أمل محمد.. ستة أعوام مقعدة على فراش الموت

  • الساحل الغربي، ضيف الله الصوفي:
  • 09:17 2024/01/28

"أشتي لقمة من يدك في الصباح، ثم تأخذينا إلى المدرسة يوميًا مثل كل الأمهات.. لماذا دائمًا جالسة على الفراش". ليس هناك ما هو أقسى من تساؤل طفل لم يبلغ العشرة أعوام، عن معاناة والدته، بل عن حلمٍ يبدو للقارئ بسيطًا، لكنه يصير صعبًا عند المقعدين، كما هو حال الأم أمل محمد، والتي فضلت تقديم رغبة طفلها، كمدخل للحديث عن قصتها المؤلمة.
 
أمل محمد، 28 عامًا، وهي أم لثلاثة أطفال، أصيبت خلال الأشهر الأولى من العام 2018، بطلقة قناص حوثي، تسبب بجعلها طريحة الفراش لأكثر من ست سنوات، وما زالت، تشكو العجز، وتعاني من البقاء دون حركة.. هكذا أصبحت اليوم، بعد أن اخترقت طلقة القناص عنقها الهش، أصيبت على إثرها بشللٍ رباعي، أفقدها القدرة على الحركة والكلام.
 
في منطقة الشقب، جنوب شرق مدينة تعز، كانت الأم أمل، في طريق العودة من مستشفى المنطقة، متجهة نحو المنزل، لكن قناصة الحوثيين حرفت مسار حياة المرأة.
 
تقول أمل لـ"الساحل الغربي": "قصة قنصي قد تكون غريبة ربما، لأن الحادثة حصلت عندما كنت في السيارة عائدة نحو البيت، وفجأة أصابتني طلقة قناص.. اخترقت مباشرة عنقي والحبل الشوكي، وخرجت من ظهري لتسكن في قدم شخص يجلس بالكرسي الخلفي.. لم أشعر حينها سوى بمس كهربائي، وفقدت الإحساس تمامًا، والحركة والكلام".
 
وتضيف: "نزل زوجي وهو يحملني ويصرخ بصوت عالٍ، يظنني فارقت الحياة.. قام بإسعافي، وفي الطريق تعطلت السيارة نتيجة وعورة الطريق.. حينها كان زوجي يجري ويبحث عن سيارة أخرى تأخذني إلى المدينة.. قاموا بإسعافي بواسطة سيارة أخرى، ووصلت المدينة، وقد نزفت الكثير من الدماء، حتى فقدت الوعي.. أسعفوني إلى مستشفى الروضة، كنت فاقدة الوعي، ولم أعلم ما حصل".
 
الشعور بالإحباط
 
ولأن منطقة الشقب، قرية ريفية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، فقد كانت الجبهة الأشد عنفًا بين جبهات المدينة، إذ حاولت فيها ميليشيا الحوثي السيطرة عليها بكل الطرق، مستخدمةً مختلف أنواع الأسلحة، لقتل المدنيين، وتفجير المنازل، وزرع الألغام والعبوات الناسفة، كما كان لقناصيها المتمركزين في التلال المحيطة دور آخر في عمليات قنص مستمرة استهدفت المدنيين والنساء والأطفال.
 
يتحدث بسام عبدالله، زوج أمل لـ"الساحل الغربي": "عندما أصيبت زوجتي، كنت كالمجنون ظننتها قد ماتت.. نزلت وحملتها بسرعة وأخذتها إلى مستشفى المدينة.. وهناك ظلت أربعة أيام فاقدة الوعي، لم تستيقظ إلا وهي في العناية المركزة".
 
واستطرد قائلًا بأسف: "استيقظت أمل بحالة هستيرية، ودخلت في حالة نفسية عندما عرفت أنها لا تستطيع الكلام، وغير قادرة على الحركة.. حتى الطبيب المعالج كان يعطيها علاجاً حق المرضى النفسانيين.. استمرت عملية العلاج في المستشفى مدة ثلاثة أشهر.. بعد ذلك سافرنا إلى تركيا بهدف العلاج، وقاموا بالكشف عليها، ومن خلال التقارير الطبية اتضح أن عندها شللا رباعيا، لأن مسكن الرصاصة كان في الحبل الشوكي".
 
