إب 100 عام مقاومة... دعم أهالي العدين لثوار حبيش في "الانتفاضة العُقابية" 1919 (2)

  • بلال الطيب
  • 03:22 2022/11/09

إقرأ أيضاً:
- إب 100 عام مقاومة... "الانتفاضة العُقابية" في حُبيش لمواجهة التوغل الإمامي (1)

لم يتحدث أحد من المُؤرخين الإماميين عن تلك الوساطة، ولا عن نتائجها، في حين اكتفى المُؤرخ مطهر أثناء نقله لتفاصيل هذه الجولة بالقول: «وتيسر في أثناء تلك المُدة خروج القاضي عبدالله بن محمد يونس حاكم حُبيش ومن معه من بقية الجند الإمامي إلى إب ليلًا، بعد أنْ حاصرهم الباغون أشد الحصار في ظَلْمَة».

المُؤرخ مُطهر لم يعترف أيضًا بحادثة تَعرض القوات الإمامية المُنقذة للحصار، ولا بخسائرها البشرية والـمادية، في حيـن أكد المُؤرخ أحمد الوزير ذلك قائلًا: «لم أعد أتــذكر متى أرسل سيف الإسلام أحمد أخاه من إب، ولكن الثابت أنَّ السيد عبدالله بن قاسم كان قد وقع محصورًا فور وصوله إلى حُبيش، وأنَّ الإمام يحيى جهز حملة تعز لفك الحصار عنه فقط».

وبين الحصار الأول والحصار الأخير، ثمة جزئية مهمة أوردها المُؤرخ أحمد الوزير، تُشير اختزالًا إلى قيام الإمام يحيى بإرسال حملة ثالثة إلى حُبيش، أسماها بـ (حملة تعز)، وربما – والاحتمال هنا ضعيف – المقصود حملة عمه علي الوزير الآتي ذكرها، في حين لم يُشر المُؤرخ مطهر إلى ذلك، واكتفى بالحديث عن استمرار المُواجهات في تلك الناحية، ما يُؤكد قيام أحمد بن قاسم حميد الدين بإرسال تعزيزات عسكرية لإنقاذ أخيه (عبدالله)، وأضاف مُطهر: «والحرب مستمر بين الفريقين، والمُخالفون يتلقون من ذوي التردد المعاونة الخفية، والتثبيت، والوعد بالمدد – إشارة إلى دعم مشايخ تعز وإب لتلك الانتفاضة – حتى أصروا على العناد، ودوام الفساد».

نقل المُتصرف يوسف بك حسن في مُذكراته جانبًا من تلك المُواجهات، وألمح هو الآخر لوجود حملة ثالثة، وقال في أحداث يوم 23 أبريل 1919م، تعليقًا على رسالة وصلته يومها، ما نصه: «وأنا أظن أنَّ ورود قوة.. إلى إب لأجل سوقها إلى حُبيش، حيث الأهالي هناك قاوموا الشرذمة الإمامية التي ساقها عليهم سيف الإسلام – يقصد أحمد بن قاسم حميد الدين – من إب، وأخذوا منها مدفعًا، ومَهمات أخرى، وفتكوا بها، والله أعلم ما سيكون بعد السكون».

إلى ذلك تحدث الجنرال البريطاني بيتي – القائم بأعمال المقيم السياسي بعدن – في تقريره الذي بعثه لوزير الخارجية الإنجليزي عن دعم أهالي إب والعدين، وغيرهم لثوار حُبيش، وذلك في لحظات انتفاضة الأخيرين الأولى، وأضاف – أي الجنرال بيتي – أنَّ الثوار قتلوا ما يزيد عن 60 جنديًا إماميًا، وأسروا سبعين آخرين، بينهم ضابط، وغنموا مدفعًا، ورشاشين.
 
وعلى ذكر دعم أهالي إب والعدين لثوار حبيش أثناء لحظات انتفاضتهم الأولى، أفاد الشيخ يحيى منصور بن نصر أنَّ والده أمد الشيخ محمد عايض العقاب بالمؤونة والذخيرة، في حين أشاد حفيد الأخير الشيخ مُراد أمين نعمان العقاب بدور مشايخ بيت الباشا (الجُماعي) في العدين بهذا الجانب، وقال نقلًا عن والده أنَّ أولئك المشايخ أمدوا جده بالذخائر، في حين تنكر معظم مشايخ المناطق الوسطى لالتزاماتهم.

