أسرة تختصر مأساة بلاد - رابعة شرف.. طفلة تعز الحالمة بمحاكمة الحوثيين
- الساحل الغربي، ضيف الله الصوفي:
- 07:47 2023/08/21
رابعة شرف.. طفلة المآسي في تعز
- لم تكتفِ مليشيا الحوثي بتعذيب الأب، وقتل الأطفال، وقنص الأم..
- الحصار، والتجويع والمرض، ثالوث قاد الطفلين إلى الموت لتكون هذه الحادثة أولى صدمة فتحت باب المعاناة على مصراعيه أمام أسرة الطفلة
- من أمام أعين رابعة، جرى اقتياد والدها إلى مكان مجهول ليعود بعد ثلاثة أشهر حاملًا علامات التعذيب على جسده.. وبنبرة حزينة تحدثت الطفلة: "الحوثيون اختطفوا أبي.. عاد مصاب بحالة نفسية، لأنهم كانوا يضربوه بالبنادق ويعذبوه بالكهرباء، وربما كانوا يريدون التخلص منه".
- "نحن في حصار، نعيش في بيوت الناس، وأمي ما زالت تعاني حتى اليوم، ما تسمع، ولا تستطيع الرؤية بوضوح، وإذا شربت يخرج الماء من فمها.. أصبح علينا 3 مليون ريال مديونية.. ما معنا أب يشقي علينا، ولا أم تهتم بنا.. تعبت في هذا العمر، متحملة مسؤولية البيت، وتربية إخواني.. نموت جوع وبرد وعطش".
"لا أب سليم، ولا أم سليمة، ولا منزل سليم.. إخواني اثنين ماتوا محاصرين، ووالدي فاقد الوعي".. لم تستطع الطفلة رابعة شرف مواصلة الحديث عن أسرة كانت تنعم بالاستقرار، بينما اليوم تعيش حالة من الشتات والنزوح والإصابة؛ عن تهجير الأسرة قسرًا؛ عن موت اثنين من إخوانها جوعًا؛ عن قصة والد غيبه الحوثيون في السجن؛ عن أم كافحت الظروف لغياب الأب، فتعرضت للقنص والقصف المباشر؛ وعن طفلة عاشت جميع هذه المآسي.
وسط تزاحم الأحداث، تحاول بنت الثانية عشر عامًا فهم من هو قاتل أخيها، ومن يكون خاطف أبيها، وماذا يريد، لكنها كلما أدركت ما حدث، ترفض التعايش مع نتيجة ثقيلة على عمرها؛ لذا تجدها في كثير من الأحيان تهرب بنفسها من واقع تصفه بالمرير إلى حضن والدتها المصابة، كي تعيد ترتيب شتات التفكير، وتستعيد جزءًا من عصامية الروح.
في الرابع من سبتمبر 2016، بدأت أحداث القصة، عندما حاصر الحوثيون قرية الشقب -جنوب شرقي مدينة تعز- حيث تعيش أسرة الطفلة رابعة، التي رفضت الخروج من المنطقة، الأمر الذي جعلهم على موعد مع الموت، خصوصًا مع تقدم جماعة الحوثي آنذاك، والإحاطة بمنازل المدنيين.
تتذكر الطفلة رابعة، تفاصيل أولى أيام الحصار، وكيف أجبرتهم الميليشيا على ترك منزلهم.. "صباح الرابع من ديسمبر، غادرنا المنزل كالعادة توجهت إلى مدرسة المنطقة، وخرت والدتي إلى الوادي لحصاد الذرة التي تعد قوت يومنا، وتوجه أبي إلى المدرسة ليؤدي مهمته اليومية كمدرس رياضيات، ببنما تبقى في البيت اثنين من أطفال معاقين".
هكذا غادرت الأسرة المنزل، على أمل العودة عند منتصف اليوم، لتناول وجبة الغداء؛ لكن ما حدث هو عكس ذلك، فالأم عاشت لحظات رعب غير متوقعة خاصة عندما تفاجأت برصاصات القناصة تحاصرها وتمنع تقدمها أو الاقتراب من بيتها.