من جهتها، تُؤكد أمل: "في البداية، شعرت بالإحباط، لكن عندما سافرت إلى تركيا شاهدت الجرحى، مثل حالي وأنني لست الوحيدة معاقة.. كان من الصعب عليّ تقبل الأمر، لكن مؤخرًا بدأت حالتي بالاستقرار، رغم استمرار وجع الأطراف الشديد إلا أن حالتي النفسية هدأت.. عادة كنت أحتاج أن تكون أقدامي ويداتي مرتفعين عن الأرض، إذا نزلتهم أبكي من شدة الألم".
 
نزوح واحتياجات
 
جاءت حرب الحوثيين، وأخذت من هذه الأسرة الريفية، ربة البيت والبيت معًا، حد وصف الزوج، خاصة أن الحرب لم تكتفِ في إصابة أمل بشللٍ رباعي، بل وصلت إلى تهجيرهم قسرًا، وتشريدهم، وتدمير المنزل بعد أيام من حادثة القنص.
 
يتذكر بسام: "رجعت من تركيا إلى المدينة وبسبب الضعف المادي رجعنا إلى قريتنا مرة أخرى، رغم شدة الحرب، واستمرار القنص والقصف.. لم نستطع توفير إيجار سكن في المدينة، بقينا في النزوح لمدة شهرين، ورجعنا إلى القرية.. إلى جانب ذلك، فقد عمدت ميليشيا الحوثي إلى تهجيرنا قسرًا من منزلنا في بداية الحرب".
 
ويتابع حديثه لـ الساحل الغربي: "فرضوا علينا نزوحاً قسرياً، ولم نستطع حينها أن نحمل أي شيء معنا.. وعندما عندنا القرية وجدت منزلي قد دُمِر تمامًا.. كانت بالنسبة لي صدمة ثانية بعد شلل زوجتي.. أبقيت موضوع البيت مخفياً عنها كي لا تزداد حالتها النفسية، واضطررت أن أسكن في الطرف الآخر من القرية، في بيت عمي".
 
يبدو أن أسرة بسام، قد عانت كثيرًا جراء النزوح، وفوق هذا اضطر الزوج إلى بيع الأرض، وجمع مبلغ بسيط يمكنه من الانتقال إلى المدينة مرة أخرى، وتسجيل زوجته أمل في مركز تدريبي، وتمرين جسدها لتتمكن من تحريك أطرافها، لكن وضع الأسرة المادي لم يساعد في إكمال مشوار العلاج.
 
توضح أمل: "دخلت مركز تدريبي، وبدأت أتمرن واستيطع الحركة استمريت لمدة ستة أشهر.. وبعدها وقفت ونقلت الى مركز آخر خاص، تدربت فترة معينة ووقفت بسبب وضعنا المادي الضعيف".
 
تشير في حديثها قائلة: "بجانب التكاليف الخاصة بالسكن والعلاج، أحتاج أحد يقوم بحملي إلى مركز التدريب، وزوجي لا يستطيع ذلك، لأنه مصاب بانزلاق في العمود الفقري وحالنا ما يسمح أجيب معالجة إلى البيت وظروفنا صعبة، لهذا قررت أوقف عمل هذه التمارين وحتى العلاج ما عندي غير الذي نستلمه من اللجنة الطبية فقط، أو علاج الكلى لأني أصبت بتقيح بالكلى".
 
وتضيف: "أكثر من يقهرني هو كلام أطفالي، كونهم أطفال لا يدركون حجم إصابتي.. أحزن لأنني ما أقدر أفعل لهم الذي يطلبوه.. يرجعوا من المدرسة يتساءلوا «ماما لماذا لم تكونين مثل الأمهات البقية» نشتي تصبني لنا ثيابنا، نشتي نأكل من يدك، نشتيك تأخذينا للمدرسة مثل أي أم تأخذ أولادها المدرسة، ليش حالك هكذا". وتتابع بنبرة حزينة: "لا أستطيع حتى أن أتحرك ولا أفعل لهم شيء".

ذات صلة