10:53 2024/09/16
06:10 2023/10/01
03:17 2023/09/17
بإيجاز شديد عن حصاد القرون من "فنّ الحُكم"!
09:48 2023/04/06
يتحدث الأستاذ حسين العزي في تعليقه المرفق في الصورة عن "خبرة قرون طويله من فن الحكم"، فليتسع صدره لأحدثه قليلاً عن "الفشل السياسي الأطول في تاريخ الحركات والفرق الإسلامية على الإطلاق".
وبما أنه تحدث عن "قرون من فن الحكم"، فالمؤكد أنه يقصد أنهم امتداد للإمامة الزيدية، ولهذا سأتطرق بإيجاز شديد إلى حصاد تلك القرون من "فنّ الحُكم":
تخبرنا كتب التاريخ أنه بعد أول محاولة لتأسيس دولة زيدية، أواخر القرن التاسع وبداية القرن العاشر الميلادي، بقيادة الإمام الهادي، ظلت الحركة الزيدية -القرن تلو القرن- عالقة ومنقسمة على نفسها بين جبال وشعاب وقيعان الهضبة الشمالية من اليمن، هذا إذا لم تكن أغلب الوقت حبيسة صعدة.
وبالتالي، كان على النخبة "العلوية" الزيدية الانتظار قرابة سبعة أو ثمانية قرون، بعد وفاة الهادي، لكي تنجح لأول مرة في مدّ نفوذها إلى أقصى الجنوب والشرق من اليمن الكبير. حدث هذا التمدد في عهد الأئمة القاسميين الأوائل (منتصف القرن السابع عشر الميلادي)، ولم يُعمَّر سلطانهم في تلك المناطق لأكثر من بضعة عقود.
في المقابل، وخلال فترة الانتظار الطويل تلك، يتحدث التاريخ عن سلسلة من الدول والسلطنات (أجنبية إسلامية ومحلية)، كلها حكمت اليمن وفي اليمن، وكلها استطاعت -وياللمفارقة- أن تحصد ومن أول محاولة نتائج كبيرة على مختلف الأصعدة، من حيث الاتساع الجغرافي ودرجة التنظيم وقوة الشوكة:
فالصليحيين (الإسماعيليين) مدوا نفوذهم سريعاً على كامل الجغرافيا اليمنية، [لاحظوا -قبل الصليحيين بقرنين- لم يتجاوز الهادي وأحفاده صنعاء!].
بعد الصليحيين، تكرر الأمر مع الأيوبيين والرسوليين والطاهريين والعثمانيين على التوالي، وهؤلاء جميعهم "سُنة" من الناحية المذهبية، وهذا ليس هو المهم، فالمهم هو أنهم لم يضيعوا القرن تلو القرن في المحاولات الخاسرة قبل أن يتمكنوا من مد سلطانهم على كامل الأراضي اليمنية.
صحيح أن كل هؤلاء واجهوا الصعوبات ذاتها التي تحول دون الاحتفاظ باليمن كله لفترة طويلة متصلة، لكن المؤكد أنهم تفوقوا على الحركة الزيدية بكونهم نجحوا خلال مُدد وجيزة في الاستيلاء على الأرض اليمنية من حضرموت إلى صعدة، بل وامتد نفوذ بعضهم إلى عسير ونجران.
لننتقل إلى العصر الحديث: فبعد مضي 28 عاماً فقط من تأسيس الحكم الجمهوري في صنعاء على أنقاض الحكم الإمامي، اتحد اليمن -شماله وجنوبه- تحت العنوان الجمهوري في كيان سياسي واحد من صعدة إلى سقطرى.
ولكم أن تقارنوا الـ 800 عام التي أضاعها الأئمة العلويين في مساعٍ فاشلة وأحلام مُجهضة للسيطرة على اليمن، مع الـ 28 عام فقط التي انتهت في ظل الجمهورية بالتحام اليمن في دولة وطنية مركزية واحدة عام 1990م، دولة لها شخصيتها القانونية ومكانتها وحدودها المعترف بها أمام العالم!
