تعز.. كهرباء تجارية بالدولار بشبكة حكومية
- تعز، الساحل الغربي، تقرير خاص:
- 08:49 2023/11/12
▪كيف دمرت الحرب مؤسسة كهرباء تعز؟!
يشكو المواطن عبدالكريم محمد، من زيادة التكاليف التي يدفعها شهريًا لسداد رسوم الكهرباء التجارية في مدينة تعز، إذ إن الحصول على خط اشتراك ليس سهلًا، فقد تطلب من الرجل دفع رسوم وقيمة عداد اشتراك تصل إلى 35 ألف ريال، بداية حصوله على الخدمة، إضافة إلى شراء أسلاك ومستلزمات خاصة بالكهرباء، وهذه نصف مشكلة الرجل، بينما نصفها الآخر تتلخص في تلاعب تجار الكهرباء بأسعار الاستهلاك، دون إشعار المستهلك.
يوضح: "في البداية كنت أدفع 300 ريال للكيلووات، فجأة ارتفع 500 ريال، وهكذا كل أسبوعين عندهم سعر جديد.. يقولون إن سعر الدولار والمشتقات والديزل هو الذي يحدد سعر الكيلووات الكهرباء.. اليوم الكيلو بـ950 ريالاً، يستغلون حاجة المواطن".
ويقول: "كل مشترك يدفع ألفي ريال شهرياً مقابل الخدمات.. أين الخدمات والكهرباء أحيانا تضيع من ساعتين".
ويضيف: "لجأت إلى شراء منظومة طاقة شمسية، تساعدنا في التخفيف من الاستهلاك والدفع.. نستخدم الكهرباء التجارية للحاجة الضرورية، ومع ذلك أدفع بالشهر 30 ألف ريال".
وخلال الآونة الأخير، برزت الكثير من المطالبات الشعبية في وسائل التواصل الاجتماعي، بإعادة تشغيل محطة عصيفرة المتوقفة، والتخلص من الكهرباء التجارية، التي تواصل استغلال المواطن البسيط، واستغلال ظروف الحرب والحصار على مدينة تعز. وبالمقابل، تتلقى السلطة المحلية هذه المطالبات والدعوات، بأذن صماء، وتكتفي بالصمت، دون أدنى تحرك جاد في هذا الملف الأكثر غموضًا في تعز.
كيف جاءت هذه الشركات الخاصة بتوليد الكهرباء التجارية، ومن الذي قام بتأسيسها، وكيف بدأت العمل.. "الساحل الغربي" يسلط الضوء على ملف كهرباء تعز المدينة، ويحاول رصد التفاصيل في الميدان، وتتبع خيوط القصة، بهدف الإجابة عن تساؤلات كثيرة بشأن ما حدث لمؤسسة الكهرباء، التي لم تسلم من النهب، وما هي الأسباب والعراقيل التي وقفت أمام إعادة إصلاح الكهرباء الحكومية، وكيف تحولت إلى شركات تجارية، تبيع الطاقة الكهربائية بأسعار باهظة الثمن، ووحده المواطن من يدفع ضريبة ذلك.
مبررات وعراقيل
غالبًا قراءة النهايات تتطلب العودة إلى البدايات، فبعد أن تسببت الحرب بأضرار كبيرة لحقت بمحطتي توليد الكهرباء -المخا، وعصيفرة- التابعتين للدولة، الأمر الذي أدى إلى توقفهما عن العمل، لتعيش المدينة ثالوث الحرب والحصار وانعدام التيار الكهربائي.. وعلى الرغم من حاجة المدنيين التي تستدعي إعادة تأهيل هاتين المحطتين، لإنارة المحافظة، إلا أن كهرباء تعز ظلت مهملة، ومتوقفة باستثناء محطة المخا.
تشير المعلومات إلى أن مؤسسات الدولة الخدمية بدأت تعود إلى العمل تدريجيًا، بمساعدة وتعاون دول التحالف العربي، حيث تكفلت دولة الإمارات بإعادة تشغيل محطة المخا، لإنارة مدينة المخا، وفي العام 2018 أبدى البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، استعداده تقديم الدعم المالي لإعادة تشغيل محطة كهرباء عصيفرة، وتغطية حاجة المدينة من الكهرباء.. وتبعًا لذلك، وجهت وزارة الكهرباء بطلب تقييم الأضرار ومتطلبات تأهيل المحطة، والشبكة الكهربائية في المدينة، ومحطات التحويل.
تفيد مصادر، بأن القائم بأعمال المؤسسة رفع تقريرًا قبل سنوات، يقضي بأن عملية إصلاح المحطة تتطلب مليار ريال يمني، لكن الحكومة تجاهلت ذلك، ثم كلفت لجنة خاصة لتقييم وتقدير تكاليف التشغيل، بشكل دقيق، وبعد عملية حصر الدمار، قدرت اللجنة بأن المحطة بحاجة إلى 350 مليوناً، لشراء قطع الغيار، وتشغيلها.
