تعز مثالاً- منهجية المليشيات الحوثية: تفكيك وحدة المجتمع على نهج الإمامة
- تعز، الساحل الغربي، عبدالصمد القاضي:
- 07:30 2022/08/04
د. ياسر الصلوي: تسعى مليشيات الحوثي إلى هدم النسيج الاجتماعي، بدءاً بالتفكك الأسري، وهو جزء من منهجيتها، ظنا منها أنها بهذه الأساليب يمكن لها الاستمرار بالحكم على رقاب اليمنيين.
تعمل مليشيات الحوثي الإرهابية، منذ سنوات، خصوصاً ما بعد 2014 وانقلابها المشؤوم، على تمزيق وحدة النسيج الاجتماعي والتفكك الأسري بمنهجية ومخطط مدروس تسعى من خلالها تحشيد المقاتلين، وتقديم الولاء والبراء والانتماء للفكر الضال والدفاع عن السلالة ومشروعها المستورد من إيران.
منهجية-هدم الوحدة الاجتماعية
في تعز تتعمق المليشيات في المديريات الخاضعة لسيطرتها بترسيخ فكرة الولاء والبراء والولاية، تستخدم فيها المدارس والجوامع والجامعات، إعلاميا وثقافيا وعسكريا وسياسيا تهدف لتفكيك النسيج الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، ساعد ذلك في ارتفاع معدل الجريمة بين أفراد الأسرة الواحدة، وتحشيد المقاتلين إلى صفوفها بأسهل الطرق الممكنة، بتفخيخ العقول بالطائفية والتحريض على كل من يعارض الفكر الضلالي، حيث تنتهج مليشيات الحوثي منهجية إثارة الطائفية والمذهبية، وتتوغل في المناطق الخاضعة لسيطرتها خصوصا المناطق الوسطى كتعز.
بمنهجية التحريض والتعبئة الجهادية والفرز الطائفي استطاعت المليشيات الحوثية هدم وحدة المجتمع وخلق الصراعات والثارات بين أفراده، وإحداث شرخ كبير بين أفراد الأسرة، وتفكك روبط الأخوة بين الأشقاء وهدم علاقات الآباء بأبنائهم، ساعد ذلك في ارتفاع معدل جرائم القتل والانتهاكات على مستوى المجتمع والأسرة الواحدة ووفر ملاذا آمنا لمرتكبي الجرائم.
جرائم.. صناعة مجرمين
صنعت مليشيات الحوثي جيلا لا يعرف سوى القتل والدم، سبع سنوات كانت كافية لتفخيخ مستقبل نصف قرن قادم، وسيشكل خطرا حقيقيا إذا لم تحارب تلك الأفكار المسمومة بالفكر ومواجهتها إعلاميا وثقافيا وسياسيا وعسكريا.
محمد فؤاد أحمد الكمالي، شاب في مطلع العشرين من عمره، شهر فقط من التحاقه بدورات المليشيات الجهادية الطائفية كان كافياً لتفخيخه وخلق قاتل، لم يدرك والداه خطر المليشيات على عقل ولدهما، فكانت أخطر مما يتوقعان.
يقول أحد جيرانه "محمد عبدالله الكمالي"، عاد محمد إلى منزله بعد شهر من حضوره دورات ثقافة جهادية طائفية نظمتها المليشيات الحوثية بمركزها التدريبي في مدينة الصالح، بعد أيام قليلة طلب مندوب المليشيات عددا من الشباب وزج بهم في جبهات القتال، كان محمد أحدهم، لكن والده عارض التحاقه في صفوف الحوثيين، خصوصا بعد تصنيفه من قبل المليشيات بالتنظيم السلفي والتحريض عليه. التحريض والتعبئة تلقاها محمد في مقرات التفخيخ والتفريخ التابعة للمليشيات بمدينة الصالح في الحوبان، ضد والده الذي وصفوه بالمنافق، كان سببا أن يقتل محمد والده ويمضي دون أي عقوبة.
