عصابة الحوثي الإيراني بين اضطرابات المواقف وتجليات الحقائق المخزية

08:51 2022/10/02

بتوجيهات من الكومبارس مهدي المشاط اعلنت ما تسمى اللجنة الاقتصادية لمليشيا الحوثي عن مخاطبات تتضمن تهديدات للجهات القائمة على استخراج واستثمار الثروات والموارد السيادية لليمن، وكذلك للشركات والمؤسسات التي تستثمر في هذه الموارد.
 
هذه التهديدات التي سبقت موعد انتهاء الهدنة الأممية ب ٢٤ ساعة، هي فصلٌ من فصول الموقف المضطرب للمليشيا الحوثية من الهدنة، ويكاد هذا الفصل يعبر عن النزوع العدواني الهمجي الحوثي نحو خيارات العنف والتهديد والارهاب والابتزاز، وهو نزوع يؤكد ان مليشيا الحوثية مهما تلونت وحاولت تغيير وجهها وتوجهاتها وخطابها، لا تستطيع ان تخفي حقيقة كونها عصابة ارهابية، يقودها ويرسم توجهاتها مجموعة من اللصوص وقُطَّاع الطرق والمنحرفين.
 
وبعد اقل من ٢٤ ساعة من بيان الابتزاز والتهديد، تصدر مطابخ الزيف الحوثية بيانًا جديدًا عن ما يسمى فريق التفاوض، أسمته ( بيانًا توضيحيًّا حول الهدنة ) لم توضح فيه مليشيا الزيف شيئا، سوى إصرارها على الكذب والخداع، ومحاولاتها قلب الحقائق والتنصل من الالتزامات، وتبرير نكوصها عن الاتفاقات ونقضها لكل موقف تلتزم به، كما ظهر من هذا البيان أن المليشيا تحاول أن تتبرأ من جرائم نهب المرتبات، و إغلاق الطرقات وتضييق الحصار على المدن، والمساومات القذرة بملفات الأسرى، وجرائم المتاجرة القبيحة بمعانات المواطنين التي افتعلتها وصنعتها وتسببت فيها.
 
وفي الوقت الذي بدأ المغفلون والمخدوعون يركبون موجة الزيف، ويتعاطون مع اكاذيب المليشيا، ويبثون في اوساط الناس أن الكهنة والأصنام يرفضون السير في تمديد الهدنة من مصدر قوة، وحرصًا على المصالح العامة وفقًا لدعاية البيان التوضيحي، كان دجالوا المليشيا ينسجون فصلًا ثانيًا مختلفًا من فصول الزيف، ويتواصلون مع المبعوث الأممي ويبلغونه موافقتهم على مقترح تمديد وتوسيع الهدنة، وإن كُنا نعلم إن المليشيا لم تلتزم بهدنة ولم تفِ بعهد، ولن تسير خطوةً نحو السلام، وإنما تبحث عن فرصٍ تخرجها من ازماتها، وتتيح لها المجال لتنفيذ مخططات الدمار والارهاب.
 
وعلى هامش اصداء الفصلين السابقين يظهر فصلٌ ثالث من الدجل والخداع، عبر تدوينة لناطق العصابة الحوثية، محمد عبدالسلام، ينفي من خلالها موافقة جماعته على مقترح تمديد الهدنة، وهي الموافقة التي افصح عنها المبعوث الأممي نفسه، وما هي إلَّا سويعات قليلة حتى سارع ناطق الجماعة إلى حذف تدوينته، التي كان قد قراها ووثقها مئات المتابعين.
 
حالة الاضطراب والتناقض في مواقف الجماعة الحوثية ليست جديدة ولا غريبة، كما لا يمكن الجزم بانها مخططة وموجهة لإرباك المشهد وخلط الأوراق، لكنها توحي بتعدد مصادر التوجيهات التي يتلقاها كهنة العصابة من سادتهم ومالكي قرارهم ومصائرهم في دهاليز الحوزات واروقة صُناع القرار في طهران.
 
وبصرف النظر عن أسباب وتفاصيل هذه التناقضات، فإن ثمة حقائق لا تتغيَّر في حال ومآل المليشيا الحوثية في كل ظرف ومنعطف، أهمها: 
 
الحقيقة الأولى: 
هي ان المليشيا الحوثية مهما اظهرت من القوة والجاهزية والتهويل، فإنها أضعف من أن تخوض معركة مواجهة منظمة مع قوة مسلحة تعرف معنى الحرب وكيفية إدارة المعارك، وقد تم اختبار صدق وواقعية هذه الحقيقة في معارك الساحل الغربي ومعارك تحرير شبوة، التي اثبتت أن قدرتها على الدفاع عن نفسها ومواقعها امام قوة منظمة ضعيفة، وتقهقرت تلك العصابات من المخأ إلى داخل الحديدة، وانهارت قواها في ساعات من محيط حيس وغربي مقبنة وجنوبي الجراحي، كما تلاشت فقاعاتها في أيام معدودة في معارك تحرير شبوة، وبالمقابل أثبتت معارك البلق والكسارة ومحيط مأرب هشاشة القدرة الهجومية لمليشيا الحوثي التي حشدت لاجتياح مأرب على مدار عام واكثر آلاف المقاتلين وما لا يوصف ولا يعد من العتاد، وتلاشت كل تلك القوة أمام قوات متماسكة استطاعت ان تبعثر كل حشود المليشيا وعتادها على أطراف مأرب.
 
