يحيى مصلح.. بطل سبتمبري ومناضل جمهوري

06:46 2020/11/07

بين يدينا تاريخ عظيم لشخصية استثنائية في مسيرة النضال اليمني منذ منتصف القرن الماضي، وحتى اليوم، إنه الوالد المناضل يحيى مصلح مهدي الريمي، المولود عام 1938م في قرية البرار، من عزلة "عُدّن" غربي مديرية الجبين، عاصمة المحافظة، وفيها تربى ونشأ صغيراً. 
 
انتقل بعد ذلك مع والده إلى الحديدة، والتحق بأحد كتاتيب "المراوعة"، شرق الحديدة، وفيها تعلم القراءة والكتابة ومبادئ الحساب واللغة وعلوم الدين، بذهنية فتى متطلع طموح، استطاع بعد ذلك أن يشق طريقه بثقة وكفاءة عالية. 
 
في العام 1956م التحق بالكلية الحربية، بأمر خاص من ولي العهد البدر حينها، كأول طالب يلتحق بالكلية من المنطقة كلها، ومن مذهبية مغايرة للمذهب المحتكر لهذه المزايا، وفيها زاد تميزه ونبوغه، ليتخرج منها في العام 1959م. 
 
عمل بعدها موظفاً في الحديدة، حتى قامت الثورة، وبعدها انخرط في صفوف المناضلين الأحرار باستماتة وبطولة، إذ غادر الحديدة عقب قيام الثورة إلى صنعاء، ومن صنعاء توجه فوراً إلى حجة، معقل الإمامة، وفي حجة ابتدأت أولى فصول بطولاته التاريخية، في مطاردة فلول المخلوع البدر، واستطاع حسم الموقف العسكري في حجة خلال أيام قليلة فقط، إذ كان يعمل بجد ونشاط طوال اليوم ولا يكاد يستريح أو ينام إلا سويعات معدودة في تلك الأيام العصيبة، وفي تلك البيئة التي تعتبر الحاضن الأول للإمامة، وقد كان يدرك ذلك. 
 
بعد حسم الموقف عسكرياً لصالح الثورة في مدينة حجة عاد إلى صنعاء، والتقى الرئيس السلال، ثم توجه بعدها إلى جبهات ثوابة والعرقوب والأعروش وصرواح والتقى أبا الأحرار الشهيد مع محمد محمود الزبيري وعمل معه في خولان. وحين تأسست بواكير الحرس الجمهوري عمل مدرباً للملتحقين الجدد؛ حيث كان يتم إعدادهم قتالياً في دورات مكثفة لأيام أو أسابيع، ثم إلحاقهم بجبهات النضال لمواجهة فلول الإمامة. 
 
ولكون الرجل ذا طموح عسكري وسياسي فقد سافر إلى القاهرة، وأخذ فرقة قادة كتائب هناك، عام 64م، فتم تعيينه قائدًا لإدارة تدريب الجيش، لما يقارب السنة، وعاد مرة أخرى إلى القاهرة، ودرس أركان حرب، وتخرج عام 66م كأول ضابط يمني يحصل على الماجستير في العلوم العسكرية.
 
بعد عودته من القاهرة تم تعيينه قائداً للمركز الحربي في تعز، ثم استدعي إلى صنعاء حين اشتد حصار السبعين يوماً، وتولى منصب رئيس عمليات الجيش، وكان من قادة عمليات فك الحصار إلى جانب القادة الثوار الآخرين. وتقديراً لبطولاته العسكرية تم تعيينه بعد ذلك ملحقا عسكريا في القاهرة حتى أغسطس من العام 1968م. 
 
ولأن جبهات صعدة على وجه التحديد لا تزال في يد الإماميين حتى ذلك العام فقد تم تعيينه قائداً للواء صعدة، في عام 1970م، لأشهر معدودة، تم تعيينه بعدها عضواً في مجلس الشورى ممثلاً للقوات المسلحة بقرار من رئيس المجلس الجمهوري. وفي البرلمان بدأت اهتماماته السياسية أكثر، فجمع بين بطولة القائد العسكري وحنكة الرجل السياسي. 
 
وفي حكومة الدكتور حسن محمد مكي تم تعيينه وزيراً للتموين والتجارة عام 1974، كما عين عضوا في اللجنة العليا للتصحيح التي شكلت إثر حركة 13 يونيو 1974 بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي. وكان من المتأثرين كثيراً بالرئيس إبراهيم الحمدي، ومن أقرب الناس له. وفي عهده شغل محافظا للواء ذمار، ثم إب، ثم محافظا للواء صنعاء، ولهذا فقد غادر اليمن نهائيا إلى العراق وسوريا عقب مقتل الرئيس الحمدي، ولم يعد إلا مع بداية فترة الرئيس علي عبدالله صالح؛ حيث تم تعيينه سفيرا ومفوضا لدى تشيكوسلوفاكيا في أغسطس من عام 1979، وحتى 1982م، وفي عام 1982م عين سفيراً ومفوضاً فوق العادة لدى دولة قطر الشقيقة.
 
عاد بعدها إلى اليمن وتم تعيينه محافظاً لصعدة خلال الفترة ما بين 1983 – 1984، ثم محافظا لذمار مرة أخرى خلال الفترة 1985 – 1987م.
 
في العام 1988م تم انتخابه عضواً في مجلس الشورى عن مديرية السلفية وبلاد الطعام، ثم عضوا في مجلس النواب عن مديرية الجبين في العام 1993م. بعدها عمل مستشاراً لرئيس الجمهورية، ولزم منزله متأملا بين الكتب ومتابعة كل جديد. 
 
يقول الكاتب والمؤرخ اليمني حيدر علي ناجي العزي عنه: "إن من الصعب الإحاطة بشخصية مثل شخصية اللواء يحيى مصلح. فهو برصيده الوطني ومنعطفات حياته المليئة بالأحداث والمواقف ومشاركته في صنع القرار ترك بصماته التي أثرت في وعينا ووجداننا منذ نعومة أظافرنا، ليس في ريمة وحدها؛ بل على مستوى الساحة اليمنية، فهو علمٌ شامخ معروفٌ بذاته ولا يحتاج إلى تعريف".