من جهته غرَّد الباحث زيد بن علي الوزير خارج السرب، وقال أنَّ الإنجليز دعموا ثوار حُبيش ببعض الأسلحة، مُؤكدًا ثبوت ذلك في الوثائق البريطانية، دون أنْ يحدد مصدر روايته المُتخبطة تلك! وأضاف في موضعٍ آخر أنَّ انتفاضة حبيش «استهدفت إخراج الحضور الإمامي الرمزي المتبقي في قضاء إب من اليمن الأسفل كله».

المعركة الفاصلة

أمام تلك الانتكاسات المُتتالية، كلف الإمام يحيى الأمير علي الوزير – كما سبق أنْ ذكرنا – بإخماد تلك الانتفاضة، وكان خروج الأخير الأول إلى جحانة – أوائل مايو 1919م، وهناك كما قال ابن أخيه: «طلب من خولان كلها مُقاتلين، ليكونوا معه، فَخرج منهم الكثيرون، وفي مُقدمتهم الشيخ محمد الصوفي، ومشايخ كثيرون من بني جبر، منهم الشيخ البطل المجاهد الوفي عبدالله بن سعيد الجبري، والشيخ الفاضل عُباد المنصوري، ومن بيت أبو حليقة، وغيرهم».

لم يكن قَرار اختيار الذئب الأسود لمُقاتلين من خولان اعتباطيًا؛ فمعروف أنَّ عدد من أبناء تلك القبيلة سكنوا خلال العقود السابقة في بعض قُرى حُبيش، ويستحيل تبعًا لذلك أنْ يُواجه هؤلاء بني عمومتهم، وباتحاد القادمين والساكنين حصلت – كما سيأتي – الانتكاسة، وكان المُستفيد الأكبر من ذلك الإماميين المُحتلين، الذين ديدنهم التحريش بين اليمنيين، واللعب على وتر العصبيات المذهبية والمناطقية المقيتة.

ومن جحانه توجه الأمير علي الوزير (الذئب الأسود) جنوبًا صوب زراجة، ثم ذمار، ثم يريم، ومن الأخيرة أرسل بأول رُسله إلى حُبيش، ثم واصل تقدمه إلى سمارة، وفي مُرتفعاتها السامقة انتظر وصول باقي القوات، ولم يُغادرها إلا بعد أنْ تَرك فيها فصيلة من الجيش، على أنْ تتركز مهمة تلك الفصيلة بالتصدي للعساكر الفارين، وعدم السماح لأي رجل مُسلح بالمرور إلا بتصريح من الأمير نفسه.

كثف الثوار في تلك الأثناء من استعداداتهم للمُواجهة، ورتبوا في سفح جبل حبيش مَتارسهم، وما أنْ وصل الأمير علي الوزير إلى ناحية المخادر المجاورة، والواقعة في شمال ذلك الجبل، حتى سارع بإرسال رسوله الثاني إلى قائدهم الشيخ محمد عايض العقاب، عَارضًا عليه الاستسلام، وإخلاء سبيل القوات الإمامية المُحاصرة، فما كان من الأخير إلا أنْ رد على ذلك الرسول بإعطائه أربع طلقات من الرصاص، وخاطبه بالقول: «هذا هو الجواب، سلمه لمن أرسلك».

تزامنت عودة ذلك الرسول مع وصول الأمير علي الوزير إلى سفح جبل حبيش، ليتفاجأ بهجوم مُباغت شنه الثوار، أجبروه على إعادة ترتيب قواته 17 مايو 1919م، مُقسمًا إياها على أساس قبلي، حيث جعل – كما أفاد المُؤرخ حمود الدولة – قبائل عيال يزيد في الميمنة، وقبائل أرحب وحاشد في الميسرة، وقبائل خولان ونهم في القلب، وتولى بنفسة قيادة الفرقة الأخيرة.