الحقيقة الثانية: 
هي ان المليشيا الحوثية غير جادة ولا مؤهلة ولا مستعدة للسير في طريق السلام، لأنها لا تستطيع ان تكون شيئًا في ظل السلام، الذي يفرض التزامات داخلية، ويتيح فرصة لبروز المطامح الداخلية لفصائل ومكونات وأسر وبيوت وشخصيات، يشكل توحدها عامل قوة وحضور وفاعلية قي مناطق سيطرتها، بصرف النظر عن قذارة الأوراق التي يستخدمها كل طرف وفصيل ومكون وشخصية داخل تركيبة العصابة الحوثية وفي محيطها المناصر، وفضلًا عن ذلك فالعصابة الحوثية ليست دولة ولا حزبًا ومكونا سياسيا او اجتماعيًّا يحمل مشروعًا او فكرة يمكن أن يجتمع عليها المناصرون، وقد اثبتت السنوات الثماني المنصرمة وما زالت تثبت ان هذه العصابة لا تستطيع ان تعيش او تقدم نفسها إلًّا على انها عصابة وليس غير ذلك، وبالتالي لا يمكن ان يكون لعصابة فرصة حضور او بقاء في ظل سلام واستقرار تتحقق فيه العدالة ويسود القانون وتحضر الدولة بمؤسساتها ومنظوماتها.
 
الحقيقة الثالثة: 
ويتضح من خلال الحقيقتين السابقتين أن مليشيا الحوثي العميلة لإيران ليست اهلًا لحرب حاسمة، ولا مؤهلة لسلام تتوفر فيه أبسط شروط السلام العادل والشامل، ولكنها ومنذُ تأسيسها كجماعة عنصرية متطرفة ومتمردة في كهوف صعدة ، انتهجت ولا تزال تنتهج سلوك العصابات، وتحقق أكبر قدر من التغول والتوحش بعمليات عصاباتية ارهابية، وتخوض معاركها التوسعية الخاطفة في ظل الفوضى والاضطرابات، وتتهرب من حروب المواجهة ومن تحقيق السلام، إلى بيئة وظروف حالات ( اللَّا حرب واللَّا سلم )، وهي الحالات التي تفرضها الهُدن الهشة، والتهدئات غير السوية، والاتفاقات غير المنضبطة، والتوافقات التي لا تحميها ضمانات، ولا تحكم شروطها ضوابط حازمة، وليس جديدًا القول ان كل ما حققته المليشيا من تغول وتوسع كان في ازمنة الهدن والتهدئات والتوافقات والاتفاقات المرحلية، التي تبحث عنها المليشيا وتهرب إليها، لتستغلها وتستثمرها وتتوحش في خرقها وتحقيق مكاسب غير مشروعة من خلالها، وتمارس اثناءها وعلى هامشها ابشع انواع جرائم البطش والنهب والتصفيات والتنكيل والاضطهاد والأعمال العدائية.
 
خلاصة القول: 
ان فكرة وطموح ومشروع إنهاء مأساة اليمن واليمنيين التي صنعتها وجلبتها وتسببت فيها مليشيا الحوثي، وهذه المليشيا ليست سوى أدواتٍ تعمل في إطار مشروع توسعي ارهابي خطير تديره إيران، وتستهدف من خلاله اليمن ومحيطه وجيرانه، وتهدد من خلاله امن واستقرار المنطقة، وتسعى من خلاله لابتزاز العالم بتهديد ممرات الملاحة، وتشكل به خطرًا على الأمن والسلم الدوليين.
 
وخلاصة الخلاصة ان الحل الأمثل والاضمن والأقل كلفة، هو ان يعمل اليمنيون بكل قواهم على توحيد الصف والكلمة، والخروج من الخيارات المطاطية التي لم ولن تثمر شيئا، وإنهاء حالة ( اللَّا حرب واللّا سلم )، والذهاب إلى خيار من خيارين: ( إما السلم باشتراطاته وإما الحرب بكل تبعاتها)، والسير في هذا الطريق يتطلب أن يكون موقف الأشقاء دول التحالف ثابتًا خلف هذا الخيار، بكل ما لديهم من حضور ودبلوماسية وقوة وامكانات.
 
ولن يكون أمام المجتمع الدولي إلَّا ان يثبت مصداقية مساعيه لتحقيق السلام، او تسجيل موقف مخزٍ يضاف إلى مخازي صناع القرار في المنظمة الدولية، التي ما حسمت قضيةً ولا نجحت في تحقيق السلام على بقعة من بقاع الأرض، وليس من المبالغة القول أن استمرار السير في هدنٍ وتهدئات ليس إلا تكريسًا لحالة ( اللَّا حرب واللَّا سلم ) التي ستمنح هذه العصابة الاجرامية ومن خلفها إيران فرصة لتوسيع تهديداتها التي سيدفع ثمنها اليمنيون والعرب وكل دول العالم عاجلًا أم آجلًا.
 
٣ اكتوبر ٢٠٢٢ م