تؤكد رابعة: "يومها تجمعنا بالقرب من البيت، كنت مع أبي وأمي، وأربعة إخواني، نختبئ خلف أحد المباني، نفكر كيف يتسلل والدي إلى داخل المنزل لينقذ إخواني المعاقين؛ لكنه لم يقدر على تنفيذ المهمة".
لم تستطع هذه الأسرة العودة إلى المنزل، وسط محاولات كثيرة بالتدخل، جميعها انتهت بالفشل، وبعد يومين ونصف تمكنت إحدى نساء القرية من التسلل والمخاطرة بروحها في سبيل الوصول إلى الداخل وإنقاذ حياة الصغيرين من رعب الوحدة، ووحشة البقاء بانتظار الموت.
وبحسب حديث الطفلة لـ"الساحل الغربي"، فإن خروج الطفلين، جاء بعد يومين من الحصار والحرمان، والجوع والعطش، بسبب مضاعفة حالتهما المرضية.. "تصور ذبل جسداهما، وظهرت عليهما أعراض التعب والمرض.. أسعفناهما إلى المدينة، لكن حالتهما الصحية كانت سيئة، وفقدنا الأمل بأنهما سيعيشان.. استمرا في المستشفى لمدة أسبوع ثم فارقا الحياة".
الحصار، والتجويع والمرض، ثالوث قاد الطفلين إلى الموت لتكون هذه الحادثة أولى صدمة فتحت باب المعاناة على مصراعيه أمام أسرة الطفلة التي ما زالت تعاني حتى اليوم من تتابع المآسي والأحزان، ناهيك عن التشرد والنزوح وظروف حياة قست عليهم، لتتركهم بين جحيم الحرب وصعوبة المعيشة.
- اختطاف وتعذيب -
اعتقال رب الأسرة
من حادثة الحصار وقتل الطفلين، انتقل الحوثيون إلى اختطاف والد رابعة -الذي كان يعمل مدرسًا لمادة الرياضيات في مدرسة المنطقة- في محاولة للضغط على الأسرة للنزوح ومغادرة المكان.
يقول أبناء المنطقة، إن جماعة الحوثي لجأت إلى أساليب القوة، في كل مرة لإجبار المدنيين على الخروج من بيوتهم، فالتخويف والترهيب واختطاف المواطنين من المنازل والشوارع، وإلقاء التهم على الكثير من الناس، واحتجازهم في سجون سرية، وتعذيبهم.. أمور حدثت، وما زالت تحدث في مناطق تعز الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبحسب شهادات الأهالي، فإن مسلحين حوثيين اعتقلوا والد رابعة من أمام منزلهم، وذلك بعد أيام من وفاة الطفلين.. "نزلوا مسلحين حوثيين إلى قرية الشقب، أخذوا المعلم شرف أحمد دون سبب.. يومها لم نعلم ما هي تهمة الرجل، ولا مكان احتجازه.. فجعوا زوجته وأطفاله".
من أمام أعين رابعة، جرى اقتياد والدها إلى مكان مجهول ليعود بعد ثلاثة أشهر حاملًا علامات التعذيب على جسده.. وبنبرة حزينة تحدثت الطفلة: "الحوثيون اختطفوا أبي.. عاد مصاب بحالة نفسية، لأنهم كانوا يضربوه بالبنادق ويعذبوه بالكهرباء، وربما كانوا يريدون التخلص منه".
وعن تفاصيل عودته، سأل محرر الساحل الغربي، لتجيب الصغيرة: "تعرض والدي للتعذيب الممل، والمميت أيضًا، وبطرق تنوعت بين الضرب والتعليق، ورش مادة الاسيد على وجهه، وبعد هذا التعذيب رموه في طريق قريبة من خطوط التماس، ليعود إلينا جسداً بلا روح".