ومن مَركز ناحية المخادر تَحركت قُوات الميمنة جهة الجنوب الغربي، وتمثلت مهمتها في السيطرة على مناطق جبل حُبيش الشمالية، فيما تحركت قوات الميسرة والقلب جهة الجنوب الشرقي، وتمثلت مهمتهما في السيطرة على جنوب ووسط ذلك الجبل العتيد، ومن قرية الزبيدي التابعة للمخادر، والواقعة في سفح جبل حبيش، قام الأمير علي الوزير بإرسال أحمد بن صالح الصبري إلى الثوار، إلا أنَّ وساطة ذلك الشيخ فشلت، وعاد أدراجه خائبًا، والشيخ المذكور كان من المُوالين للإمامة، وسبق أنْ عينه الذئب الأسود فور وصوله المخادر عاملًا لتلك الناحية، وشارك ومجاميع من قبيلته في هذه الحملة.

قامت القوات الإمامية بعد ذلك بهجوم شامل، ومن ثلاثة محاور، وقد واصلت قوات الميمنة تقدمها إلى عزلة الناحية، والأخيرة تقع بين عٌزلتي ظَلْمَة وقحزة حبيش، وتمكنت من الاستيلاء عليها، وعلى جميع حصونها، وصولًا إلى حصن شافة، وذلك بعد معارك شرسة برزت فيها بطولات الشيخ عبدالعزيز بن عبدالكريم الحداد، شريك الشيخ العقاب في قيادة تلك الانتفاضة، وقد قَاتل ذلك القائد الفذ حتى آخر طلقة، وقتل من على شرفة داره العتيق، الرابض في القُرب من ذلك الحصن حوالي 60 عسكريًا إماميًا، وكانت نهايته قتيلًا تحت أنقاض تلك الدار، وبعد أنْ عمد الإماميون على حرقها، وهدمها، وتركها قاعًا صفصفًا.

وفي الجانب الآخر، تجاوزت قوات الميسرة قرية الزبيدي وصولًا إلى قرية الغُراب التابعة لعُزلة جبل معود، من ناحية ريف إب، ومن الأخيرة أكملت مسيرها وسيطرت على مناطق جبل حبيش الجنوبية، وقد أوجز المُؤرخ أحمد الوزير مَعارك هاذين المحورين بقوله: «وبالنسبة للميمنة والميسرة فقد استمر القتال ليلًا من شمال الجبل وجنوبه، حتى استكملوا السيطرة على الجبل».

أما المحور الأوسط (القلب)، والذي قاده الأمير علي الوزير بنفسه، فقد اضطلع بالدور الرئيسي في تلك الجولة، وتجاوز قرية الزبيدي صعودًا إلى عُزلة المشيرق، والأخيرة تقع أسفل عزلة ظَلْمَة، وتُطل على قاع السحول، وقد دارت فيها – كما أفاد المُؤرخ مُطهر – أشرس المُواجهات، وأضاف ذات المُؤرخ: «وكان يومًا مهولًا، أظهر فيه المجاهدون من الشجاعة والإقدام ما بَهَرَ العقول، ولم يمض اليوم حتى انهزم الباغون، لا يلوون على شيء، وتقدم المجاهدون في عُزل حبيش إلى أنْ وصلوا إلى ظَلْمَة».

أما المُؤرخ حمود الدولة، الذي كان مُرافقًا للذئب الأسود في تلك الحملة، فقد أنهكنا بإطنابه وسجعه، وتجاوزه لكثير من الأحداث المُهمة، وأوجز تلك المعركة بقوله: «وكانوا – يقصد الثوار – قد استحكموا على الطرق بإتقان ترتيب الأدراك، وانتخبوا من أهل الجرأة من لا يتزلزل عن مستقر نُزله، وإن أشفى على مدارك الهلاك.. ودامت المعركة مسبلة ذيول ليلها، مُتكاثفة ركام سبلها وهولها، في يوم مشهود، وزمجرت ليوث كالرعود، وأصوات متصل المدافع والبنادق، تحسبها لصولتها أمهات الصواعق».

من جهته أرجع المُؤرخ أحمد الوزير ذلك النصر لعمه الأمير، مُخالفًا غيرة بالإشادة بالثوار، حيث قال: «والتحم الجيش مع المتمردين الشجعان، الذين سرعان ما انهزموا أمام الجيش الباسل، الذي لم يهب الموت، والذي لا يزال في كرٍّ وإقدام، مواليًا انتصاراته، واستمر القتال، واستمر النصر، ابتداءً من صباح ذلك اليوم إلى أثناء الليل، عندما اقتحم الأمير بنفسه وبقواته مركز ظَلْمَة، قاعدة الجبل الأشم، وسيطر عليه».

 
.... يتبع
 

ذات صلة