ووفقًا للتقرير اعتمدت الحكومة المبلغ، إضافة إلى صرف كمية من المشتقات اللازمة للتشغيل، بحيث تتجدد هذه الكمية كل ثلاث أشهر، وبحسب المعلومات فإن احتياجات تأهيل محطة عصيفرة، وإعادة تشغيلها، وصلت المدينة، بما في ذلك قطع الغيار، لكن مؤسسة الكهرباء اعترضت صيانة محطة عصيفرة، بمبرر قربها من خطوط المواجهات.. هكذا جرى عرقلة إعادة خدمة الكهرباء الحكومية لمدينة تعز.
نهب المولدات
خلال السنوات الماضية، كانت مؤسسة الكهرباء في تعز عرضة للتدمير والنهب، حيث خسرت المؤسسة أكثر من 200 محول كهربائي مختلفة الحجم والقدرة، ناهيك عن مخازن تابعة للمؤسسة، تم نهب محتوياتها من معدات، ومولدات حديثة كانت بغرض تعزيز شبكة الكهرباء، وتوسيعها إلى مختلف مناطق المحافظة.
ولأن المدينة عاشت حالة من الفوضى، إبان دخول مليشيا الحوثي تعز، والتي سعت إلى تدمير مختلف المؤسسات الحكومية، الأمر الذي أفقد مؤسسة كهرباء تعز معظم المولدات، إضافة إلى مؤسسات أخرى تعرضت للنهب أبرزها، مبنى المحافظة، جامعة تعز، والبنك المركزي، ومكاتب المالية، والصحة، والمستشفيات، وصولًا إلى مبنى حزب المؤتمر الشعبي العام، ومقرات المؤسسات الصحفية.
تذكر اللجنة المسؤولة عن الممتلكات بأنها وثقت 30 عملية نهب للمولدات من المؤسسات التابعة للدولة، تتجاوز قيمتها ثلاثة ملايين دولار.. نصف هذه المولدات بيعت، بحسب مصادر خاصة، فيما الأخرى استخدمت لتأسيس شركات خاصة.
عقود باطلة
يمن كو، الأنوار، أنوار المدينة، النهضة، الضبوعة، محطة تعز، الحياة لايت.. سبع شركات خاصة تبيع الكهرباء للمواطنين داخل مدينة تعز، وذلك بعد تعطيل شبكة الكهرباء الحكومية، وعرقلة عملية الإصلاح والتأهيل لمحطة عصيفرة، التي كانت على وشك تنفيذ مشروع إعادة الكهرباء الحكومية بدعم سعودي.
بدأت هذه الشركات بالعمل منذ أغسطس 2018، بمولدات منهوبة من المحطات الكهربائية والمؤسسات الحكومية، كما تستخدم الشبكة الأرضية التابعة للدولة، بدون عمل عقود رسمية، أو تراخيص، في ظل انعدام الرقابة، وبتواطؤ القائمين في مؤسسة الكهرباء.
وحسب مصدر خاص، فضل عدم ذكر اسمه، فإن القصة بدأت مع بدء الحرب، وانقطاع كهرباء المدينة، ومعاناة المدنيين جراء ذلك.. ونتيجة لغياب الدور الحكومي، جاء التجار والمستثمرون بمبادرة بيع الكهرباء التجارية على ساكني المدينة، وبدأوا باستخدام الشبكة الحكومية بدون تراخيص، لذا جاءت التوجيهات من المحافظة تقضي بعمل عقود إيجار تسمح لهذه الشركات باستخدام الشبكة إلى أن تعود كهرباء الحكومة.
استغلال
وأضاف المصدر، لـ"الساحل الغربي"، إن الهدف من ذلك هو الحفاظ على الشبكة، فالعقد يلزم الشركات بتوفير الخدمة للناس، وصيانة الشبكة، أما عن المقابل فقد نص الاتفاق على أن تدفع الشركات المستأجرة 7 ريالات لحساب المؤسسة العامة مقابل الكيلووات الواحد، حيث يصل معدل الإيجار شهريًا إلى خمسة ملايين على جميع الشركات.
ويوضح بأن المؤسسة كانت مجبرة على التعامل مع القطاع الخاص لعدم تجاوب الجهات العليا وعجز الحكومة عن توفير إمكانيات التشغيل، نظرًا لأن "الناس بحاجة إلى ضوء، والمدينة في ظلام، جاءوا التجار معهم مولدات، ونحن أعطيناهم الشبكة، يبيعوا للناس كهرباء".
هكذا جرى ويجري الأمر، بشبكة حكومية، وبنية تحتية جاهزة، تستغل الشركات الخاصة لبيع الكهرباء للمواطنين، ويجني أصحابها مبالغ مهولة أسبوعيًا، فيما تحصل المؤسسة العامة للكهرباء على مقابل صغير.
ما حدث لشبكة كهرباء تعز يعد جريمة استغلال للمال العام، بحسب حقوقيين فإن قانون الكهرباء لسنة 2009 يمنع تأجير خطوط نقل الطاقة الحكومية، لذا فإن العقود التي تمتلكها شركات الكهرباء التجارية بتعز تعتبر عقوداً باطلة، تستدعي تقديم طرفي الاتفاق للمحاكمة أمام نيابة الأموال العامة.
هكذا تبدو القصة، والواقع شاهد على ما حدث ويحدث في مدينة تعز، من تدمير وتعطيل المشاريع الحكومية، ليجري تحويلها إلى مشاريع خاصة ومربحة، بأدوات ورأسمال حكومي.