تشكل المليشيات الحوثية الملاذ الأخير لكل القتلة في صفوفها
محمد ناجي غالب، من أبناء مديرية سامع، هو الآخر قتل أخاه بدم بارد بعد أن عاد من دورة طائفية تابعة للمليشيات الإرهابية.
يقول محمد هائل، أحد أبناء المنطقة، إن المتحوث محمد ناجي كان يتوعد أخاه بين فترة وأخرى بالقتل حتى ارتكب جريمته وفر هاربا إلى صفوف المليشيات.
تفكيك روابط المجتمع
عملت وتعمل المليشيات على توسيع انتشار جرائم القتل بين أفراد المجتمع وتتجاهل الجناة في ظل انفلات أمني مقصود بهدف خلق الثارات وإضعاف وحدة المجتمع وإخضاع الجميع لسلطتها وإرادتها والتسلط على أفراد المجتمع.
بالإضافة لذلك، تتعمد المليشيات في المناطق الخاضعة لسيطرتها بمحافظة تعز تكليف عناصرها وأفراد المجتمع بالتبليغ عن أي مناهض لمشروعها التخريبي، وتتعامل مع أي بلاغ بكل قواها العسكرية.
في شرعب احتجزت المليشيات شابا مزق ملصق الصرخة وملزمة حوثية، بعد أن رفع عليه ابن عمه بلاغا دون مقابل، تزرع المخبرين بكل القرى والعزل، الصغير والكبير مخبر بالمجان على اخيه وابن عمه وجاره ووالديه.... وما استطاع في نطاقه الجغرافي.
نتيجة لذلك ومخاوف الاعتقال، هجّرت المليشيات أهالي معظم المناطق الخاضعة لسيطرتها بطرق غير مباشرة، وأصبحت مناطق محظورة على أبنائها، بهدف تفكيك روابط المجتمع وخلق بيئة لاستقطاب الأطفال والشباب إلى صفوفها من خلال دورات طائفية ممنهجة في المدارس والجامعات والجوامع والمناسبات ومراكز صيفية خاصة.
عمر أحمد علي، يقول أتمنى أن أزور قريتي في مديرية التعزية ولو ليوم واحد، لست عسكريا، لكنني للعام الخامس لا أستطيع العودة إلى قريتي وزيارة أهالي، لا سبب لمنعي سوى عمل المخبرين، الذين يتسابقون لخدمة الحوثي دون مقابل سوى الوهم.
إعادة الثأر
في أساليب زرع الفتن وإعادة الثارات بين أبناء المنطقة الواحدة تستخدم مليشيات الحوثي منهجية مستنسخة من زمن الكهنوت الإمامي بمساعي انقسام المجتمع.. مؤخرا استهدفت مليشيات الحوثي الشاب عمر عبدالعزيز بشرعب السلام، وحملت مسؤولية ذلك المتحوث مجاهد سرحان لخلق ثار لن ينتهي بمقتل مجاهد سرحان على يد قيادات الأمن الوقائي بالحوبان بعد الحادثة بيومين.
ووفقاً لإحصائيات خاصة، فإن معدل جرائم الثارات التى خلقتها مليشيات الحوثي خلال العامين الماضيين بلغ 38 عملية قتال بين الأهالي في مديريات تعز المحتلة.
استهداف اجتماعي وفكري
في ذات الإطار أنشأت مليشيات الحوثي مراكز صيفية تستقطب فيها الشباب والأطفال وطلاب المدارس لتسميم عقولهم بالطائفية والمذهبية والفكر الجهادي الإرهابي، وتقديس السلالة وتجنيدهم في خدمة مشاريع السلالة على نهج وطريق الإمامة.
إقرأ أيضاً:
- وقائع "استهداف منظم".. الأضرار الاجتماعية والاقتصادية لحرب وحصار الحوثي على تعز
- من سيرة الإمامة مع تعز.. انتفاضة جبل صبر سبتمبر 1919: الرأس بـريال!
