت الأغنام رموزاً للطبقية الجديدة، والمواطن مجرّد متفرج... يلعق بقايا ذاكرته عن عيدٍ كان يأتي بلحم وبهجة، لا بخطبة و"كيس قمح".

ذات صلة