فاقدًا وعيه كليًا، عاد الملعم شرف إلى أسرته، وبجسد تظهر عليه آثار الضرب والعذاب، كما تفيد ابنته، التي تؤكد تدهور حالته النفسية والصحية، وفقدان توازنه، أو السيطرة على تصرفاته.. "يصيح علينا، ويكسر أدوات البيت.. ما ذنبه؟ كان مدرسًا، ولا عليه أي ذنب.. لماذا عذبوه؟".
- القناصة.. قتلة كل يوم -
مضايقات مستمرة
على الرغم من العنف المفرط، لجماعة الحوثي بحق المدنيين الأبرياء في قرية الشقب، وما رافق ذلك من مضايقات استفزازية، وتهجير قسري لكثير من الأهالي غادروا المنطقة مجبرين بقوة السلاح، إلا أن هذه الأسرة رفضت النزوح، حيث فضلت والدة رابعة البقاء في بيتها على معاناة التشرد والنزوح.. الأمر الذي دفع الميليشيا إلى قصف المنزل بشكل مباشر، بشتى الأسلحة، وتدميره وإجبار الأطفال على الخروج من القرية.
وعاشت الأسرة، بحسب الطفلة، أيامًا صعبة، ففي كل مرة تخرج الطفلة إلى المدرسة تتلقى خمس رصاصات قناصة، كما لو أن القناص يحادث ضحيته من خلال استفزازه وترهيبه: "استطيع قتلك برصاصة واحدة، وبالمقابل أريد قتل روحك في كل رصاصة لا تثقب جسدك".
وتشير رابعة إلى أن والدتها خرجت ذات يوم من المنزل، في مهمة جلب الطعام والحطب، ليجري إصابتها برصاصة قناصة في ساقها.. "خرجت والدتي من المنزل كي تطحن الذرة، التي تعتبر مصدر قوتنا اليومي، وتسد رمق جوعنا.. بعد دقائق من خروجها تعرضت للإصابة بطلقة قناص.. بمجرد أن سمعت الرصاصة خرجت إلى باب البيت لأصطدم برؤية أمي مرمية على الأرض، والدماء تخرج من جسدها.. افتجعت وبكيت، وناديت الجيران يسعفوها".
لم تكتفِ مليشيا الحوثي بتعذيب الأب، وقتل الأطفال، وقنص الأم، وتدمير المنزل جزئيًا، فقد أقدمت على ارتكاب جريمة بحق هذه الأسرة، تمثلت بإطلاق قذيفة على منزل المعلم شرف وأسرته، لتتلقى زوجته النصيب الأكبر من شظايا القذيفة.
من جهته، تحدث أحد أهالي القرية أن قذيفة حوثية سقطت بالقرب من منزل المعلم شرف، حيث أصابت زوجته بشظايا تسببت بكسر الفكين العلوي والسفلي، لتخضع على إثرها للعديد من العمليات، ولا تزال تشكو من الإعاقة حتى اليوم.
وتعيش اليوم أسرة رابعة ظروفاً معيشية صعبة، في ظل معاناة الأب، وإصابة الأم، ودمار المنزل، إلى جانب حالة التشرد والنزوح التي يعيشها هؤلاء البسطاء.
تستطرد الطفلة قائلة: "نحن في حصار، نعيش في بيوت الناس، وأمي ما زالت تعاني حتى اليوم، ما تسمع، ولا تستطيع الرؤية بوضوح، وإذا شربت يخرج الماء من فمها.. أصبح علينا 3 مليون ريال مديونية.. ما معنا أب يشقي علينا، ولا أم تهتم بنا.. تعبت في هذا العمر، متحملة مسؤولية البيت، وتربية إخواني.. نموت جوع وبرد وعطش".
هكذا يدفع المدنيون ضريبة الحرب في اليمن، وعلى الرغم من طفولة رابعة إلا أن الحياة ألقت عليها بحملٍ ثقيل، لتتحمل مسؤولية إعالة أسرة، وتربية إخوانها الأربعة، في ظل انقطاع راتب والدها، الذي كان يساعد الأسرة في توفير احتياجات الحياة اليومية.