ألا يحق لنا أن نستخلص من هذه الأمثلة شيءٌ ما؟
ألا يوجد ما يستدعي التوقف؟
ليس هذا فحسب، بل إن ما حققته الحركة الزيدية من النجاح كدولة، وكمشروع حُكم عنوانه "الإمامة"، طوال تاريخها في اليمن وخارج اليمن، ضئيل جداً حتى بالمقارنة مع ما حققته الحركة الشيعية الإثني عشرية والحركة الشيعية الإسماعيلية.
فهذه الأخيرة، مثلاً، وانطلاقاً من شمال أفريقيا (تونس)، شرعتْ عام 296 هجرية في تأسيس نواة لامبراطورية عظيمة مستقلة بذاتها، وفي القرن الرابع الهجري (362 هجرية) اتسع نفوذها إلى مصر، واتخذت من القاهرة مركزاً لها.
ثم راحت تضمّ إلى كيانها أقاليم إسلامية واسعة من بينها اليمن التي خضعت للحكم الفاطمي من خلال الأسرة الملكية الصليحية (الهمدانية).
وعلى الرغم من أن "الخلافة" الفاطمية في مصر لم تدم أكثر قرنين من الزمن- (انتهت عام 567 هجرية على يد صلاح الدين الأيوبي)، إلا أن الحركة الزيدية على مدى تاريخها لم تحرز نجاحاً سياسياً كهذا قَط، ولم تترك أثراً عُمرانياً وحضارياً هائلاً كالذي تركته الدولة الفاطمية قط، (حتى لو أخذنا بالاعتبار دولة الأدارسة العلويين في المغرب العربي، المشكوك في هويتها الزيدية الشيعية أصلاً، فلن تتغير النتيجة).
وحتى لو وضعنا الحظوظ السياسية للحركة الزيدية في مقارنة مع الحظوظ السياسية للشيعة الإثني عشرية، فهذه الأخيرة ستتغلب أيضاً!
مع الأخذ بالاعتبار أن الإثني عشرية اختطت لنفسها من البداية طريقاً متميزاً عن الاتجاه الزيدي الذي اختار الفعل الحركي العلني، بينما اختارت هي السكون والنشاط السري، وأولتْ عنايتها بالعرفان وعلوم الباطن، وانهمكت على مدى قرون في بناء الرموز والطقوس وتنظيم العقيدة، وحققت مكاسب ملحوظة في هذا الميدان، في مقابل عزوفها الواعي عن الحضور السياسي المباشر.
إلا أن نهجها هذا بدأ في التغير في ظل الدولة الصفوية في إيران التي جعلت من الإثني عشرية مذهباً لها، وجندت إمكاناتها لفرضه على الشعب، وهو ما شجع الفقهاء والملالي على الزحف باتجاه الحقل الذي هجره أسلافهم عن إكراه لا عن اختيار؛ حقل السياسة!
ثم بلغ هذا التحول التاريخي البطيء ذروته عندما وضع رجال الدين الشيعة عام 1979م أيديهم على مقاليد الدولة في إيران، وراحوا يديرونها بطموحات امبراطوية ترفع شعارات إسلامية، مستفيدين من الموقع الجغرافي بإرثه الحضاري الفارسي والساساني الموغل في القدم.
منذ ذلك الحين، قام نظام "الفقهاء السلاطين" -نواب "الإمام الغائب"- في طهران بوضع جماعات الشيعة الاثني عشرية في كلاً من العراق ولبنان والبحرين في دائرة نفوذه السياسي المباشر، وحاول التأثير على الأقلية الشيعية شرق المملكة العربية السعودية،
ثم نجح إلى حد كبير في الاستفادة الجيوسياسية من النشاط العسكري والسياسي لآخر حركة إحيائية إمامية زيدية ظهرت في اليمن!
فأين لنا أن نجد الشواهد على "فن الحكم" إذا كان معظم التاريخ شاهد على الإخفاق في "طلب الحكم" والإخفاق في تحقيقه وتثبيته؟
إن الأمر على الأرجح يتجاوز أن يكون مجرد سوء حظ يطارد الحركة الزيدية: إنه فشل مزمن وعميق يجب أن نلتمس له تفسيرات في طبيعة الفكرة ذاتها التي ترتكز عليها هذه الحركة ومشروعها وطموحاتها.
إلا إذا كان الفشل والتدمير غاية ومثل أعلى..
فهذا شيء آخر.