- حصار تعز.. 7 عِجاف : قصص وشهادات مريرة يرويها الضحايا
- "صدمة الحجرية".. "الحصار المقدس" : البغي الحوثي في تعز
خطر المليشيات وأهدافها
د. الصلوي: تسعى مليشيات الحوثي إلى هدم النسيج الاجتماعي، بدءاً بالتفكك الأسري
يقول الدكتور ياسر الصلوي أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز والباحث في الشؤون الاجتماعية للساحل الغربي: طبيعة المليشيات الحوثية كأقلية مجتمعية، ومعرفتها حقيقة وضعها وكينونتها كطائفية أقلية، تعرف أنها لن تستطيع أن تعيش وتستمر بالسيطرة على معظم المناطق دون تفكيك الطرف المقابل لها والمتمثل بالمجتمع اليمني وتفكيك وحدة المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي، وبدون ذلك لن تستطيع مليشيات الحوثي الاستمرار بالحكم والاحتفاظ بالمناطق الخاضعة لسيطرتها، ولذلك تلجأ لأساليب مختلفة، إضافة للأساليب العسكرية والقمعية التى تستخدمها في قمع المجتمع ومحاولة فرض وجودها بالحديد والنار، ورغم ذلك تعيش حالة من القلق والخوف من انتفاضة شعبية، كما قامت سابقا بثورة سبتمبر ضد الحكم الكهنوت السلالي البغيض.
يضيف الدكتور الصلوي: تسعى مليشيات الحوثي إلى هدم النسيج الاجتماعي، بدءاً بالتفكك الأسري، وهو جزء من منهجيتها، ظنا منها أنها بهذه الأساليب يمكن لها الاستمرار بالحكم على رقاب اليمنيين.
وتابع: ومن الأساليب، نشر أفكار بين الشباب دخيلة على المجتمع وثقافة مغايرة لثقافة المجتمع والأسرة وخلق صراع بين أفراد الأسرة الواحدة: الابن مع والده ومع اخيه ومع أسرته. ومن هنا يبدأ التفكك الأسري وتمزيق الجماعات مما يسهل لها اختراقها، وكلما كان المجتمع مفككة يسهل السيطرة عليه.. أو من خلال بعث الطائفية في المجتمع اليمني والنعرات، بهدف سياسي لغرض البقاء في السلطة، لأنه لا يمكن للمليشيات البقاء إذا بقي المجتمع اليمني موحدا، وهي طريقة كان الأئمة يستخدمونها حتى مع أبناء القبائل.
خطر استمرار سيطرة المليشيات
وحذر الصلوي من استمرار سيطرة المليشيات، ووصف أبعادها بالخطيرة جدا "المنهجية التمزيقية التى تنتهجها مليشيات الحوثي لها أبعاد طائفية سياسية بالدرجة الأولى. مليشيات الحوثي والجماعة الهادوية هدفها السياسي السيطرة على السلطة تحت مبررات دينية والحق الإلهي بالحكم.
وقال: يكفي ما حدث خلال سبع سنوات من تدمير النسيج الاجتماعي وخلق الثارات والنزاعات القلبية، وإذا استمرت سيطرة مليشيات الحوثي فإن آثارها ستكون كبيرة وسنحتاج فترة طويلة لمعالجتها، وقد نعجز عن تفادي المخاطر سواء على التعليم المدرسي الذي بات فيه التعليم الأساسي مغلقا وتحولت المدارس إلى معسكرات طائفية أو الثارات والنزاعات القبلية.
ودعا الصلوي القيادة السياسية للاهتمام بالملف الاجتماعي وحمايته، حيث يعد هذا الجانب مغيبا عن كثير من القيادات السياسية والعسكرية، كونها تنظر للحرب عسكريا وسياسيا وتتجاهل الجانب الاجتماعي الذي يعاني التدمير والتمزيق والاحتقان الممنهج من قبل المليشيات.